مرويّات تاريخيّة مهرجان دير القمر 1952 وأوّل ظهور حزبيّ منظّم بعد استشهاد سعاده

لبيب ناصيف

من المعروف أن جبهة اشتراكية وطنية تشكلت بين عامي 1951 و1952، وتكونت من كميل شمعون وكمال جنبلاط والكتلة الوطنية ريمون اده والحزب السوري القومي الاجتماعي ممثلاً بالرفيق، آنذاك غسان تويني الذي كان فاز في انتخابات 1951 على لائحة كمال جنبلاط ـ كميل شمعون. كان غسان تويني استعاد عضويته في الحزب بعد مقاله المشهور في جريدة النهار 1 «سعاده المجرم الشهيد»، بتاريخ 9 تموز 1949 فتعرض للسجن.

كانت الجبهة الاشتراكية الوطنية التي ضمت شخصيات وقوى شعبية سياسية قررت تنظيم مهرجان في دير القمر على طريق إسقاط حكم بشارة الخوري. وبالفعل أدى هذا المهرجان الضخم والمنظم الى إسقاط الحكم الجائر الفاسد.

في مهرجان دير القمر عام 1952 ظهر الحزب للمرة الأولى بعد استشهاد سعاده على نحو علني، وفي صفوف نظامية أذهلت المراقبين وأجهزة الحكم. كان عدد الرفقاء يزيد على عشرة آلاف ساروا في صفوف نظامية في اتجاه ساحة دير القمر يتقدمهم المسؤولون المركزيون.

عن هذا المهرجان التاريخي تحدث الأمين انعام رعد في مذكراته «الكلمات الأخيرة»، قائلاً في الصفحة 69: «لمهرجان دير القمر قصة، فلنتكلم بصراحة: مفوض لبنان الأمين حسن الطويل 2 ، وهو مناضل معروف في الحزب، لم يوافق سوى على مشاركة رمزية للحزب في مهرجان المعارضة في دير القمر، على الرغم من تقاريره التي كانت تعتبر أن العهد، عهد بشارة الخوري، قد بدأ يميل نحو الانهيار. لكن الأمين مصطفى عز الدين 3 ، الذي كان ناموس المفوضية، أخذ على عاتقه، يعاونه الرفيق يوسف الطويل 4 ، تعبئة الحزب من كل لبنان لحشد القوة القومية الاجتماعية وإبرازها في ذلك المهرجان قوة رئيسية، إيذاناً بعودة الحزب الى الساحة بعد استشهاد سعاده وخرق الحظر المفروض عليه. كان هذا بالفعل استشرافاً سياسياً وقيادياً جريئاً من الأمين مصطفى عز الدين.

الحقيقة أن ذلك المهرجان أدى الى الغاية التي استشرفها الأمين مصطفى، فقد تميز بحشد قومي اجتماعي كبير تتقدمه اليافطات التي تحمل اقوال سعاده وبتوقيع سعاده. كان هذا ظهوراً شعبياً للحزب يخترق الحظر والمنع، وصفّقت الجماهير المحتشدة في دير القمر، وكانت قوة الحزب القوة النظامية والسياسية الأولى التي شاركت في ذلك المهرجان الكبير، إضافة الى الحشود الشعبية الكبيرة التي تألبت حول كمال جنبلاط بالدرجة الأولى، وحول كميل شمعون ثانياً.

لقد كان مهرجان دير القمر مَفْصلاً على طريق إسقاط عهد بشارة الخوري».

