أردوغان «المنتصر» يبدأ بالانفتاح من بوابة حزب الله
روزانا رمّال
لم تتأثر دولة بالأزمة السورية، كما تأثرت تركيا، ولم يتأثر حزب سياسي بمثل ما تمثل حزب العدالة والتنمية وامتداده في الشرق الأوسط المتمثل بجماعة الإخوان المسلمين، التي شهدت تصاعداً غير مسبوق في نفوذها، منذ أولى شرارات الربيع العربي في تونس، حيث استحوذت على الحكم هناك لتتبعها مصر فليبيا حتى استقرت الأزمة في سورية، وشكلت نقطة تحول لها وللحزب الحاكم في تركيا الذي يرأسه رجب طيب أردوغان، والذي كان يرى في المشروع التكفيري في المنطقة فرصة مؤاتية لتوسيع نفوذ تركيا السياسي والوجودي، الذي ربما ينسجم مع التقارير الاستخبارية الأميركية، التي تحدثت عن نيات الولايات المتحدة تقسيم المنطقة إلى حصص ومناطق نفوذ تتفكك على أثرها أنظمة قادرة على أن تنبثق عنها دويلات طائفية، تبعاً لاستراتيجية ثابتة أسّس لها المحافظون الجدد في واشنطن، ووجد فيها «الإسرائيليون» ضمانة يخلق تنفيذها توازناً بين القوى المقاومة الصاعدة في المنطقة وبين وجود «إسرائيل» كقوة لم تتعرّض لأي اهتزاز وقد حفظت قوتها العسكرية وشغلت خصومها بأدقّ الصراعات خطورة في منطقة إسلامية الهوية في العالم وتعتبر الفتنة السنية ــــ الشيعية فيها أول الاحتمالات التي رفعتها «إسرائيل» إلى مقدمة أولوياتها.
تركيا التي ارتأت أنّ لها مصلحة في هذا المشروع، قررت فسخ علاقاتها مع كلّ من عارضها أو شكل عائقاً أمام مرور هذا المشروع، فكانت سورية بنظام الرئيس بشار الأسد معضلة من الصعب تخطيها، برغم كلّ ما سعت إليه الأطراف المتنازعة فيها من أجل ضمان تسديد ضربات قاسمة إلى النظام فيتهاوى ويتآكل، وكان للجيش السوري وقادة أمنيين كبار في النظام نصيب في الاستهداف، إضافة إلى عدد كبير من الضحايا واللاجئين، لتصل تركيا، بعد خمس سنوات من الأزمة، إلى دوامة من نوع آخر وهي تقبل واقعاً لم يكن ممكناً أن تصل إليه لولا بعض المبالغة واللاموضوعية في سلوكها الحادّ تجاه الملفات، فاستفاقت على تدهور شبه كامل، داخلياً، بعدما تحرك أخطر الملفات الأمنية والقومية فيها وهو ملف الأكراد، بالإضافة إلى سقوط مدوٍّ لمشروع الإخوان المسلمين في مصر وليبيا وتونس، فبقي حزب العدالة والتنمية فيها وحده من دون امتداد يعوِّل عليه، لكنه هو الآخر كاد يسقط في الانتخابات فتتلاشى آخر أوراق الإخوان االمسلمين في المنطقة وتتقدم المفاوضات جميعها من دونها.
فاز أردوغان بالدورة المبكرة مؤخراً، بمفاجأة حكمتها السياسة وليس الأرقام، بعدما عجزت استطلاعات الرأي الموالية له عن توقع حدوثها وبالتالي فإنّ الحساب السياسي يتطلب استنتاج مرحلة جديدة دخل فيها حزب العدالة والتنمية، وقد تحدثت مصادر في المعارضة عن تجيير أصوات حلفاء أميركا في تركيا لمصلحته، شرط القبول بما سيقرّره مؤتمر فيينا، وخصوصاً ما يتعلق بمستقبل الرئيس الأسد وتقبل التعايش معه.
بدأ أردوغان، مبكِّراً، إرسال رسائل التغيير، واللافت أنّ هذه الرسائل بدأت من لبنان، ومن على أبواب حزب الله تحديداً، وهو العنصر الأساس في الميدان السوري الذي يقاتل إلى جانب النظام بكلّ ما أوتي من قوة، فزار القائم بالأعمال التركي في لبنان حزب الله والتقى رئيس كتلته البرلمانية النائب محمد رعد، بعد انقطاع طويل عن أي علاقة بين الطرفين منذ الحرب وسط أجواء عن وضعها في إطار التعارف الذي لا يمكن فهم أسبابه من دون النظر إلى ظروفه.
لا يمكن الفصل بين الانفتاح على حزب الله والدور الذي يلعبه الحزب في الحرب الهادفة إلى نصر كامل يُهديه للرئيس بشار الأسد، ما يدلّ على أنّ أردوغان يختار التقدم نحو تقبل فكرة التعايش مع الرئيس الأسد بطرق غير مباشرة. فاختار مكاناً في الظلّ لا يطرح الكثير من الأسئلة، لإيصال الرسالة الأولى أنّ التغيير وقع، وأنّ تركيا منفتحة اليوم على حزب الله، فجاءت أولى نتائج الانفتاح إيجابية في ما يتعلق بأكثر الملفات حساسية عند اللبنانيين وهو ملف العسكريين المخطوفين، فاستقبل القائم بالأعمال التركي أهالي العسكريين، لأول مرة منذ عملية الخطف، ما يؤكد أنّ الملف سيتحرّك، وخصوصاً أنّ تركيا لعبت، في وقت سابق، دوراً في الإفراج عن رهائن لدى المجموعات التكفيرية في العراق ولبنان.
من لبنان يرسل أردوغان أول رسالة إيجابية إلى الأسد وحلفائه، بالتوازي مع معلومات تحدثت عن ثلاثة اتصالات جرت بينه وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال أسبوع واحد، ويبدو أنّ بوتين نصحه فيها ببدء كشف نيات إيجابية تدريجياً، فجاء موقف أردوغان من مؤتمر فيينا بأنّ تركيا، ورغم أنّ المؤتمر لم يحسم الخلاف على الرئاسة السورية، لن تعطل مسار الحلّ السياسي، متقدماً نحو إيران وروسيا وسورية وحزب الله، بأجواء تفيد بأنّ التمسك بالرئيس الأسد لن يشكل عائقاً أمام تنشيط التعاون معهم.
أكثر ما يهمّ اللبنانيين، في هذا الإطار، هو الأمل بالانفراج الذي قد تحدثه الخطوة التركية، وأن تكون مأساة اختطاف العسكريين اللبنانيين قد شارفت على نهايتها وتتضح بعد ذلك أسباب عرقلة الملف وتمسُّك تركيا بورقة الاختطاف لتقديمها، كإعلان نيات عن سياساتها المقبلة ومواقفها، بحيث لا يمكن فصل أي تقدم تركي نحو حزب الله عن كونه تقدماً نحو من أثبت مشاركة فاعلة في ميزان الحرب السورية وحليف الميدان الأساسي للرئيس بشار الأسد.