نجاح إبراهيم: الجوائز تحتّم على الأديب الارتقاء أمام قرّاء توسّموا فيه الإبداع
قدّمت الأديبة السورية نجاح إبراهيم عبر مسيرتها الإبداعية عدداً من الأعمال القصصية والروائية التي أهّلتها لأن تكون في طليعة الكاتبات السوريات المعاصرات، مستفيدة في ذلك من مخيلتها الواسعة وأسلوب القصّ الشعري لتقدّم لقارئها أدباً نسائياً له هويته الخاصة.
تقول إبراهيم: دفعني الأدب منذ الصغر إلى التأمل والعزلة، فصرت ألجأ إلى الكتابة التي يحرّضها الماضي وما أمتلكه من ثقافات اطّلعت عليها خلال حياتي.
وعن تأثرها بالأديب السوري الراحل عبد السلام العجيلي تقول: منذ بدأت قراءة أعمال أديب الرقة الأشهر، صارت رائحة حضوره في قصصي القصيرة واضحة، إنما من دون أن أتأثر بأسلوبه وكتاباته. فأنا أكتب بطريقة مختلفة، إذ أجنح نحو الخيال والشعرية وأستخدم الرمز والتكثيف والصوفية. بينما كان هو شديد الوضوح في سرده.
وتكشف مؤلفة مجموعة «حوار الصمت» أن الراحل العجيلي خصّها بأشياء ما كانت لترى النور إلا حين صارت بين يديها. وكانت قبل ذلك في خزانة حديدية تأكلها العتمة والسرّية، وربما الخشية من سقوط غبار على مرآة الوقار.
وعلى رغم ذلك، فإن الأديبة السورية لا تعتبر أنه من الضروري بالنسبة إلى المبدع أن تكون عنده شخصية أدبية يعتبرها كمثال في مسيرته، إنما هو يحتاج أكثر إلى متلقّ يجيد قراءة نصّه.
وبالعودة إلى زمان أسماء لامعة أضاءت سماء الأدب، تتمنّى إبراهيم لو كانت في زمن جبران خليل جبران أو التقت الشاعر الراحل نزار قباني، أو طُويت المسافات بينها وبين إدوارد الخراط، أو كانت في دائرة جبرا إبراهيم جبرا.
وردّاً على سؤال حول وجه الاختلاف بين القصة والرواية، تقول مؤلفة رواية «عطش الإسفيدار»: القصة القصيرة لا تحتمل أكثر من فكرة تحملها الشخصية المحورية لتوصلها إلى القارئ. فهي تختلف عن الرواية التي تتشعّب بأفكارها وشخصياتها وحواراتها. مضيفة: حين تكون فكرتي جاهزة، أحاول كتابتها. وعندما يأتي شريطها اللغويّ قصيراً وعالمها كثيفاً وزمنها وإطار تعبيرها محدودَين من الشخصيات، ولا أستطيع الامتداد، أعي وقتئذٍ أن ما أكتبه قصّة قصيرة ولا يمكن أن تتحوّل إلى رواية.
وتتابع إبراهيم: لا تنفتح دروب الرواية أمام كل قصة. فثمة فكرة لا تتوالد عنها أفكار، ولا تبدي رؤى، وتبقى اجتزاء لمساحة محدودة من العالم. أما الرواية فتحتمل أفكاراً أكثر لأن المطلوب منها أكبر. إذ إنها أداة معرفة وشكل تعبيري يكشف تحوّلات عميقة في بنيات المجتمع ورؤاه للعالم.
ولكن على رغم ذلك، تعتبر الحائزة على «جائزة العجيلي للقصة القصيرة» أن القصة من الممكن أن تتحوّل إلى رواية إذا كان لدى الكاتب الكثير ممّا يريد أن يقوله مع القدرة على الإمساك بخيوط الحبكة التي هي ذلك الخيط الرابط الذي يتسلسل سببياً للأحداث. أما الرواية إن تم تكثيفها، فربما تفقد الكثير من أهميتها.
وعمّا إذا كان يجوز للأديب استخدام الشعر في قصصه أكّدت إبراهيم أنه يحق للكاتب صهر عناصر السرد لديه بعناصر الشعر. مبيّنةً: عندما بدأت الكتابة، كانت لغة الشعر تبهرني وتسكنني. فطمحت أن تكون لغة سردي لأنها لا تمنح بسهولة المعنى للنصّ أو بشكل مباشر واعتيادي.