الأمين شوقي خير الله يؤكد، من ناحيته، ما كان أشار اليه الأمين انعام رعد عن دور الأمين مصطفى عز الدين. في مقدمته للكتاب الذي صدر بعد رحيل الأمين مصطفى تحت عنوان «مصطفى عز الدين ستون عاماً من النضال القومي والوفاء والحب». يقول: « في يوم دير القمر 1952 تمرد يومذاك الرفيق الهادئ على الرأي الاعلى، وحمل الزوبعة بغير إذن، وفي الطليعة، وواثق الخطى أمام الصفوف الملهوفة، ووضع الزوبعة في اعلى عليين، وفوق ما يستطاع، وفوق ما احتسب المتخوفون من بطش السلطان. رأيه الثاقب أنهى للطلّة الاولى في وجه الطغيان منذ مضى الزعيم مضرّجاً بأرجوان الآلهة، في اليوم السابع من الشهر السابع من العام السابع من عمر استقلال حقود نحبي غشيم ونكود. لقد أزفت الساعة.

وصدق حدسه وسقط الطغيان، بفعل الصفوف البديعة النظام، وكأنه طلل رميم أو مشيخة من ورق.

« وتلا الأعجوبة فصل شيق. بعد المهرجان. في الليل، وعلى السكيت، تسلل مصطفى الى دمشق وقدم للقيادة اقتراحاً كان تدارسه معي ومع الرفيق نقولا النمار. الاقتراح مقدم من مصطفى ناموساً للمفوضية في لبنان، بحق مصطفى إياه، بمعاقبته لمخالفته تعليمات المفوضية ولتجاوزه التعقل في تنفيذ أوامر المفوض العام الأمين حسن الطويل حمادة.

في دمشق، استدعاه الرئيس جورج عبد المسيح، وقال له: «لقد سبقك الأمين حسن الطويل واقترح تهنئتك على جرأتك». حاول مصطفى أن يقول شيئاً فقاطعه عبد المسيح، على طريق اسكندر شاوي: مش فاضيلك! الدنيا تهتز ولا تقع. إرجع الى عملك حالاً! جرأتك أفادت النهضة. انتهى».

إليهما ينضم الشيخ محمد سبيتي في إعطاء شهادته، وكان مشاركاً في الحشد، الى جانب الأمين مصطفى عز الدين.

في الرسالة التي وجهها الى الأستاذ غسان تويني 5 يقول الشيخ سبيتي:

« اطلعت بعد عودتي الى لبنان على النص الكامل لمحاضرتكم القيمة بمناسبة «مئوية سعاده» وقد لاحظت أنكم خلال حديثكم عن المرحلة التي تلت اغتيال سعاده 49- 52 حتى سقوط عهد بشارة الخوري قد غيبتم كلياً اسم المناضل الكبير ابن الجنوب البار المرحوم الأستاذ مصطفى عزالدين ودوره في تلك المرحلة، وبصورة خاصة في إنجاح مهرجان دير القمر من خلال المشاركة الضخمة فيه للحزب السوري القومي الاجتماعي المنحل والملاحق يومها.

إن ما ورد في روايتكم عن مهرجان دير القمر يتناقض كلياً مع الحقائق الموضوعية المعروفة والتي ورد ذكرها بصورة مفصلة في مذكرات المرحوم الأستاذ إنعام رعد وفي مقدمة كتاب «مصطفى عزالدين ستون عاماً من النضال القومي والوفاء والحب» بقلم الدكتور شوقي خير الله، إضافة الى ما ورد في كتاب «حوار مع الذاكرة» للأستاذ غسان عزالدين.

وأرى أن أشير إلى الحقيقة والتاريخ انني شاركت في مهرجان دير القمر، وكنت برفقة المرحوم مصطفى عزالدين وقد ساعدته في مهمات طلب مني تنفيذها تتعلق بالمهرجان، وإن معلوماتي تنطبق مع ما جاء في رواية الأساتذة رعد، خير الله، عز الدين عن دور المرحوم مصطفى ومواقفه وتحمله مسؤولية المشاركة الحزبية الضخمة رغماً عن قرار المفوض العام المناضل الكبير الأستاذ حسن الطويل حمادة الذي كان مصراً على أن تكون المشاركة الحزبية في المهرجان مشاركة رمزية فقط».

في الجزء الثاني من «حوار مع الذاكرة» يروي الأمين غسان عزالدين عن مشاركته في الإعداد لمهرجان دير القمر، يقول:

« خلال الإعداد للإضراب العام ومهرجان ديرالقمر، كانت قيادات المعارضة في حال استنفار دائم. وكانت تتم بعض لقاءاتها في مكتب جريدة «النهار». وكان ناموس المفوضية يشارك في بعض تلك اللقاءات الى جانب غسان تويني.

وما زلت أذكر أن لقاءً ثلاثياً كان تم في مكتب جريدة «النهار» قبل أيام قليلة من الموعد المحدد لمهرجان دير القمر حضره كل من إميل البستاني وغسان تويني وناموس المفوضية. وأن إميل البستاني قدّم مبلغاً مالياً مساهمة منه في مصاريف ومتطلبات المشاركة القومية الاجتماعية في المهرجان.

أذكر ذلك جيداً لأنني كنت قد كُلّفت في اليوم الثاني بعد اللقاء التوجّه الى البقاع حاملاً معي مغلفات تحتوي على بعض الأموال لدفع أجور الباصات والسيارات المستأجرة لنقل الوفود من البقاع الى دير القمر. لم أعد أذكر أسماء الأشخاص التي كانت المغلفات معنونة إليها. ولكنني أذكر أسماء بعض الرفقاء الذين التقيتهم خلال اليومين اللذين أمضيتهما في البقاع. وهم: سامي دهام 6 ، علي توفيق حمية 7 ، علي شرف الدين 8 ، شكيب بدور 9 ، فهمي علوه 10 ، رفيق من آل أبو نعوم في زحلة 11 ، يوسف الخطيب 12 ، عباس شمص 13 ، مشهور دندش 14 وعبد الرحيم عاصي 15 .

كانت كافة التقديرات عن أسباب سقوط عهد الطاغية إضافة الى موقف الجيش قد أدت الى ضخامة حضور المهرجان، وبصورة خاصة المشاركة القومية الاجتماعية التي فاجأت وأدهشت المراقبين السياسيين. وقد تحدث عن هذا الأمر الرفيق سعيد تقي الدين في احدى مقالاته. إذ أن المفوضية كانت قد استنفرت القوميين الاجتماعيين في كافة المناطق اللبنانية. كما تم استنفار مجموعة من المقاتلين القوميين الاجتماعيين تجمعوا في عاليه، وأذكر أن عدداً كبيراً منهم قد أنزلوا في فندق لم أعد أذكر اسمه، كان يعمل فيه الرفيق نقولا قباني 16 الذي ساهم في تأمين أماكن لتجمع المقاتلين في الفندق وخارجه».

هوامش:

1. لعبت «النهار» دوراً إعلامياً رئيسياً كبيراً ومميزاً في المعارضة للحكم القائم.

2. من بعقلين. تولى مسؤولية مفوض لبنان بعد استشهاد سعاده عندما كان مركز الحزب في دمشق، برئاسة الرفيق جورج عبد المسيح. كان عضواً في المجلس الأعلى، ومن مناضلي الحزب العنيدين والمعروفين.

3. من صور، تولى في الحزب مسؤوليات عديدة، محلية ومركزية. كان عضواً ورئيساً للمجلس الأعلى، دورات عديدة.

4. من المريجة. تولى مسؤوليات حزبية وشارك في مهمات حزبية، شقيقه الرفيق المناضل خليل الطويل، شارك في الثورة القومية الاجتماعية وأسر.

5. أوردها الأمين غسان عز الدين في الجزء الثاني من « حوار مع الذاكرة «، ص56 .

6. من بكيفا راشيا تولى مسؤولية منفذ عام راشيا في أواخر أربعينات القرن الماضي. بنى عائلة قومية اجتماعية .

7. من طاريا، نشط حزبياً وتولى سؤوليات محلية.

