الشرق الأوسط الفلسطيني الجديد
بلال شرارة
سيجتمعون في فيينا وربما بعد ذلك في جنيف وعُمان واسطنبول وعمّان والرياض والقاهرة وباريس وواشنطن، وسيصلون إلى موسكو إلى منتدى جنيف 3 أو 4 أو 5 .
بمشاركة كل الأطراف الإقليمية والدولية والأطراف السورية الدولة والمعارضة الممكنة المعتدلة ! ، وقد توافق الجميع على مشاركة الجميع ! ولم يعد أحد يحط عصياً في الدواليب ، ولكن في المرحلة الأولى ستجري المفاوضات على سورية بغياب السوريين ! ، ولكن هناك من يغيب عن الاجتماع وأصابعه موجودة في صورة حركة المسألة السورية ويقع على تماسها ويعبث ببعض مجرياتها وأقصد «إسرائيل»، ثم هناك أساساً من لا يريد للجميع أن ينتبه إلى وجوده وهو الله سبحانه وتعالى الذي يراقب الأيادي التي تحمل الخناجر خلف ظهورها واتصالاتها خارج ميدان طاولة المفاوضات ومحاولات فرض إملاءات وشروط.
ثم قبل ذلك يبقى السؤال، مَن يريد حلاً للمسألة السورية؟ وهل المشكلة هي البتّ بمصير الأسد؟ وهل الحلّ ممكن قبل هزيمة الإرهاب؟ ومَن يقف خلف الإرهاب ومَن يريد هزيمته؟ وهل الحلّ انتقالي ؟ ومن لا يريد الانتخابات؟ ثم أنّ الانتخابات على أيّ مساحة ؟ .
أنا لا أملك أجوبة سوى جواب واحد: الشعب السوري يريد حلاً ويريد نظاماً سياسياً ملائماً لتطلعاته، وهو الذي يجب أن يختار، وهو مَن يقرّر مصير الجميع، إذ إن المشكلة ليست مصير الأسد بقدر ما هي مصير سورية ومَن يشارك في صنع الحل السوري وبنائه؟
أنا أعتقد أنّ هناك الكثير من الأطراف الإقليمية والدولية لا تريد حلاً ! فمَن هو المتضرّر من المسألة السورية ومَن المستفيد؟ مَن يريد انتخابات؟ وهل مثل هذه الانتخابات تجري على مساحة بلاده؟ مَن موّل انتحار سورية وانتحاره؟ مَن لا يريد الاقتناع بتجفيف مصادر الإرهاب المالية والتسليحية؟ مَن يرسل المرتزقة إلى سورية؟ أسئلة لها أول وليس لها آخر، ولكن أنا أعرف أنّ المفاوضات ستستغرق وقتاً طويلاً وسيموت المزيد من السوريين وسيتدمّر المزيد من الأملاك والأرزاق، وسيتمّ استكمال مشهد الموت العاري للمدن والبلدات والقرى والدساكر.
ثم بعد ذلك ماذا سيحدث؟ أنا أرى أنّ إسرائيل في لعبة السيرك السياسية الشرق أوسطية أدخلت رأسها في فم الأسد الفلسطيني. طبعاً، جنودها ومستوطنوها يملكون الأسلحة النارية وكلّ وسائل الإرهاب الداعشي الرسمي وغيره، و«إسرائيل» بالعودة إلى الذاكرة هي مَن أطلق عصابات شتيرن و«الهاغانا» وهي ارتكبت من العام 1936 إلى اليوم آلاف المجازر وفتحت ودمّرت وشرّدت، وهي إزاء القيامة الفلسطينية الآن ستحاول الاندفاع إلى الإمام عبر الحدود، أو أنها ستقع في حرب السكين والحجارة الجارية والتي ستتّسع، ولا يمكن لأحد أن يوقفها لا فلسطين سواء السلطة أو دولة غزة ولا ثلاثي جون كيري – الملك عبد الله – نتنياهو .
آخر الدواء الكي، و«إسرائيل» لا يناسبها أن تتوقف الحرب السورية، ولا منظومات الأسلحة الأميركية الجديدة التي سيرشي بها الرئيس أوباما «إسرائيل» خلال زيارة نتنياهو الأسبوع المقبل، ولا أن يكسر الفلسطينيون حالة الخوف من الاحتلال ولا أن تنجز مصر مثلاً انتخاباتها وتتجه إلى الاستقرار السياسي والأمني، ولا أن ينجح المبعوث الأممي في إجلاس الأطراف اليمنية حول الطاولة، ولا أن تنجح مساعي مسقط في تقريب وجهات النظر، ولا أن يتوقف استنزاف مال النفط على تمويل انتحار الدول الغنية والباحثة عن دور، ولا أن تعود تركيا إلى لعب أدوار سياسية خارج صناديق الاقتراع.
نحن لا بدّ أن تبقى عيوننا مفتوحة على أنّ إسرائيل ستضعنا أو بالأحرى ستضع خصومها أمام: الاستسلام أو الانتحار أو الفرار.
إذن ماذا سنفعل نحن؟ أقصد نحن الذين وقفنا إلى جانب سورية ومنعنا سقوطها وواجهنا كتل المال والسلاح المتدفق لزعزعة استقرار سورية أو بالحدّ الأدنى تقسيمها؟
أقول: إنّ علينا أن نستعدّ للحرب على جبهات «إسرائيل» المفتوحة سواء على المسألة السورية أو اللبنانية أو الفلسطينية، وهي إسرائيل سبق أن وضعت فيتو بالنار من خلال عمليات جوية على مواقع داخل سورية، وهي كانت ولا تزال تحاول تحريك أشباحها على جبهة الجولان، وهي اغتالت عدداً من ضباط غرفة العمليات الالكترونية السورية، وهي اغتالت علماء سوريين، وكذلك فعلت مخابراتها في إيران حيث سقط عدد من العلماء شهداء عمليات الاغتيال «الإسرائيلية» وهي تنتظر الفرصة للانتقام من لبنان وغزة.
الحرب ستمتدّ على جبهة غزة كما على جبهات الشمال، ولن تنجح لا باغتيال اليد التي تحمل السكين في الداخل، ولن تنجح باغتيال فكرة المقاومة.
نهاية المسألة السورية واليمنية وكذلك الليبية والتوترات السياسية في لبنان وكلّ الفوضى التي تضرب أطنابها في الوطن العربي ستنتهي بمجرد هزيمة فكرة «الفوضى البناءة» ! النابعة من تل أبيب وبعد تجديد إثبات عجز القوى عن إنتاج الشرق الأوسط ليلائم الأحلام.
أجزم بأنّ هناك طرفاً غائباً عن مفاوضات فيينا، وهو لم يختَر ممثله بعد، وأقصد بهذا الطرف حركة الشعب الفلسطيني الآن، وأجزم أنها هي التي ستقرّر المستقبل، ليس على أرض فلسطين فحسب، بل في سورية ولبنان والعالم العربي والشرق الأوسط الفلسطيني الجديد!