آفاق لقاءات فيينا
حميدي العبدالله
النتائج الإيجابية التي تمخضت عنها لقاءات فيينا، ولا سيما جلوس الأطراف الدولية والإقليمية على طاولة واحدة وجهاً لوجه، واتفاق النقاط التسع الذي تمّ التوصل إليه في هذا اللقاء طرحت من جديد تساؤلات حول آفاق الحلّ السياسي في سورية، وما إذا كانت هذه اللقاءات ستكون شبيهة باللقاءات السابقة وتلاقي مصيرها الفاشل أم أنها تشكل مساراً مختلفاً.
الحكم على نتائج مؤتمر فيينا في جلساته التي ينتظر أن تتكرّر كثيراً ينطلق من تقييم لطبيعة الأزمة في سورية.
وعلى هذا الصعيد يمكن لحظ مستويين في هذه الأزمة:
ـ المستوى الأول، إقناع الدول المعنية بالأزمة في سورية، وتحديداً الدول التي تقدّم الدعم للجماعات المعارضة، بوقف دعمها لهذه الجماعات، سواء عبر إغلاق الحدود، ومراقبتها، ومنع تدفق المسلحين الأجانب إلى سورية، ومنع وصول السلاح إلى هذه الجماعات، أو حجب الأموال عنها.
ـ المستوى الثاني، الاتفاق على تحديد هوية الجماعات المصنّفة جماعات إرهابية، ولا يجوز التعامل معها إلا من خلال القضاء عليها وبالقدرات العسكرية.
من الواضح أنّ ثمة خلافاً بين الأطراف المشاركة في لقاءات فيينا حول قضايا المستويين.
بالنسبة للمستوى الأول، فإنّ الولايات المتحدة والدول التي تدور في فلكها ترفض الالتزام بالتدابير المطلوبة إلا إذا قبلت الدول الأخرى الداعمة للدولة السورية بشروطها، ومن بين هذه الشروط وأبرزها، عدم مشاركة الرئيس بشار الأسد في السلطة، والحصول على ما عجزت هذه الدول عن تحقيقه، على الأقلّ حتى الآن، عن طريق الحرب التي تقترب من إكمال عامها الخامس. ولا يبدو في الأفق أنّ هناك رغبة لدى الولايات المتحدة وشركائها في التخلي عن هذا المطلب الذي كان وراء فشل جميع الاتصالات واللقاءات والمبادرات التي أطلقت منذ نشوب الأزمة في سورية.
أما بالنسبة إلى تعريف الإرهاب وتحديد من هي التنظيمات الإرهابية في سورية، وما هو حجمها، أيضاً هذه لا تزال مسألة خلافية. من الناحية المبدئية ثمة اتفاق على تعريف «داعش» و»النصرة» بأنها تنظيمات إرهابية، ولكن التشكيلات الأخرى مثل «جيش المجاهدين» و«الجيش التركستاني» و«فيلق الشام» و«أحرار الشام» وغيرهما الكثير من التشكيلات المسلحة الأخرى لم يتمّ الاتفاق على تعريف لها، وتتنصّل الولايات المتحدة وشركائها من إدراجها على لائحة الإرهاب على الرغم من وجود أدلة دامغة وكثيرة تؤكد ارتباط هذه التشكيلات بتنظيمات «القاعدة» المصنّفة تنظيمات إرهابية. وحتى «جبهة النصرة» لم تستهدف من قبل التحالف الأميركي، ولا تزال هناك رغبة لديها للتعاون مع هذه الجماعة الإرهابية، ضدّ الدولة السورية وضدّ «داعش»، ولا يبدو في الأفق أيّ إمكانية لأن تغيّر الولايات المتحدة وشركاؤها موقفها من هذه التنظيمات.
في ضوء كلّ ذلك لا يبدو أنّ مؤتمر فيينا مؤتمراً واعداً ويحمل الترياق إلى السوريين ويبشر بقرب حلّ سياسي، ولا تزال الكلمة العليا للميدان كما كانت على امتداد السنوات الماضية.