8. الأمين لاحقاً، تولى مسؤوليات محلية عديدة في منفذية بعلبك.

9. شاعر وله أكثر من نشيد حزبي، من بلدة بكيفا، بنى عائلة قومية اجتماعية .

10. من الهرمل، ناشط حزبياً وتولّى مسؤوليات محلية .

11. نرّجح أنه الرفيق جان أبو نعوم.

12. كان يملك محلاً في شتورة. نشط حزبياً وبقي ملتزماً مؤمناً حتى آخر لحظة من حياته.

13. من بوادي بعلبك تولى مسؤولية منفذ عام مطلع خمسينات القرن الماضي، معروف بـ عباس أسدالله شمس.

14. مشهور دندش أحد ابطال الحزب ومن رموزه.

15. من أوائل الرفقاء في الهرمل، تولى مسؤولية منفذ عام، وردنا أن الرفيق فايز عواد كان من بين رفقاء الهرمل المشاركين في المهرجان.

16. رفيق مناضل من الأشرفية، تولى مسؤوليات حزبية عديدة، سننشر عنه نبذة تعريفية في وقت لاحق.

رئيس لجنة تاريخ الحزب

علي مراد مطرباً قوميّاً في أميركا اللاتينيّة

ل.ن

من دواوين الشاعر الأمين نذير العظمة الأولى التي أعجبت بها فأدمنت على قراءتها ديوانه «جرّحوا حتى القمر» الصادر في منتصف خمسينات القرن الماضي.

في مطلع سبعينات القرن الفائت، تسلّمت من الأمين الراحل رشيد سابا 1 أسطوانة تتضمن أغاني لرفيق مطرب لم أكن سمعت به، فلما استمعت الى أغانيه، خاصة قصيدتيّ «صدر جديد» و»مولد»، أطربت وأدمنت على مطالعة القصيدتين مرات والاستماع مراراً الى المطرب الرفيق علي مراد لما يتمتع به من صوت رائع. ولاحقاً عرفت أنه كان المطرب المميز على مساحة أميركا اللاتينية، له باع طويل في الموسيقى، تلحيناً وغناءً. أمضى سنوات في مصر، وتتلمذ على يد الفنان المبدع محمد عبد الوهاب، وإذ استقر في الأرجنتين لبذى دعوات الجالية فيها وفي عدد من بلدان أميركا اللاتينية.

نبذة تعريفية:

ولد الرفيق علي مراد في طرابلس في 1 آذار 1937 وتوفى في 28 تشرين الأول عام 1982 في بوينس ايرس الأرجنتين.

هاجر الى الأرجنتين عام 1965 آتياً من إنكلترا.

في أميركا اللاتينية تجوّل كمطرب بين فنزويلا وتشيلي والمكسيك، ثم استقر في الأرجنتين حيث تأهل، وله ابنتان.

هو صغير لإخوته وبفارق 14 عاماً عن أصغر إخوته. له عدة أشقاء ذكور وأخت واحدة، توفت شابة.

والده، محمدي المذهب ووالدته كاثوليكية لها الفضل الأساسي في جعله يميل الى الموسيقى، إذ وضعته أدخلته معهداً داخلياً لدراسة الموسيقى في لبنان وكان ينام ويأكل في المعهد.

تعرّف على الحزب السوري القومي الاجتماعي في الارجنتين وانتمى هناك.

في مطلع السبعينات وكنت أتولى مسؤولية عميد المالية في الحزب، أقمنا معرضاً حرفياً متنوعاً في بيت الطلبة الذي كان قائماً في ساحة الدباس 1 ضم الكثير من الأشغال الحرفية واللوحات التي لاقت الاستحسان في تلك الفترة.

بين المواد التي تضمنها المعرض إسطوانة ديسك وشريط تسجيل كاسيت لأغاني الرفيق المطرب علي مراد، وتسلّمنا كمية من كليهما من منفذية الأرجنتين.

اخترنا من قصيدة «صدر جديد» المقاطع الآتية:

قل للذي جحد البلاد وعقّها وتنكّرا

ومضى يندد بالفساد مهوِلاّ ومكبرا

والخير كل الخير في غير البلاد كما يرى

إن الكرامة في بلادي لا تُباع وتشترى

وطني لأولُ من تفتّح للحياة وعمرا

وعلى ضلوع الارز قد نصب الشراع وأبحرا

ليلقّن الناس المحبة والعطاء الخيّرا

كنا فكان الحب في صدر الدنى وتفجرا!

ما باله يغفو على وهم الرمال مخدرا

ويتيه في الصحراء يُذبل طالعاً مخضوضرا

وبلاده فُرشت رياحيناً وغنت انهرا

ملفى الحساسين احتمى فيها الجمال وصُورا!

وطني وإن آذتنيَ الالآم والجرح افترى

وطويت أجنحتي ممزقة بأفياء الذرى

أحسست ما تشقى به فرأيت جرحك اكبرا

فمضيت من صدري انتِّف كي أضمّد ما اهترا

وإذا بصدر لي جديد للحياة اخضوضرا

تهتز فيه جوقة الايمان تنشد للورى

إن الكرامة في بلادي لا تُباع وتُشترى!!

مولد

يا رفيقي

يا شرايين الشروقِ

بالدم الثائر وحدَهْ

يكسر الانسان قيدهْ!

لا تخفْ هول الطريقِ

إن اسواط العبيدْ

لم تمزق ضحكة الضوء الوليدْ

غيّبونا في سراديب العفونه

ودهاليز الضغينه

يا رفيقي يا رفيق الشعب في آلامهِ

ورؤى العزة في أحلامهِ

خلف قضبان الحديدْ

يولد الفجر الجديدْ!

ضم بيت الطلبة منفذيتي الطلبة الجامعيين والثانويين، وأحياناً كانت تقيم فيه منفذية بيروت، وكان الرفقاء والأصدقاء الطلبة يترددون إليه بالمئات من مختلف جامعات بيروت وثانوياتها ومعاهدها.

حـوادث الجـبل واستشـهاد جهاد الأطرش وممـدوح الأطرش وحـمد قنطار

ل.ن

أورد الرفيق محمود شهيب بتاريخ 12/07/2003 وكان يتولى مسؤولية ناظر إذاعة منفذية حوران، هذه المعلومات عن الحوادث التي جرت في منطقة الجبل عام 1954 أثناء حكم أديب الشيشكلي.

كان أديب الشيشكلي يصرّح علناً بالآتي: «سورية كالأفعى رأسها في جبل الدروز وبطنها في حمص وذنبها في حلب» وقد استطاع أن يزج في السجون سياسيي حمص وحلب وكل من شارك في مؤتمر حمص 1 . بقي لديه محافظة السويداء التي وصفها برأس الافعى.

مناشير من التي وزعتها القوى المعارضة للشيشكلي وقعت بيد الدولة في السويداء ما تسبب بإلقاء القبض على منصور الأطرش نجل سلطان باشا الأطرش، فاندلعت تظاهرات في قرية القريا معقل سلطان تطالب بإخلاء سبيل منصور.

استغل أديب الشيشكلي هذا الموقف وقرر مهاجمة الجبل وإخضاعه واعتقال سلطان الأطرش.

جهز قوة كبيرة من الجيش لهذه الغاية وتحركت عبر ثلاثة محاور:

1 – قوة تحركت من السويداء في اتجاه قرية القريا بلدة سلطان .

2 – قوة تحركت من بصرى في اتجاه قرية القريا.

3 – قوة تحركت من السويداء في اتجاه قرية الكفر.

عندما وصلت القوات المتحركة من بصرى ومن السويداء، وباشرت تطويق «القريا» بدأت المناوشات بين المواطنين الموجودين في دار سلطان والقوة العسكرية المهاجمة، ما أدى إلى استشهاد ثلاثة شبّان من اهل «القريا».

