حزب الله وموقف متقدّم نحو السعودية
روزانا رمّال
تتعدّد مواطن النفوذ السعودي في لبنان منذ فترة ما بعد اتفاق الطائف، والذي أدخلها من الباب العريض إلى الساحة السياسية اللبنانية عبر الرئيس الراحل رفيق الحريري، حيث ساهم بتعزيز فكرة ضرورة أن يكون لها يد في حماية الطائفة السنية في لبنان، حسبما يقول مقرّبون منه، وهنا فإنّ هذا الدور الذي أنيط بالحريري في لبنان أخذ يتطور حتى باتت المملكة مرجعاً لمعظم القوى السنية، خصوصاً في الفترة التي شهدت فيها انسجاماً وتوافقاً مع سورية، سواء خلال وجودها في لبنان، أو لاحقاً خلال مرحلة الـ»سين ــــ سين».
لطالما احترم حزب الله هذه الحيثية السنية، وهذه الحيثية بالرعاية التي تقدّمها السعودية لمن يمثلها في الحكومة، وهي بالواقع رعاية للكرسي السنية في البلاد، وقد تعاطى بشكل إيجابي طوال سنوات مع هذا التوازن السياسي، لذلك عرفت حقبة رفيق الحريري أفضل العلاقات بين حزب الله والسعودية، فهو بنباهته كان قادراً على رعاية هذه العلاقة بحيث لم تكن يوماً استفزازية والتي لم يكن ينظر اليها حزب الله بعين الخصومة.
لم يستطع سعد الحريري صون هذه العلاقة ورعايتها، وهو بذلك تخلّى عن كلّ الأدوار الإيجابية التي لعبها والده، والتي كان من شأنها تعزيز الانتماء إلى وطن يحكمه توازن طائفي منوط باحترام يتبادله الفرقاء من دون قلق التعدّي أو حتى التفكير بما يُعرف اليوم بالفتنة السنية الشيعية، حيث لم تطفُ على السطح إلا بعد تأزّم العلاقة بين سورية والسعودية منعكسة تأزماً بين حزب الله والسعودية من دون ان يدخل الحريري الابن على خط تبريد الأجواء، بل بانسياق كامل الى التموضع كطرف يصبّ كامل اعتماده عند السعوديين.
حزب الله من جهته الذي بدوره اتخذ من موقعه السياسي والعسكري والإعلامي طرفاً في الحرب السورية، كان منفتحاً على الداخل بشكل واضح، ولم يرفض ايّ مبادرات تلاقٍ او نقاشات، ولم يعطل تشكيل الحكومة الحالية وقتها، ولم يرفض حتى المشاركة مع خصومه فيها، بل هم من أشاعوا ذلك ثم ما لبثوا ان انضمّوا اليها بعد حرص سعودي على المشاركة.
كرّ وفرّ هي العلاقة بين حزب الله والسعودية منذ الأزمة السورية، لكنها اليوم بلغت مرحلة متقدّمة من العداء الواضح، بعيداً عن أيّ مسايرة من حزب الله أو تأويل لهذه التحوّلات.
حزب الله الذي لا يوفر مناسبة إلا ويردّ فيها على ما تتناوله السعودية من افتراءات، حسب وجهة نظره، تخطى اليوم صفة الدفاع عن النفس ليعتبر نفسه مسؤولاً عن دعم كلّ هؤلاء الذين يعانون من ظلم سياساتها واستبدادها المبعثر في الشرق الأوسط، خصوصاً في الخليج، وهو يجد نفسه صوتاً للحق وناصراً للمظلوم بوجه الظالم، رافعاً اسمه ــــ الظالم ــــ علانية في أكبر خطاباته وأشدّها حضوراً ودقة يوم العاشر من محرم، حيث أطلّ أمينه العام مجدِّداً اتهامه السعودية بارتكاب المجازر الوحشية بحق أهل اليمن، وتعاونها مع الأميركيين في ذلك، حتى تعالت اصوات المحتشدين للمرة الأولى في مشهد كهذا بالقول «الموت لآل سعود»، تماماً كما كان يرفع الشعار الأشهر «الموت لأميركا»، حيث لا مكان للتراجع عنه.
يتصرف حزب الله من موقع المقتنع بأن لا مجال للعودة الى الوراء بالنسبة اليه، وانّ هناك افتراءات وأكاذيب لم يعد قادراً على إدارة الظهر تجاهها، خصوصاً انه يدرك الحملات الإعلامية المبرمجة ضدّه في الداخل اللبناني، عبر محطات إعلامية وأفراد، وانّ اللعبة تذهب فيها السعودية حتى النهاية، فتارة توعز باتهامه بتجنيد خلايا له في الكويت وتارة في البحرين، عدا عن مساعٍ لطرد لبنانيين والتحريض ضدّهم في الخليج، وبالتالي فإنّ المسالة مبدئية وهو أظهر استعداداً للمواجهة بالمثل إعلامياً وسياسياً كما يبدو اليوم.
الموقع المتقدّم من الخصومة التي تحوّلت عداوة، يعكس من جهة أخرى التوتر الشديد القائم على صعيد العلاقة الإيرانية ـــــ السعودية، فطهران هي الأخرى لا تتوانى عن إطلاق تصريحات نارية بحق السعودية بسبب حربها الظالمة على اهل اليمن، والتي لم يعد مقبولاً السكوت عنها كما عن ارتكاباتها كلّها في سورية، وبالتالي فإنّ ايران ايضاً خطت نحو التصعيد، وهي المعروفة بحرصها على فتح أبواب الحوار وإرسال رسائل عديدة عبر القنوات ومباشرة مع السعودية للتوصل إلى حلّ المشكلات الكبرى في المنطقة، والتي تتطلب الطرفين، لكن من دون جدوى. وفي المحصّلة إذا كان تصعيد حزب الله الذي يأتي رداً على اتهامات السعودية المستمرة بحقه، هو انعكاس على تدهور العلاقات الايرانية السعودية حتى أدنى مستوياتها، وقد فاقمتها حادثة حجاج منى مؤخراً، فإنّ الحزب يقول بهذا إنه لم يعد يكترث بكسر الجرة مع كلّ من يودّ ان يطاوله باتهامات او افتراءات او حتى يعرقل مسار الشراكة في ايّ حوار او حكومة داخلياً، وقد أعلن ذلك السيد حسن نصرالله بقوله «من يريد الخروج من الحوار، فالله معو».
من موقع متقدّم يخاطب حزب الله السعودية ومعها اللبنانيين، مؤكداً أنّ هناك تبّدلاً حازماً بخصوص رؤيته وتطلعه نحو السعودية بعدما طاولت ما لا يمكن المسايرة فيه من مبادئ وخطوط حمر عنده، وعليه فلينتبه حلفاؤها اللبنانيون وخصوصاً تيار المستقبل، إلى هذا التحوّل وانعكاساته على العلاقة معه.