ماذا يقول المغتربون السوريون؟ تحية إلى حلب
تامر يوسف بلبيسي
لا يُخفى على متابع للقضية السورية حجم المال والإعلام المرصودين لتفتيت وحدة السوريين، ومناداتهم بطوائفهم ومناطقهم بدلاً من هويتهم السورية الأصلية والجامعة. ولا يُخفى أنّ أخطر تشوّهات الحرب كانت تسلّل هذه الهويات البديلة والفئوية لتجاور الهوية السورية الواحدة أملاً بالحلول مكانها. كما لا يُخفى أنّ ذلك كان متصلاً دائماً بوجود مشروع خفي حيناً ومعلن أحياناً لتقسيم سورية، وحيث لا يستقيم التقسيم على أساس واحد طائفي أو مناطقي جرى التسويق للهويتين الرديفتين والبديلتين للهوية الوطنية للسوريين، أيّ المناطقية والطائفية.
قبل أسبوع صرّح اثنان من القادة الأمنيين الغربيين الكبار أنّ سورية والعراق اللذين عرفناهما لن يعودا بحدودهما التي نعرفها، فساورنا القلق على مستقبل بلدنا كثيراً لما تكشفه مثل هذه التصريحات التي تتخذ صفة التحليل والتنبّؤ من وجود مضمر للخطط غير المعلنة.
في المقابل، فرح السوريون المقيمون والمغتربون الذين لم يصابوا بتلوّث الهويات الرديفة والبديلة لهويتهم الوطنية عندما تسنّى لهم الاطلاع على أنّ أبرز ما في مقرّرات مؤتمر فيينا الذي شاركت فيه جميع الدول ذات الصلة بأزمة بلدنا سورية، بتأكيد وحدة سورية وسيادتها. لكن القلق لا يتبدّد من دون وضوح الآلية التي ستتيح تحقيق هذه الوحدة ما دامت أجزاء واسعة من التراب الوطني السوري تقع رهينة في أيدي جماعات مسلحة إرهابية لا يمكن أن تكون جزءاً من أيّ عملية سياسية أو طرفاً في أيّ حلّ سياسي، وطالما أنّ التصريحات الدولية، بل القرارات الدولية، ومنها ما هو صادر عن مجلس الأمن، تبقى عقوداً حبراً على ورق ويجري تجديدها من باب رفع العتب ليس إلا.
تحمل لنا الأخبار الواردة من أرياف حلب، خصوصاً مع إنجاز جيشنا فتح طريق خناصر ـــ أثريا نحو حلب، المزيد من الأخبار المشابهة عن تقدّم وحدات الجيش نحو مطار كويرس ونحو كلّ من البلدات المحاصرة في نبل والزهراء والفوعة وكفريا واقتراب قوات الجيش المحيطة بحلب بالقوات الصاعدة في حملة سهل الغاب وأرياف حماة وإدلب، ما يعني حسبما تقول الأخبار ويؤكد المتابعون أنّ معركة حلب لم تعد بعيدة.
الانتصارات التي يحققها الجيش السوري تخطّت خلال الشهر الماضي منذ بدء الغطاء الجوي الروسي بمواكبة قوات الجيش في عملياته البرية ما يمكن وصفه بالكرّ والفرّ في الحرب، فتكاد الانتصارات وعمليات التقدّم جنوباً وشمالاً وفي الوسط تكون محصورة بالجيش وحده، وتبدو الجماعات المسلحة الإرهابية في حال انكفاء وبعضها في حال ضياع، رغم محاولات الإنعاش الإعلامية والنفسية التي تحاول تزويدها بها بعض المواقف والتصريحات والحملات الإعلامية. ويشير الخط البياني الإجمالي للعمليات العسكرية خلال شهر مضى إلى أنّ الجيش يُمسك زمام المبادرة، سواء بتحديد جغرافيا المعارك أو بتحديد نتائجها.
تدور المعارك حيث يريد الجيش لها أن تدور وتنتهي كما يخطط لها أن تنتهي. وهذا لم يحدث من قبل، فكان الجيش يدير المعارك في جبهة فتفتح جبهات مقابلة، وكان يسجل نصراً في جبهته لكن مقابله كانت تسجل انتصارات للجماعات المسلحة. بينما يثبت مسار عمليات الشهر الماضي أنّ الاتجاه واحد لمصلحة الجيش وفي كلّ المسارات والجبهات، لا بل إنّ الجبهات التي أريدَ فتحها لإرباك الجيش وتشتيت قواه تعامل معها وحقق فيها إنجازات.
إذاً، نحن أمام تحوّل نوعي في المسار العسكري يواكبه تحوّل نوعيّ في المسار السياسي، بدءاً من التلاقي في فيينا على التمسّك بوحدة سورية ووضع خط فاصل ستتبلور تفاصيله بين المعارضة والإرهاب، بين المدعوّين للحوار والمدعوّين للنار أو للفرار، وانتهاء باحترام مشيئة السوريين بحقهم الحصري في تحديد شكل الحكم لبلدهم وهوية مَن يختارونه لملء المناصب السيادية في دولتهم وعلى رأسها رئاسة الجمهورية.
تتجه أنظار السوريين نحو حلب، وتنتظر بفارغ الصبر أن تراها حرّة، وأن تسمع صوت زغرودة النصر فيها ومنها، فحلب ثاني أكبر مدن سورية وعاصمتها الاقتصادية والثقافية، سجلت ملحمة صمود أسطورية، فهي المدينة التي قاتلت وصمدت رغم الحصار الذي بلغ حرمانها من مياه الشرب ومن الكهرباء والهاتف، وأغلقت عليها الطرق لتجوع وتضعف وتصرخ فتستسلم فبقيت الشهباء شهباً تشعّ نوراً وتشعل ناراً لا تهون ولا تلين، وتتطلّع سورية بمقيميها ومغتربيها إلى خلاص حلب كبشارة لغدها الجديد.
وحدة سورية المقدّسة ستصبح حقيقة قابلة للتحقق يوم يدخل جيشنا الباسل إلى حلب ويرتفع العلم الذي يتوحّد السوريون من حوله في كلّ مؤسساتها وميادينها وساحاتها ويرفرف في كلّ فضاءاتها.
تنتصر مع حلب رمزية ما تمثل من عزيمة التمسك بالهوية الوطنية الواحدة، وعلامة الإصرار أنّ سورية أمُّنا جميعاً.
إلى حلب التحية.
مغترب عربي سوري في الكويت
رئيس مجلس إدارة قناة «زنوبيا» الفضائية