استمر الحصار لقرية «القريا» ثلاثة أيام أجريت خلالها مفاوضات بين الجيش وسلطان باشا عن طريق الشيخ أحمد جربوع والأمير توفيق الأطرش وقاضي المذهب سلام سلام. طلب من سلطان الأطرش تسليم من حرّك التظاهرات وأطلق الرصاص في «القريا» لكي يفك الحصار عن البلدة. وافق سلطان وسلّم عشرة شباب من أهل «القريا» إلى السلطة فكان أن فُك جزء من الحصار. وغادر سلطان القريا الى قرية حبران. وانسحب الجيش الى بصرى.

ظن أهالي الجبل المتواجدين حول القريا في مزرعة نمره أن الجيش اعتقل سلطان، فهاجموا الجيش على طريق بصرى – القريا وحصلت معركة قتل على إثرها عشرون رجلاً من المواطنين وكان بينهم الرفيق ممدوح الأطرش. ثم تبيّن للمهاجمين أن سلطان خرج من «القريا» بإرادته سالماً، فأنهوا المعركة مع الجيش.

وصل سلطان ومن معه إلى قرية «حبران»، ومنها إلى قرية «الكفر» 2 ، وفي «الكفر» بدأ تبادل إطلاق النار بين الجيش وبعض المرافقين لسلطان لفترة قصيرة قتل على إثرها الرفيق جهاد الأطرش. وتمكن سلطان ومن معه من الوصول إلى قرى المقرن الشرقي متنقلين بين تلك القرى، والجيش يلاحقهم وينكّل بأهالي كل قرية أوتهم.

استمرت هذه الملاحقة إلى حين مغادرة سلطان ومن معه أراضي الجبل والاستقرار في منطقة المدورة قرب معان في الأردن بموافقة الملك حسين ومن دون علم غلوب 3 . ولم يعد ومن معه إلى الجبل إلا بعد سقوط أديب الشيشكلي حيث استقبل استقبالاً حاراً في السويداء بتجمعات كبيرة من كل قرى الجبل.

خلال تلك الفترة التي كان سلطان متنقلاً فيها بين قرى الجبل، بدأت التجمعات في أحياء مدينة السويداء وأخذت شكل العصيان المسلح بعض البنادق فعمدت السلطة الى إخمادها بأمر من قائد الجيش في المحافظة.

دعت السلطة الشيخ أحمد جربوع أحد مشايخ عقل الطائفة الدرزية في المحافظة وكلفته بإعلان عدم التجول في مدينة السويداء والالتزام بالبيوت، فسار الشيخ أحمد في شوارع المدينة معلناً الأمان وعدم التجول.

تحرك الجيش بكثافة فاحتلَّ مدينة السويداء بكاملها، مطلقاً النار بالرصاص الحي عل كل من يشاهد خارج دور السكن، وقتل في ذلك اليوم عدد من المواطنين والمواطنات بينهم الرفيق حمد القنطار، وبعد الاحتلال الكامل للمدينة سيق المعتقلون الرجال كافة إلى المواقع العسكرية وبدأ التحقيق السريع معهم، وأخلي سبيل من يعتقدون أنه ليس ضدهم.

هدأ الوضع في المدينة وغادرها عدد من المواطنين الذين فروا من المدينة أثناء الاقتحام، والتحقوا بسلطان في المقرن الشرقي. ومنهم من بقي معه حتى عودته بعد سقوط عهد أديب الشيشكلي.

الشهيد جهاد يوسف الأطرش:

من قرية رساس. انما ولد في منطقة الأزرق في الأردن عام 1926، إبان الثورة السورية الكبرى، إذ نزح والده مع الثوار إلى الأردن نتيجة ملاحقة قوات الاستعمار الفرنسي للثوار فاضطروا إلى اللجوء إلى الأردن لإبعاد نسائهم وأطفالهم عن خطر الإبادة التي بدأت بها قوات المستعمرين، وعادوا يتابعون نضالهم ضدها على أرض الشام.

نشأته:

درس الابتدائية في مدارس السويداء بعد عودة قسم من الثوار وعائلاتهم من الأردن بموجب عفو من سلطات الاستعمار الفرنسي، وتابع تعليمه الإعدادي في مدارس دمشق مدرسة الآباء العازاريين حيث توقف عن الدراسة في هذه المرحلة، وعاد ليستقر في السويداء في بلدته رساس ويمارس الأعمال الزراعية إلى جانب والده وأخوته بالإضافة الى الأعمال الاخرى المختلفة. تزوج عام 1951 ورزق طفلين يحيى ولد عام 1952، وراغدة ولدت عام 1953 .

انتماؤه إلى الحزب:

تمّ ذلك بين عامي 1948 و 1950 غير متوافر مصدر رسمي حول تاريخ انتمائه تحديداً ببسب تلف جميع الأوراق والمستندات الرسمية في الحوادث التي تعرض لها الحزب في الخمسينات ، وعين مفوضاً مركزياً في جبل حوران مطلع الخمسينات وكان مثال القومي الاجتماعي الملتزم المندفع المتحمس لعقيدته وفكره، إذ سعى بجدّ وإخلاص لنشر فكر الحزب وتنظيم صفوفه.

استشهد في 29/1/1954.

يورد الأمين كامل حسان في جريدة «الزوابع» العدد 80، تاريخ 15 آذار 1954 عن الرفيق جهاد الأطرش، الآتي:

« كان مفوضاً من قبل المركز بالعمل الحزبي في جبل الدروز الذي نسميه نحن جبل حوران بالنسبة إلى الإسم الجغرافي لا الطائفي عام 1950 1951. كان يجوب قرى الجبل مبشراً بالعقيدة القومية الاجتماعية، وأسس بالتعاون مع رفقائه المسؤولين في الجبل عدة مديريات منها: نمره، شفا، رساس، منان، صلخد، ذيبين. وعندما أنشئت منفذية جبل حوران وكان المنفذ آنذاك الرفيق كامل حسان وكان الرفيق جهاد الأطرش يقوم مع هيئة المنفذية بجولات إلى القرى، وكان لهذه الأعمال أثر قوي في انتشار العقيدة القومية الاجتماعية، فأنشئت في مدة لا تتجاوز ستة أشهر 19 مديرية و 8 مفوضيات. استشهد جهاد الأطرش في معركة حبران التي تم بها تطويق الجيش لسطان باشا الأطرش ورفقائه الثوار وبينهم الرفيق جهاد، فما كان من الرفيق جهاد واثنين من رفقائه، إلاّ أن حمل رشاشه وترك القرية المحاصرة وواجه الجيش بصدره وأخذ هو ورفيقاه يفتح طريقاً في الجيش المطوق حتى تمكن بعد أربع ساعات من أن يفك الطوق ويفتح الطريق لسطان باشا والثوار لينسحبوا من حبران، وبعدما تم الانسحاب وحاول الرفيق جهاد النهوض ليلحق بالثوار أصابته رصاصة في جبهته فخرّ شهيداً «.

بدوره يروي الأمين سعيد ورد 4 أنه كان عام 1947 كان ينام في فندق «الأحرار» الذي كان بإدارة الرفيق علم الدين شروف 5 «الذي كان ينظم الشعر الصافي، باختياره أجمل الكلمات في معانيها المعبّرة». ويضيف: أذكر أني في إحدى المرات اصطحبت الرفيق جهاد الأطرش الى أوتيل «الأحرار» وعرفته بالرفيق علم على أنه الرفيق نقولا حجار، وكان الرفيق جهاد نزيل أوتيل سافواى لصاحبه الرفيق عبد الله الجميل.