وأضافت مؤلفة رواية «التميمة»: لما كنت أمتلك لغة أفاخر بها أمام نفسي، تكامل لديّ الطموح واللغة العالية، لتساعدني في كتابة نصّ أدبي شعري بحيث تخرج الكلمات من دلالتها اللغوية لتشحن بفيض من الصور والأخيلة ولتفتح أمامها ألف كوّة للتأويل.
وتبيّن إبراهيم أن اتجاهها نحو الأدب أو القصّ الشعري، لم يكن رغبة منها في التزيين أو لمجرد إضافة زخرفية، إنما هو نوع من التزاوج بين الفكرة التي تقتبس من واقع وخيال واسع ولغة عالية. وهذا يقدّم نصّاً بعيداً عن الجفاف والصرامة ويعبّر عن التوق لابتكار طرق جديدة للفرح بتشكيل العالم من جديد.
وعن رأيها بالجوائز وهل ترى في ذلك تكريماً لإبداع الكاتب أم مسؤولية إضافية يتحمّلها تقول: تأتي الجائزة أولاً وأخيراً بعد اكتمال النصّ، وهذا لن يغيّر من قيمته. ولكن إن تناقلت وسائل الإعلام أن هذا النصّ فاز بجائزة، فسيتهافت القرّاء عليه وسيمدّه النقاد بالاهتمام.
ولكن إبراهيم ترى من جهة أخرى أنّ حصول الأديب على جائزة يضعه أمام مسؤولية البقاء في مستوى لائق أمام قارئ توسّم فيه إبداعاً.
وحول تجربتها النقدية تقول إبراهيم: لا أحبّ النقد الأكاديمي المقولب بأدواته الجامدة، وعلى رغم أن النقد له مدارسه وأدواته التقليدية ومبادؤه لكنه لم يتطوّر على مرّ العقود كما ارتأى الناقد الفرنسي رولان بارت الذي أضاف ما لم يضف ناقد آخر من ذلك الحين.
وتضيف: غالبية مَن كتبوا عن أعمالي من نقاد، كرّروا أسلوبهم مع أن بعض نصوصي تحتمل أكثر من تأويل وتفسير. لذلك اتجهتُ إلى كتابة النقد. فكان كتابي الأول في هذا الخصوص «سادنات السرد»، وهو نقد لكاتبات عربيات، أتناول فيه روايات وقصصاً نسائية. معتبرة أن بعض النقاد العرب كانوا أجمد من الجمود ذاته.
وعن رأيها بالنقد الأدبيّ في سورية، ترى الأديبة السورية أن النقد بشكل عام في العالم العربي كلّه يتراجع أمام الكمّ الهائل من السرد والشعر وقلة عدد النقاد وعدم قدرتهم على مواكبة ما ينشر. فظلت قامة النقد أقصر بكثير من قامات الكتابة الأدبية. مشيرة إلى أننا ما زلنا نقرأ نقداً يكتب لتهدئة خاطر أو لمكسب ودّ وغيره. وأن النقد في سورية ضعيف لقلّة النقاد وعدم تشجيع عملية النقد من قبل المهتمين والقيّمين على الفعل الثقافي.
وترفض إبراهيم فصل الأدب بحسب جنس الكاتب. مبيّنةً أن الكاتبات في العالم العربي قلّما خرجن من دائرة همومهنّ الشخصية أو بحثهنّ عن ذاتهنّ وكينونتهنّ. وثمّة روائيات قليلات خرجن بأفكارهنّ عن الهمّ الخاص واخترقن ولوجاً همّاً أكبر كسحر خليفة. ولكن الأسلوب بقي ذا رائحة أنثوية طاغية.
يشار إلى أن الأديبة نجاح إبراهيم تكتب القصة والرواية والنقد الأدبي، وتشغل منصب رئيس فرع اتحاد الكتّاب العرب في الرقة. نالت إحدى عشرة جائزة على مستويَي سورية والعالم العربي في مجالَي القصة والرواية. ولها 13 إصداراً أدبياً منها «المجد في الكيس الأسود»، و«أهدى من قطاة»، و«بين زحل وكمأة»، و«أحرقوا السذاب لجنونها»، و«أصابع السرطان». وتُرجِمت إلى الفرنسية روايتها «عطش الإسفيدار».
شاركت نجاح إبراهيم في تحكيم عددٍ من المسابقات والمهرجانات، وكُرّمت أكثر من مرة لدورها في الحراك الثقافي في سورية، وأخذت وزارة التربية نصّاً لها يُدرّس للصف السابع منذ خمس سنوات.