حتى الزبالة… طيّفوها؟! كمواطنة من حقي الرفض…
د. سلوى الخليل الأمين
طيّفوا الزبالة في وطن الإشعاع والنور في لبنان، من حقي كمواطنة الرفض ورفع الصوت عالياً في وجه السلطان الجائر، خصوصاً أنّ المشكلة دخلت دائرة الطوائف والمذاهب، وهذا أمر مرفوض بحكم الدستور، وهو لا يليق بصورة لبنان الحضارية، التي ما زلنا كأهل فكر وقلم نسعى ونشقى من أجل استعادتها وإظهارها بالإطار اللائق بوطن، طالما كان قبلة الأوطان في تطوّره وحضارته وانفتاح بنيه، لهذا لم أحسبني أحيا إلى زمن تغمرني فيه زبالة الحيّ الذي أقطن فيه في منطقة بعبدا، حيث مقرّ رئاسة الجمهورية ووزارة الدفاع، والعديد من السفارات والإدارات الأجنبية والعربية، والسراي الحكومية العريقة التي تضمّ مقرّ المحافظة والمحاكم والعديد من إدارات الدولة الرسمية، و«غابة الرهبان» التي هي محمية طبيعية صالحة لممارسة رياضة المشي في الهواء الطلق بكلّ حرية ونقاء أنفاس.
كم أسعدني السكن في هذه المنطقة المسوّرة بالأشجار والأزهار والحدائق، لأنني ابنة جبل أهوى الطبيعة بفيء أشجارها، وتغريد طيورها، وطيب روائح أزاهيرها، وعملقة صنوبراتها، والاستئناس الممتع بسماع صياح الديكة عند طلوع الفجر الندي… لكن، كلّ هذه الأنعام ذهبت هباء حين قرّر المسؤولون في وطني رشقنا بروائح النفايات وعدم تحمّل طمرها وحرقها بالطرق والوسائل الحديثة، التي تجنّب المواطنين الأمراض والأوبئة المعدية.
لقد اخترت بعبدا مكان سكن آمن من الضجيج والتلوّث والمرض، وذلك بديلاً عن سكن حارات بيروت المكتظة بالأبنية التي لا يراعى في تشييدها التنظيم المدني، الذي من أهمّ واجباته عدم منح تراخيص البناء دون إيجاد مرآب للسيارات، يتسع لعدد واف من سيارات السكان، حتى لو كان البناء عادياً وليس سوبر دولوكس، خصوصاً أنّ تعداد السيارات في كلّ منزل أصبح بمعدّل أربع سيارات على الأقلّ لكلّ أسرة، لهذا وحرصاً على البيئة، يفترض بالمشرّع المسؤول اللجوء إلى تعديل قوانين البناء الحالية، بحيث يتمّ إجبار صاحب البناء على لحظ أربع مواقف على الأقلّ لكلّ مشتر، وليس كما هو الآن، حيث لا يتعدّى الأمر حيازة موقف أو موقفين حسب مساحة الشقة، أضف إلى ذلك أنه من الضروري فرض إنشاء الحدائق أمام كلّ بناية وعلى الأسطح أيضاً، كما في الدول الراقية كلها، والهدف طبعاً معالجة تلوّث البيئة، وعدم تعريض المواطنين للأمراض الوبائية، التي تنتج من اكتظاظ الأبنية وإغلاق مجاري الهواء واحتجاب ضوء الشمس الذي هو من الضروريات لجسد كلّ إنسان، لأنّ هذه النعم الطبيعية التي أوجدها الخالق العظيم من أجل تجديد حيوية وطاقة الفرد لأنّ العقل السليم في الجسم السليم، هي من الحقوق الإنسانية والصحية التي تراعيها كلّ الدول الراقية، لأنّ حق المواطن في العيش في بيئة نظيفة وصحية واجب، تلحظه كلّ الشرائع والقوانين في مختلف بلاد العالم المتحضّر.
بصريح العبارة، إنّ منطقة بعبدا التي اتخذتها مثلاً حيا لجمال الطبيعة والبيئة النظيفة في لبنان، تعاني اليوم من النفايات المكدّسة في شوارعها مثلها مثل كلّ المناطق اللبنانية، بالرغم من أنّ أهلها يتمتعون بخصال الودّ للدولة العلية التي لم تغيّرها مناكفات السياسيين وتشنّجاتهم وتطييفهم للشعب، حيث الجامع في بلدة «سبنيه» القريبة جداً، وهي تعتبر إحدى مناطق بعبدا السكنية، يجاور الكنيسة بطيب خاطر وإيمان مغروس في النفوس. لكن سكان هذه المنطقة على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم وبالرغم من كلّ المساوئ والشرور التي مرّت على لبنان سابقاً، لم يغيّروا عاداتهم وتقاليدهم اللبنانية العريقة والأصيلة، التي معيارها التعاون والتعاضد والتكامل والتواصل والمحبة، فأجراس الكنائس تعانق أصوات المآذن، والعادات الاجتماعية متصلة اتصالاً وثيقاً بعضها بالبعض الآخر، لم تنفصم عراها، وهذا طالما افتقدته في بيروت المهزوزة طائفياً ومذهبياً وسياسياً واجتماعياً، بحيث أنني لم أتمتع بطيب المناخ وعشرة السكان التي شعرت بها في هذه المنطقة اللبنانية المتآلفة، إلى أن حلّت مشكلة النفايات التي هي ورطة رجال السياسة في وطننا لبنان، حيث آلمني أن أجد أشجار الصنوبر والبرتقال وأسوار الحدائق مزنّرة بالنفايات التي شوّهت صورة الوطن الجميل أمام العديد من السكان الأجانب، الذين اختاروا السكن في هذه البلدة، لأنها صورة ناطقة عن جمال لبنان ذي الطبيعة الرائعة الاخضرار.
ما قصدته من هذا السرد، هو إظهار الصورة البشعة التي تمّ رسمها بسهولة عبر تكويم الزبالة التي يتمّ شراؤها بأغلى الأسعار في الدول الراقية ومنها السويد، بحيث لا تسبّب مشكلة صحية وبيئية للسكان، لأنّ هذا الأمر مرفوض ويعاقب عليه المسؤول أياً كانت رتبته أو موقعه، لأنّ المواطن يقوم بدفع كلّ مستحقات الدولة المفروضة عليه من ضرائب وغيرها، لهذا فإنّ القضية ليست بالبساطة التي يتعاطى بها المسؤول في لبنان منذ ما يزيد على أربعة أشهر ولتاريخه. لكن ما يؤسف له وما بتنا نسمعه من بوادر الحلّ المرتجى هو مذهبة وتطييف المطامر، من شيعية إلى سنية فدرزية فمسيحيية وهلمّ جرا، بغضّ النظر عن إعلان حالة طوارئ بيئية، تدعو إلى التواصل مع دول العالم المتحضّر عبر سفرائهم الموجودين في لبنان، من أجل التعاون في حلّ مشكلة النفايات، وما يتبع تكديسها في الشوارع من أمراض وأوبئة وحشرات سامة وحيوانات قارضة.
لهذا فإنّ الواجب الوطني يفرض عليّ، ليس فقط ككاتبة مقال صحافي أسبوعي، بل كمواطنة، أن أدلي برأيي في هذا الموضوع، وأن لا أبقيه طيّ الكتمان، ألا وهو رفض مشروع المطامر المُمذهبة حتى لا ينطبق هذا الموضوع على الكثير من المواضيع التي قد تستجدّ لاحقاً، ومن ثمّ نحمّل رؤساء الكتل النيابية المسؤولية في تكريس الطائفية السياسية عوضاً عن العمل على إلغائها، في الوقت الذي بدأ فيه الحراك الشعبي يتناول العودة إلى الحكم المدني العلماني الموحد لكلّ اللبنانيين، ورفض كلّ ما هو مدرج تحت عناوين 8 و14 آذار.
خلاصة القول إنه حين يطفح الكيل يتمّ الانفجار، ونحن كمواطنين نعاني الأمرّين من تجاهل أركان السلطة لما يريده الشعب، خصوصاً أنّ أماكن سكن المسؤولين في بيروت خالية من المزابل، حتى في هذا الموضوع هناك شتاء وصيف على سقف واحد، مثلما كان توزيع الكهرباء الذي ألغاه الوزير جبران باسيل حين كان وزيراً للطاقة، حين أخضع بيروت كغيرها من المناطق اللبنانية لبرنامج التقنين، يومها قامت القيامة ولم تقعد اعتراضاً، علماّ أنّ من ساواك بنفسه ما ظلمك.
لهذا هم اليوم يرفعون الصوت عالياً، ويتهمون الوزير فادي عبّود، وهو الصناعي بامتياز، لأنه قرّر باندفاع وطني العمل على حلّ مشكلة النفايات في منطقة ضهور الشوير وجوارها، بالتفاهم مع بلديتها، من أجل شراء محرقة للنفايات، تكون أنموذجاً لباقي المناطق اللبنانية. لكن ما يؤسف له أنّ المواطن اللبناني بدأ يسمع الاعتراضات عبر وسائل الإعلام من دون أيّ دراسة معمّقة للمشروع، في الوقت الذي يتوجّب على الخبراء والعلماء البيئيّين الاتصال بالوزير عبّود ومناقشة الموضوع معه لجهة دراسة مواصفات المحرقة المذكورة، حتى إذا تبيّن حسن جودتها ونتائجها، يُصار إلى تعميمها على المناطق اللبنانية كافة بالتنسيق والتعاون مع البلديات واتحاداتها، مع العلم أنّ الوزير عبّود وهو الخبير الصناعي المتمكّن لا يمكن له الإقدام على هكذا أمر، من دون دراسته بشكل علمي مفصل، لهذا ندعو علماء وخبراء البيئة التواصل معه من أجل الحصول على بيانات المواصفات للمحرقة المذكورة، ودراستها دراسة مفصلة بعيدة كلّ البعد عن المناكفات السياسية والكيدية، لأنّ صحة الناس فوق الجميع، ولعلّ هذه المحرقة تشكل الحلّ المرتقب الذي يخوّل الجميع لاحقاً الاقتداء به.
علماً أنّ كلّ من يعمل على تحويل طبيعة لبنان وجماله وعذوبة مائه إلى مصدر للأمراض والأوبئة هو مدان قانوناً، فهذا الفعل القائم، هو صورة قبيحة للحرب الناعمة التي تمارس على الناس بهدوء… وكي يتمّ تلافي نتائجها السلبية، التي قد تلحق الأذى بالجميع، على المسؤولين الإسراع في إيجاد الحلّ المناسب وتشكيل فريق من الخبراء لدراسة مواصفات محرقة ضهور الشوير، كي لا تقضي المطامر المُمذهبة على ما تبقى من لحمة وطنية، إضافة إلى التلوّث الذي سينتج عنها بيئياً وجوفياً وصحياً، علماً أنه إذا ما توافرت نية العمل الوطني من دون احتساب: «أنا كمسؤول شو بيطلعلي من العملية» تنجح الأمور من دون أدنى شك.
رئيسة ديوان أهل القلم