سمير عفة وطفلته ماري آنّا فُقدا منذ أسبوع قبالة جزيرة يونانية ومصيرهما لا يزال مجهولاً

جودي يعقوب

تمدّد الإرهاب في مختلف مساحات سوريانا، ما استدعى خروج مئات الألوف من الأبرياء من قراهم ومدنهم، هرباً من الحرب والفقر والبطش وعدم الأمان، بحثاً عن حياة أفضل أكثر أماناً واستقراراً، فتحولوا إلى لاجئين عالقين في قوارب عائمة، وتحوّل البحر الذي ظنّوا أنه يمثّل طوق نجاتهم، إلى مقبرة جماعية قُدّمت فيها أجسادهم ولائم دسمة للأسماك، وأضحت مأساتهم، التي تحوّلت إلى مجرد أرقام وإحصاءات حول عدد الغرقى والمفقودين، تتجدّد يومياً.

خلف هذه الأرقام، تطالعنا حوادث تراجيدية وخسارة عائلات بكاملها بمنتهى المأساوية، مع تحدّي آلاف المهاجرين ظروفَ الشتاء الصعبة، لعبور البحر ضمن «رحلات الموت»، هرباً من موت، إنما إلى موت آخر. ليست هذه المرّة الأولى التي يدفع «شعوب القوارب» ثمناً باهظاً للسياسات الدولية وازدواجية المواقف والمعايير، مع محاولة الدول الكبرى التي ساهمت عبر تدخّلها وسياساتها المغرضة ونظرياتها حول الفوضى الخلّاقة، في تمدّد الإرهاب وانتشاره في دول المنطقة، وفي تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب على حساب جثث الأبرياء، بدلاً من تحمّل مسؤوليتها السياسية والإنسانية إزاء نتائج أفعالها، وعلى وجه الخصوص، في ما يتعلق بتفاقم مآسي «شعوب القوارب» واللاجئين وطالبي الهجرة غير الشرعية.

أُغلِقت الأبواب أمام مساعدات جادّة لمعالجة الأزمة الراهنة في سورية. ولو كانت «ماما ميركل» صادقة بدموعها، هي ومن معها من ممثلي الدول الأوروبية أصحاب سياسة الأبواب المفتوحة، هذه السياسة التي فشلت على أراضيهم فشلاً ذريعاً، وأصبحت تهدّد أمنهم الاجتماعي والاقتصادي، فعجزوا حتّى الآن عن مواجهة مأساة اللاجئين والمهاجرين، وعن إيجاد حلول ناجعة، لأمرت بفتح أبواب سفارتها وقنصليتها في سورية، لاستقبال طلبات اللجوء أمام الراغبين بشكل نظاميّ. أو ربما أرسلت البواخر «الآمنة» لتقلّ السوريين من الشواطئ السورية، بدلاً من تركهم يتحوّلون إلى جثث في بحر إيجه. لو كانت الدول الأوروبية صادقة، لما فرضت أساساً عقوبات على الشعب السوري، هذه العقوبات التي كانت سبباً في انهيار اقتصاد بلاده.

تتراكم حكايات المآسي والعائلات المنكوبة، ومن هذه الحكايات، قصّة المهندس سمير عفة، العامل في الإغاثة الإنسانية، الذي اضطرّ، لإنقاذ ابنته الصغيرة ماري آنّا وحمايتها، إلى تشتيت عائلته وترك زوجته المهندسة مارلين نعلبانديان وحيدةً. فقرّر عبور البحر للوصول إلى أوروبا علّه يحظى بحياة جديدة ومستقبل أفضل لوحيدتهما. لكنّ القارب كان متهالكاً ومكتظّاً.

يوم 28/10/2015، ركب المهندس سمير عفة مع ابنته وابن شقيقه ومجموعة من أبناء مدينة الحسكة، أحد قوارب الموت من السواحل التركية قاصدين اليونان. وعلى مقربة ما يعادل 300 متر فقط من إحدى الجزر اليونانية، بدأ الطقس يتغيّر والموج يرتفع، وبدأت المياه تجتاح متن القارب، فأخذ كلّ شخص يلوذ بحياته قافزاً من المركب.

حتّى اليوم، ما زال مصير المهندس سمير عفة وابنته ماري آنّا مجهولاً، على أمل أن يكونا بخير، على اعتبار أنّ الجزيرة التي غرق المركب قبالتها تُعدّ جزيرة عسكرية، وهناك أمل كبير في أن تكون الطفلة ووالدها ينتظران فرصة ما ليعودا إلى أحبتهما في أسرع وقت ممكن.

ولعلّ هذا التقرير المقتضب، يكون دعوةً لذوي الحسّ الإنسانيّ، لكي يتعاونوا مع هذه الحالة الإنسانية، ولو بمعلومة. أما الرسالة إلى ذوي المهندس عفة وابنته، أن توجّهوا إلى المنظمات الإنسانية، علّها تساهم في الوصول إلى خبر مريح ونتيجة سعيدة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى