الرفيقة سوريا كرم المهتار
ل.ن.
من المستحيل الإحاطة بكامل دور المرأة القومية الاجتماعية على مدى سنوات الصراع القومي الاجتماعي. فكيف إذا أضفنا إليها دور المواطنات من أمهات وزوجات وشقيقات، وما سطّرن من تفانٍ ووقفات عز. هذا الواجب يصحّ أن تقوم به لجنة تاريخ الحزب، إنما هو أيضاً من واجب فروع الحزب والرفقاء المنتشرين في الوطن وعبر الحدود، ففي كل فرع مرويّات من رفيقات مناضلات وعن مواطنات سطّرن ملاحم من التعاطي الرائع. وإذا كنا في كثير من النبذات أشرنا إلى ذلك إنما تبقى أقل بكثير مما يجب أن يُكتب.
في النبذة عن معتقل «المية ومية» تحدثنا عن الرفيقة سوريا المهتار التي كانت تتوجه على دراجة هوائية إلى معتقل «المية ومية» كي تؤمن حاجات زوجها المعتقل الأمين عجاج المهتار.
إني وقد عرفت الرفيقة سوريا عندما قطنت والأمين عجاج في رأس بيروت، وتعرفتُ إلى ما ينبض في داخلها من معاني الالتزام القومي الاجتماعي، ومثلي تعرّف عدد من رفقاء ورفيقات كانوا يترددون إلى المنزل… يدفعني الواجب إلى أن أقدم هذه الإفادة المتواضعة عنها، آملاً وداعياً الرفقاء إلى أن يحرّروا معلوماتهم عن امرأة تميّزت في تاريخ الصراع القومي الاجتماعي، وابنها الرفيق أسامة المهتار إلى أن يُغني المكتبة القومية الاجتماعية بمآثر الأمين عجاج النضالية، وبمؤلف يغطي سيرته ومسيرته إلى جانب الرفيقة سوريا. هما حالة مضيئة في حزبنا لا يجوز أن يغيب نورها عن أجيال الحزب والأمة.
عقب رحيل الرفيقة سوريا كرم المهتار نشرتُ في العدد 2029 تاريخ 1/7/2000 من مجلة «البناء – صباح الخير» الكلمة التالية:
« أن تهتم فتيات اليوم بالعمل السياسي العام، أن تنتمين إلى أحزاب ومنظمات، تحملن السلاح وتقاتلن وتستشهدن، وأن تدخلن السجون والمعتقلات، فهذا أمر لم يعد يستوقفنا كثيراً، على أهميته. أما أن يحصل ذلك في أوائل الثلاثينات عندما كانت المرأة حبيسة المنزل، والعادات والتقاليد، ومع ذلك تنضم إلى حزب يقاتل الأجنبي المحتلّ ويعمل لوحدة أمته ونهضتها، فتساق إلى التحقيقات، تدخل السجون، تتوارى، تلاحَق وتتحدى.
أما أن تكون الرفيقة جمال ناصيف أول امرأة في بلادنا تستدعى إلى التحقيق بجرم العمل السياسي، وأن تستدعى رفيقات من عائلات بيروت المحافظة، كالرفيقة نعم فاخوري، وتعتقل والدة الرفيقين كامل ورفيق أبو كامل مع ابنيها، وغيرهن وغيرهن.
أما أن تنشأ مديريات تضم الرفيقات، فمنفذية للسيدات في بيروت، وتقوم الرفيقة بدورها كالرفيق، تتحمل المسؤوليات الحزبية في أوجّ حالات الاضطهاد والملاحقة والسجون وتتولى تنفيذ المهمات في أحلك الظروف.
أما أن تصعد في الحزب رفيقات وأمينات يرتفعن منارات عز وفخر، وكنّ مثالاً للشجاعة والإيمان.
فهذا وذاك ليس أمراً بسيطاً عادياً لا يستوقف أحداً ولا يلفت أي متتبع.
الرفيقة سوريا المهتار كانت من أولئك الرفيقات اللواتي عرفن النضال القومي الاجتماعي المرير والشاق إلى جانب الرفيق، فلا تفرقة إلا بالمظهر، ولا فارق بين رفيق ورفيقة، إلا بما ينبض كل منهما إيماناً ووعياً والتزاماً.
إلى جانب الأمين عجاج المهتار عرفت معنى أن تكون المرأة القومية الاجتماعية مناضلة، معه أنشأت عائلة قومية اجتماعية، تهجرّت معه، عانت معه، كابدت، ومعه بقيت صامدة، مؤمنة، صلبة، تشّع محبة وصفاء وقدوة، وتسير على درب النضال فلا تعرف تراجعاً ولا يأساً، بل تزداد إيماناً وفرحاً بما هي عليه، وتبقى تسير.
يحكى عنها أنها كانت تتوجه على دراجة عادية إلى معتقل «المية ومية» قرب صيدا حيث تعتقل السلطات الفرنسية زوجها الأمين عجاج المهتار والعديد من المسؤولين المركزيين والأمناء والرفقاء. يحكى أنها كانت تنفذ مهمات صعبة قد تعرّضها للاعتقال، فلا عرفت قدماها تردداً، ولا نظراتها الوجل.
يحكى أن الحزب سكنها في الأعماق، فكان ملازماً لها حياة وعائلة وزوجاً ونضالاً مطلقاً.