بعد مضي يومين قال لي الرفيق علم: «هذا الـ نقولا مش خارطة بعقلي أنه رجل عادي. شكله ونطقه وتصرفه، شكل ونطق وتصرف أمير. بالله عليك إذا كنت تثق بي أخبرني الحقيقة». فقلت له: كلامك صحيح، هذا الرفيق هو الأمير جهاد الأطرش. فطار فرحاً وقبلني.

نشرت جريدة «الجيل الجديد» في عددها 68/119 تاريخ 19 كانون الأول 1950 نص برقية موجهة بتوقيع الرفيق جهاد الأطرش، ونصها: «قوميو الجبل يهنئون أهالي طرطوس بوعيهم الحقيقة السورية القومية الاجتماعية. دمتم للمجد والجهاد ولتحي سورية ويحي سعاده».

وفي عددها 277 تاريخ 28 أيلول 1951 أوردت: رزق الرفيق جهاد الأطرش مولوداً سماه إياد.

كتب الرفيق الشاعر علم الدين شروف هذه القصيدة في رثاء الرفيق الشهيد جهاد الأطرش، ونشرت في ديوان «الأرض لا تموت» الصادر بعد رحيله، عام 1993.

الحياة الخالدي

يا جهاد، رسالتك أدّيتها

رغم الفنا بقلوبنا باقي مقيم

وأمانة الأمة لها ردّيتها

خلود الأزل، خلّدت بيقرب الزعيم

ولسوريانا الخالدي حبيتها

حب المخلص ملء قلبك بالصميم

وهالارض من دمك كرامة سقيتها

تيعيش استقلالها ويبقى عظيم

عزّ الصبا يبكيك نايح يا جهاد

والإبي والنبل والرأي السديد

والوفا والمكرمة وقطر المداد

والشمم يا عبقري ودم الوريد

ما طال عمرك.. رحت في ساحة جهاد.

وعشت الحياة الخالدي باسم الشهيد

ودمك جرى يبعث حياة من الجماد

و»أطرش» وسامع صرخة الجيل الجديد

الشـهيد ممـدوح حسـين الأطرش:

– من مواليد: قرية عنز.

– استشهد في موقعة نمرة القريا بتاريخ 28/01/1954.

– أورد الرفيق الراحل غالب مكارم رأس المتن أنه في أواخر صيف 1942 التحق تلميذاً داخلياً في مدرسة الآباء اللعازاريين في عينطورة كسروان إذ التقى برفيق الطفولة إميل رعد الأمين، عضو المجلس الأعلى، العميد لاحقاُ «فشكلنا: إميل وأنا وممدوح الأطرش مثلثاً ثورياً».

الشـهـيد حـمد الـقنـطـار:

– من مواليد قرية داما.

– استشهد في السويداء بتاريخ 30 كانون الثاني 1954.

هوامش

1. تركزت نقمة أديب الشيشكلي، بعدما شكل حزب التحرير، على الأحزاب السياسية في الشام وخاصة حزب البعث العربي الاشتراكي، أما الحزب السوري القومي الاجتماعي فلم يكن عدواً له بنظره، ولكنه لم يكن صديقاً أيضاً، خاصة بعدما شارك في مؤتمر حمص ضد أديب الشيشكلي.

2. كانت شهدت قرية الكفر في الثورة السورية الكبرى عام 1925 أول معارك الثورة في مواجهة الجيش الفرنسي وفيها سجّل المجاهدون انتصاراً باهراً.

3. الجنرال غلوب باشا، من الجنسية البريطانية وكان يتولى قيادة الجيش الأردني.

4. من نيحا، الشوف. منح رتبة الأمانة بعدما كان منح وسام الواجب. وافته المنية عام 2010.

5.من حاصبيا، شاعر شعبي، موقفه البطولي في بلدته حاصبيا، أثناء الاحتلال «الإسرائيلي» أودى به الى معتقل الخيام. منح وسام الواجب. وافته المنية عام 1993.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى