حين يقول لنا شباب فلسطين: إنّه الفجر إنّه الفجر!

العلامة الشيخ عفيف النابلسي

فتحت الهبّة الفلسطينية الأخيرة التي ما زالت مفاعيلها سارية يوماً بعد يوم، أبواب قوة لم نكن نحسب لها حساباً، وإنْ كنّا ننتظر من الشعب الفلسطيني معاجز في البطولة والفداء والتضحية، وهو الذي عوّدنا على الدوام أن يكون فيّاضاً معطاء مفاجئاً في ميادين القتال مع العدو الإسرائيلي.

الأسلوب الجديد الذي ظهر به شباب وشابات القدس والضفة يوسّع مساحات الأمل والحرية والنصر. وليس هذا الأسلوب بالسهل على الإطلاق فكل مَن يُقدِم على طعن صهيوني يُقبل على الموت بإرادته غير خائف ولا وجلٍ مما ينتظره. فكيف لشعب لديه مثل هذه الروح المشبعة بالفداء أن ينهزم؟ ولعلّ ما تناقلته وسائل الإعلام عن شاب فلسطيني سأله القاضي الصهيوني عن سبب طعنه الجندي الصهيوني بالسكين، فأجاب: «لأنّ ظروفي صعبة ولا أستطيع شراء مسدَّس»، يعبّر عن قوة هذا الشعب وإصراره على مواصلة طريق المقاومة ولو بالوسائل البدائية.

لكن ما نجده في الحالة الفلسطينية يعكس تناقضاً بين نموذجين. أحدهما يشعّ بالنور والضوء والتضحية والآخر معتم وسرابي وانهزامي.

وبناء عليه نسأل قادة السلطة الفلسطينية وغيرهم ممن ما زالوا يفضلون المسار التفاوضي العقيم على المسار الاستشهادي البهيّ.

أولاً: هل المطلوب أمام كل هبّة وانتفاضة ورد فعل فلسطيني على جرائم الاحتلال الصهيوني أن تخرج بعض الأصوات لتتحدّث عن الواقعية والعقلانية والتسوية وحلّ الدولتين. أليست الواقعية هي في المقاومة والعبثية في التفاوض!

ثانياً: لماذا عندما يخرج فلسطيني أو فلسطينية للدفاع عن الأقصى والمقدسات، نجد من طبقة الحكم الفلسطينية من يدعو إلى التهدئة. فهل المطلوب التهدئة في وجه الاحتلال أم التصعيد وإشعال جذوة المقاومة!

ثالثاً: لماذا الحديث الدائم أن الشباب الفلسطيني حين يقوم بعمليات ضد الاحتلال إنما يعكس حالة اليأس والإحباط وكأن هؤلاء الشباب هم فئة عديمة الوعي والبصيرة. ألا يستحقّ أن نقول عن هؤلاء الشباب إنهم ممتلئون بالأمل والدافعية والإحساس بالمسؤولية تجاه قضيتهم ومقدساتهم.

رابعاً: ألا تعلم الطبقة الحاكمة في فلسطين أنها أخذت الشعب الفلسطيني إلى سراديب معتمة منذ بداية زمن التفاوض، فيما المقاومة ملأت ساحات فلسطين بالضوء والكرامة والعزة، وجعلت القوة الداعمة لإسرائيل تبحث ليل نهار عن مخارج لها لتنقذها من المآزق التي وقعت بها.

خامساً: لماذا تحاول طبقة المفاوضين أن تنسى تاريخ المقاومة الفلسطينية وأن تُنسي الجميع أنّ الشعب الفلسطيني بجوهره وأساسه شعب مقاوم لا يقبل بالهزيمة وذل الاحتلال، ولماذا يُراد القول إنّ لا خيار أمام الفلسطينيين سوى التفاوض.

سادساً: لماذا تعمل طبقة المفاوضين للاتصال سريعاً بالإدارة الأميركية ودول غربية والحكومة الإسرائيلية لتهدّئ من روعهم وتهتم بمشاعرهم وتتنصل من جرائم الفلسطينيين ! فهل مشاعر القتلة الأقوياء والمحتلين الغزاة أهم لديهم من أمّ ثكلى وأب مفجوع وشعب كبر مشرداً مهضوم الحقوق.

سابعاً: لماذا كلما طعن فلسطيني مستوطناً إسرائيلياً نددتم وقلتم «نحن لسنا مع هذه الأعمال الانتقامية!»، فهل تستحون من أعمال المقاومة وهل تخجلون من طفل يرمي حجراً وامرأة تصرخ في وجه صهيوني، وشاب يدهس جنوداً محتلين؟

ثامناً: لماذا كلما قامت هبّة فلسطينية تهبون لإخمادها تحت شعار المصلحة الوطنية فأي مصلحة وطنية عندما تقبلون بالدنية والذل، وتتركون ما به أسباب قوتكم وعزتكم!

للشباب الفلسطيني المقاوم نقول لكم: بوركت سواعدكم وشجاعتكم وهبتكم ومنكم نرى طريق النصر حين تقولون لنا لا رجعة إلى الظلام.. لا رجعة إلى العتم.. إنه الفجر… إنه الفجر.. إنه النور… إنه النور…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى