تقرير

انتقدت الصحف الغربية نتائج الانتخابات البرلمانية التركية الأخيرة التي حقّق فيها حزب «العدالة والتنمية» فوزاً كاسحاً وصفته هذه الصحف بأنه غير متوقع، وأنه تمّ بعد إثارة مخاوف الناس وإشاعة مناخ من عدم الاستقرار.

وتحدّثت جميع الصحف الأميركية والبريطانية وحتّى الفرنسية ـ التي تناولت نتائج تلك الانتخابات في مقالاتها وتقاريرها ـ عن حوادث العنف التي تصاعدت في تركيا مؤخراً، وقالت إنها من اختلاق حزب «العدالة والتنمية» من أجل تخويف الناخبين ودفعهم إلى التصويت لمصلحته.

وقالت «نيويورك تايمز» الأميركية في افتتاحية بعنوان «تكتيكات التخويف التي انتهجها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أثمرت»، إن الأخير وصف تصويت الناخبين في هذه الانتخابات بأنه من أجل الاستقرار.

وعلّقت الصحيفة أن ما قاله الرئيس التركي صحيح، وأنه هو الذي أثار حالة الاضطراب التي أقلقت تركيا وأعادت الناخبين الذين رفضوا التصويت لحزب «العدالة في انتخابات» في حزيران الماضي بسبب الخوف، إلى التصويت له في الانتخابات الأخيرة.

وأضافت «نيويورك تايمز» أن نتائج الانتخابات تعني استمرار حكم الحزب الواحد، وفي الغالب استمرار الهيمنة المتسلطة والمتزايدة لأردوغان على الحكومة. وشككت في أن يستخدم أردوغان منصب الرئاسة لضمان استمرار الديمقراطية في بلاده.

وقالت أيضاً إن أسوأ ما يتوقعه العالم من هذه الانتخابات أن يستخدمها أردوغان مبرّراً للمزيد من الانتقام من معارضيه، وتخويف منتقديه من أجل تقوية سلطات رئيس الجمهورية.

ونشرت الصحيفة أيضا مقالاً للكاتب روجر كوهين يقول فيه إن العنف الذي مارسه أردوغان هو السبب الوحيد في الفوز الكبير الذي حققه حزبه. مضيفاً أن تركيا عادت إلى حكم الحزب الواحد وإلى حكم الرجل الواحد الذي يتحكم في كل الخيوط.

وأضاف كوهين أن تركيا بدأت رحلتها في طريق ديمقراطيات حكم الفرد في القرن الواحد والعشرين والتي تدين بظهورها إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتتصف المجتمعات فيها بهيمنة وسائل الإعلام ونزعات التعصب القومي غير المنضبطة وتجاهل حكم القانون وجعل الديمقراطية مجرد غطاء للدكتاتورية.

كذلك، قالت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» الأميركية ن حزب أردوغان نظّم الانتخابات في مناخ من التأزم وعدم الاستقرار والخوف ليجبر الناخبين على اختيار العودة إلى الاستقرار الذي تمتعوا به قبل انتخابات حزيران الماضي، وإعادة تركيا إلى حكم الحزب الواحد.

من جانبها، أشارت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية إلى أن الشعب التركي صوّت لمصلحة الرجل القويّ المتمثل في الرئيس أردوغان، وأضافت أن أردوغان استفاد من الاضطرابات التي تشهدها المنطقة، وأنه وظفها لمصلحة حزبه.

وأشارت الصحيفة في تحليل لها إلى أن حزب «العدالة والتنمية» استعاد سيطرته على الغالبية البرلمانية في تركيا، وذلك بعدما فقدها في الانتخابات التي شهدتها البلاد في حزيران الماضي. وأضافت أن أردوغان استفاد أيضاً من اللقاء الذي جمعه مع المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل منتصف الشهر الماضي.

وأوضحت أن ميركل وعدت بإمكانية دخول الأتراك إلى دول الاتحاد الأوروبي من دون الحاجة إلى الحصول على تأشيرة، وذلك إذا قامت تركيا بالتعاون من أجل العمل على إيواء لاجئي الشرق الأوسط في تركيا بدلاً من استمرارهم في التوجه إلى أوروبا.

ومن جانب الصحف البريطانية، قالت «غارديان» إن تلك الانتخابات أعطت أردوغان التفويض المطلق لينزلق بتركيا بخطى أسرع نحو نظام الحكم الأوتوقراطي نظام حكم الفرد من دون أن يكون هناك ما يوقفه. ووصفت الفوز الذي حققه حزب «العدالة والتنمية» بأنه صدمة.

كما نشرت «إندبندنت» مقالا لروبرت إليس يقول فيه إن تركيا تسير في الاتجاه الخطأ، وإن أوروبا تساعدها في هذا السير. ووصف يوم الانتخابات تلك بأنه يوم أسود لتركيا ولمن يشعرون بالحاجة الملحّة إلى تحقيق معايير الديمقراطية المعاصرة.

ونسب الكاتب إلى من قال إنه أحد نواب ومؤسّسي حزب «العدالة والتنمية» السابقين واسمه عبد اللطيف سينر القول إنه لا يستبعد أن يجر أردوغان تركيا إلى حرب أهلية من أجل السلطة.

أما «تلغراف»، فقد نشرت افتتاحية اكتفت فيها بالقول إن فوز حزب «العدالة والتنمية» أربك من توقعوا اضمحلاله وخفوت نجم زعيمه أردوغان. وقالت إن الأخير برز بعد هذه الانتخابات كأقوى قائد تركي منذ مصطفى كمال أتاتورك، لكنه أكثرهم تقسيماً للأتراك وإن مهمته الأولى خلال السنوات الأربع المقبلة تكمن في إثبات قدرته على توحيدهم.

ونشرت الصحيفة أيضاً مقالاً للكاتب مارك ألموند يصف فيه فوز حزب «العدالة والتنمية» بأنه خطر على استقرار تركيا، مضيفاً أن الناخبين الأتراك انتصروا لقائد أصبحت أبرز بصماته توظيف التوتر والخوف.

إلى ذلك، أكد مراسل صحيفة «ليبيراسيون» الفرنسية في اسطنبول الصحافي مارك سيمو أن حزب «العدالة والتنمية» في تركيا فاز في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بفضل جهود حكومته في ترهيب الصحافيين.

وأشار سيمو في مقال نشره أمس في الصحيفة بعنوان «تركيا… نجاح أردوغان بفضل الضغط على وسائل الإعلام»، إلى أن الصحافي جان دوندار الكاتب المرموق في صحيفة «جمهورييت» التركية التي تنتمي لحزب يسار الوسط وتصدر خمسين ألف نسخة يومياً، كان في لندن عندما تلقّى رسالة تهديد من رئيس النظام التركي رجب أردوغان مباشرة على هاتفه المحمول يقول فيها: «سوف تدفع ثمن موقفك هذا… أنا وراءك حتى النهاية». موضحاً أن تلك الرسالة أتت بعد نشر الصحيفة تقريراً لدوندار مرفقاً بصور من التحقيق في شحنات الأسلحة للإرهابيين في سورية.

وأشار سيمو إلى أن الشتائم ورسائل التهديدات مستمرة بحق معارضي نظام أردوغان كما الحال مع جميع وسائل الإعلام المعارِضة. قائلاً إن المتظاهرين المؤيّدين لحزب «العدالة والتنمية» هاجموا قبل شهر تقريباً مقر صحيفة «حرييت» اليومية وهي الصحيفة الثانية في البلاد. وبعد بضعة أيام تعرض أحد أبرز كتّاب الصحيفة أحمد هاكان للضرب من قبل أشخاص مجهولين بتهمة الإساءة لأردوغان، إلى جانب قضاء بولنت كينيس، رئيس تحرير صحيفة «زمان اليوم» الأسبوعية خمسة أيام في السجن منتصف الشهر الماضي لأنه نشر على سبيل السخرية صورة مركّبة لأردوغان.

ولفت سيمو إلى أن محامي حزب «العدالة والتنمية» الحاكم منذ عام 2002 يستخدمون المادة /299/ من قانون العقوبات التركي والتي تنصّ على معاقبة كل من توجّه إليه تهمة «إهانة رئيس الدولة». مبيناً أنه تم توجيه أكثر من 200 دعوى قضائية في هذا الصدد ضدّ الصحافيين.

وقال سيمو إن السلطات تحجم دور الصحافة ووسائل الإعلام وتحارب القيم التي أُسّست في عام 1922 على يد مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية والنهج العلماني في تركيا على أنقاض الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى. مشيراً الى استخدام القضاء وتوجيه التهم والأحكام الذي يمارسه أردوغان ضد خصومه ومعارضيه.

وأضاف سيمو أن أردوغان يسلط كلابه على جميع خصومه، خصوصاً على وسائل الإعلام. فقبل ثلاثة أيام من الانتخابات اعتقلت الشرطة صحافيين من تلفزيون «بوغون» و«كانال تورك»، وفرضت الوصاية على مجموعة «كوزا إيبيك» القابضة. مشيراً في هذا الصدد إلى أن حكومة «العدالة والتنمية» توجّه تهمة التهرّب من الضرائب ضد مجموعة «أيدين دوغان» التي تملك صحيفة «حرييت» و«إنفورميشين» وامتياز بث تلفزيون «CNN» في تركيا.

ونقل سيمو عن دوندار، الكاتب المرموق في صحيفة «جمهورييت» قوله: بعد خبرة سنوات مع حزب «العدالة والتنمية» يمكنني القول إن الحزب تمكّن من التسلل والسيطرة على نطاق واسع على أجهزة الشرطة والقضاء الذي استخدمه كرأس حربة في حربه ضد الجيش والعسكر بتهم مؤامرات مزعومة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى