«إسرائيل» تتحرّك على كافة الجبهات بزخم غير مسبوق
روزانا رمّال
تدرك «إسرائيل» ان الدخول الروسي الى المنطقة هو دخول مفصلي يحسب من عمر ازماتها، فهو اول تحرك عسكري لدولة خصم خارج التحالف الأميركي حيث لا يمكن للتقديرات «الاسرائيلية» ومراكزها الامنية واجهزتها الاستخبارية الكبرى المبعثرة غرفاً سوداء بالمنطقة تجاهل الانطلاق منها عند ايّ نقطة تحوّل تنوي اتخاذها.
تتعاطى «اسرائيل» اليوم مع الحدث الروسي كمتغيّر يفرض عليها قلب استراتيجياتها، وربما يؤسس هذا لرغبة «اسرائيلية» بالحضور الذي يحميها من العزلة المخيفة التي قد تتوجه اليها اذا لم تتصرف، خصوصاً أنّ الملف النووي الايراني الذي يهدّد مستقبلها كشعار رفع الى واجهة المنصات والمحافل الدولية، وأصبح بعد عشر سنوات ملفاً محصوراً بانتصار ايران صموداً وديبلوماسية، وبات ربما وراء ظهر الايرانيين، ومعهم الاميركيون الذين يسعون للتطبيع السياسي والاقتصادي مع طهران، ومعهم كبرى الدول الاوروبية، وهنا فإنّ «اسرائيل» التي لا يمكن ان تتقبّل تسويق فكرة تمرير المشروع النووي الإيراني لدى جمهورها بمفهومه السياسي كتوازنات فرضت على واشنطن القبول به لئلا يظهر ضعفها او ضعف حلفها، لذلك ستكون أمام مهمة الحضور ورفع أوراق القوة الجديدة القادرة على إدخالها المفاوضات الكبرى بالشرق الاوسط التي تطبخ على نار هادئة بدأت فيينا بصوغها بالمؤتمر المنعقد من اجل الحلّ السياسي للأزمة السورية.
«اسرائيل» التي تساءل المراقبون عنها وعن سبب غيابها او هدوئها ليست غائبة ولا هادئة، فهي تحضر على عدة جبهات بشكل قوي يعطيها أوراقاً نافذة يعتبر أقواها اليوم فوز رئيس حزب العدالة والتنمية الرئيس التركي رجب طيب اردوغان مجدّداً في الانتخابات التركية، والذي يصبّ بشكل كبير لمصلحة «اسرائيل» جملة وتفصيلاً، ويمكّنها من الدخول بشكل غير مباشر الى طاولة المفاوضات السورية.
يبدو من بعض التقارير أنّ «اسرائيل» لعبت دوراً هاماً من اجل فوز «العدالة والتنمية» بالحكم مجدّداً، ومارست تأثيراً فعالاً في الولايات المتحدة لاستثارة حرصها المتبادل حتى ضغطت على جماعتها في الداخل المتمثلة بفريق فتح الله غولن للتصويت لأردوغان بعد ان احتجبت الأصوات عنه في الجولة الأولى، وبهذا تكون واشنطن بعثت برسالة لأردوغان أنها قادرة على التخلي عنه، مثلما فعلت في دورة حزيران الماضي، وأنها قادرة على رعايته شرط القبول بما ترتضيه، ومن جهة أخرى لبّت واشنطن سلّم اولوياتها وهو الأمن «الاسرائيلي».
اما علاقة «اسرائيل» المباشرة بفوز اردوغان فتتمثل بقدرته على ان يكون مشرفاً عاماً ومنسقاً ووسيطاً قادراً على الضغط على حركة حماس في ايّ وقت، وهو القادر على ضبط حركة إيقاعها كما بدا خلال انتفاضة السكاكين حيث لم تحرك الحركة ساكناً لدعم الشبان المنتفضين او اتخاذ قرارات بحجمها، وعليه فإنّ «اسرائيل» لا يمكن لها التفريط بالوسيط الأساسي في اي تسوية مقبلة بين حماس و»اسرائيل» اذا شاءت الظروف كما روّج سابقاً برعاية تركية وتحفظ ايضا القدرة على ضبط الامن، ويتبادل اردوغان و»إسرائيل» الخدمات والمصالح من وراء ظهر القضية الفلسطينية، وهكذا تكون «اسرائيل» قد أمسكت بورقتها الكبرى مع حركة حماس او أمنها الداخلي.
«إسرائيل» التي تسعى لإثبات حضورها بظلّ الوجود الروسي تودّ التأكيد ان لا أحد يمكن له العبث بمصالحها التي يشكلها وجود الجماعات الإرهابية في البلدان التي يعنيها تفكيك الجيوش فيها، وبالتالي فإذا كانت «داعش» مصلحة «اسرائيلية» فإنّ على روسيا الانتباه الى انّ قرارها بقتال «داعش» وانْ لم تستطع «إسرائيل» عرقلته، الا انها تستطيع ارسال رسائل تجعل «إسرائيل» حاضراً في الشرق الاوسط كقوة هامة لا يمكن تخطيها فجاء سقوط الطائرة المدنية الروسية الذي لا يفسّر إلا كعملية ارهابية لعدة عوامل أولها وقوعها ضمن منطقة تشكل بؤرة إرهاب في مصر، وهي التي تعاني من إرهاب التكفير هناك، وثانياً لندرة هكذا حوادث في تلك المنطقة، ايّ أنها ربما المرة الأولى، وثالثاً هوية الطائرة وهي روسية وهذا لا يمكن وضعه في إطار المصادفات إنما في إطار الاستهدافات، وعلى هذا الأساس أعلنت الخطوط الجوية الروسية أنّ «طاقم الطائرة الروسية لم يبلغ بوجود أيّ مشاكل فيها قبل تحطمها وحسمت الأمر، ومن هذا المنطلق تلقت روسيا الرسالة.
اما عن علاقة «اسرائيل» بحادثة الطائرة فتفسّرها محدودية قدرة «داعش» على لعب دور مقرّر، فـ»داعش» ليست الا جهة منفذة غير قادرة على الارتجال في مثل هذا التوقيت الساخن بالمنطقة، وبمعنى آخر غير قادرة على اللعب مع الروس عبثاً، من هنا فإنّ الأوامر التي تتلقاها «داعش» ليست إلا أوامر «اسرائيلية» اميركية تساعدها فيها استخبارات البلدين وأعوانهما من أجل إتمام هكذا عمليات.
على صعيد متصل يؤكد إصرار «اسرائيل» على إمساك أكبر قدر ممكن من الأوراق عبر رسائلها تأتي الغارة التي تحدّثت وسائل إعلام «اسرائيلية» أنها قاعدة للجيش السوري في القلمون ودمّرت ثلاثة مستودعات تحوي صواريخ سكود فتقول فيها «اسرائيل» لن يردعنا ايّ وجود عسكري عن الدفاع عن مصالحنا في سورية، وهنا يتوجه التساؤل والقلق مباشرة نحو لبنان الذي ارتفعت مؤشرات وقوعه ضمن الاهداف الاسرائيلية عملاً بنفس التسلسل ليبقى السؤال: هل ستتحرك «اسرائيل» برسالة أمنية نحو لبنان وسط كلّ هذه الضغوط ايضاً؟ ومن أين ستأتي هذه المرة شرقا او جنوبا؟