يحكى أنها كانت النموذج الحيّ لكيف تكون قومياً اجتماعياً وكيف هو إنسان سعاده… تلك هي الرفيقة سوريا المهتار، إحدى مناراتنا التي بها نقتدي ونعتز ونفخر، وبها نقول للعالم: إذا أردتم أن تعرفوا ما هو الحزب فانظروا إلى مناضليه، وإذا رغبتم أن تدققوا في ما حقق هذا الحزب فانظروا إلى سوريا المهتار، وإلى مثيلاتها من رفيقات، وانظروا إلى الأمين عجاج المهتار وإلى أمثاله من رفقاء، فتدركون عظمة هذا الحزب، وعظمة ما حقق.
الرفيقة سوريا،
لكِ في قلب كل قومي اجتماعي مساحة لا تنتهي من الحب والتقدير. شكراً لك تقولين لنا كل يوم: هذا هو حزبكم وها أنذا. ونقول بكِ للجميع هؤلاء هن رفيقاتنا، وبهن نصعد نحو المنتهى.
رفيقة سوريا
تبقين معنا، من كان مثلك يستمر في حياتنا ولا يغيب.
وأنتِ باقية
عُرف عن الرفيقة سوريا اتقانها صنع أشكال فنية رائعة من مادة الشمع وكانت رفيقات ومواطنات يترددن إليها ليتعلّمن تلك الصنعة.
وكثيراً ما شهدت المعارض جناحاً خاصاً لأعمال الرفيقة سوريا، كان يستقطب اهتمام الكثيرين من الزوار، وإعجابهم.
نشر الرفيق أسامة المهتار هذه المعلومات عن والدته الرفيقة سوريا، ننقلها بالنص الحرفي:
« في 31 تموز 1915 ولدت سيريا إسبر كرم في قرية زبوغا في المتن الشمالي من جبل لبنان- سورية. وقد سماها جدي، بو عساف إسبر كرم، سيريا لأنها أول مولودة له تولد في الوطن ـ سورية، بعد عودته من البرازيل حيث كان قد أنجب عساف وسلمى وإيراساما. طبعاً، هذا كله كان قبل أنطون سعاده، وقبل تأسيسه للحزب السوري القومي الاجتماعي.
في ذلك الوقت كان لبنان جبلاً في سورية، لا أكثر.
انتمت إلى االحزب السوري القومي الاجتماعي وكان لا يزال سرياً، وفيه التقت الأمين عجاج المهتار حيث تزوّجا وأمضيا حياة مليئة بالمحبة والفرح والعطاء رغم الصعوبات والسجن والعذاب. الجدير بالذكر، أنهما كانا من أول من كسر حواجز الطوائف في البلاد فكانا بذلك قدوة للكثيرين من الشباب الذين غلّبوا الحب على حقد الطائفيين وعمى المذهبيين.
مآثرها الحزبية كثيرة، إحداها أنها كانت المسؤولة عن البريد السرّي من وإلى معتقل «المية ومية» الذي كانت تزوره مرة كل أسبوع لمدة سنتين، على الدراجة من بيروت.
توفيت ليلة تحرير الجنوب، في 25 أيار سنة 2000.
كان الأمين عجاج المهتار في سجن الرمل والرفيقة سوريا في زندان نظارة مخفر البرج.
فكانت قصيدته «انتي أنا»
انتي أنا جسمين صرنا بفرد روح
بقلب طافح بالمحبة والوفا
وين ما راح القدر فينا يروح
مشعال بجنون العواصف ما انطفى
انتي أنا فراشات عجناح الهوى
خلي الحسود يذوب عتراب العدم
قبل الدني وسكانها نحنا سوا
والبرج لمن راد يفصلنا انهدم
انتي أنا بالليل عمطل القمر
غنية الشلال عصفات الهدير
صوت الحقيقة ولحن ذايب عالوتر
زقزوقة العصفور عحفافي الغدير
انتي أنا مطاعيم بكروم الشفق
زهر الغصون الخضر بالحقل الوسيع
قلب المحبة الخالدة فينا خفق
دم الشهيد البكر بورود الربيع
انتِ أنا عصفات روح مجنحة
بتكشّح الغيمات وبترعى النسور
وقمار بحواض الزهور مفتحة
عجوانح النحلات ومواج العطور
انتِ أنا ويلات حمرا مكرره
عجفون عذرا مكحّله بدمع الفرح
دم العريشه تحت زغل المعصره
دفقات خمر الكرم عشفاف القدح
انتِ أنا عالشيح خيط الشرنقة
بند العلم عالحصن بجدايل حرير
كومة سبل بغمار ورد مبشنقه
عبيادر الحصاد والموسم كبير
انتِ أنا صوت البلابل عالقنا
تفسير حلم العبقري ومعنى الدروس
شمعات آذار الحلو بعرس إلهنا
دقات لحن العاطفة بقلب العروس
انتي أنا لفحة هدير الزوبعة
بعصفاتها روح الفساد بتنقلع
زلزال صاخب في لهيب المعمعة
كفّ القدر بتهدّ وبتبني قلع
انتي أنا لمعات من هاك الشعاع
بالعتم دلينا المسافر عالطريق
بالزورق المسحور وحبال الشراع
منباطح الموجات منشيل الغريق
انتي أنا بين الأفاعي والوحوش
بالحبس بالزندان بالعتمات نور
بالمعركة صواريخ ورصاص الجيوش
بالوعر بالأدغال منفجر صخور
انتي أنا عينين ما بترضى تنوح
عجفونها المخرز بري والصخر لان
وقلب ثاير كلكلوا بقلبو الجروح
وتقصّفت عمراوحو سيوف الزمان
انتي أنا طراطيش دمّات الشهيد
ثورات عالغدر الخسيس البربري
روح الخميره الفايره بموسم جديد
ضو الرجا وتفسير حلم العبقري