«الميادين».. الصوت والسوط
هاني سليمان الحلبي
في حرب الحرية لا خيار للمؤمن إلا عَضْدُ الحرية، أما العبد فيخضع للسلطان ويجد في خضوعه الحرية كلها وصمّامها حاجة السلطان له.
أما في حرب «عربسات» للبث الفضائي المسمّى عربياً، والمملوكة لدول عربية ذات عضوية في ما يُسمّى جامعة الدول العربية، السيئة الذكر والملوّثة الصيت، وبين قناة «الميادين» لا يكفي المؤمن أن يعضد ويقول كلاماً عابراً «مع الميادين» أو «أتضامن مع الميادين» وغيرهما من «هاشتاغات» جوفاء تداولها عشرات آلاف الناشطين والمغرّدين أخيراً.
«مع» هذه، هي الكفر كله عندها يُقرّ المؤمن المقاوم أنه منفصم شخصية ليكون هو مع ذاته. كيف يكون مع ذاته؟ بل كيف يكون مع صوته؟ كيف يكون هو نفسه آخر يتضامن معه؟ محالٌ أن يكون مقاوم على هذا المقدار من السطحية ليرى في «الميادين» ما يمكن التضامن معه فقط!!
لماذا؟
لأنّ الميادين هي غسان بن جدّو، وغسان بن جدّو أكبر من أن يُعرَّف! يوم حجب العالم سيد المقاومة في بلادنا في هذه العقود الدامية، وحدَه بن جدّو حمل دمه على كفّه وذهب إلى عرين السيد يستطلع صوته وعداً صادقاً لتيار المقاومين الأحرار في هذا العالم، وعبر بن جدّو قال أيقونته: لو أتى العالم كله فلن يستطيع انتزاع سلاحنا!! فكيف إن كان مع بن جدٌو أعلام كبار مقاومون في «الميادين».
حينها، نحن كمقاومين، وكادت تصدأ مفاصلنا، عرفنا بالبرهان الحيّ والدليل اليقيني أنّ عهداً جديداً بدأ في بلادنا، وأنّ المقاوم لن يعود مضطراً للزواج من أجنبية تؤمّن سفارتها تغطية انسحاب لابنه وزوجته عندما تُغلق «إسرائيل» الفضاء والبرّ!!
ولأنّ «الميادين» صوت الميادين. دائماً، رغم كثافة التشكيك، بسبب ما يعقد كثيرون المقارنة بين شعارها وشعار «الجزيرة» أنه هو نفسه مقلوباً تسعين درجة، وأنها ربيبتها منطقاً وإبهاراً وطغياناً صوتياً في ميادين ربيع عربي دموي. ما يلزم، وحسب اجتهادهم، أنها مثلها، لكنها تكمل تغطية مساحة الرسالة الدعائية التي خسرتها «الجزيرة» و«العربية» لما انكشفتا فتنتين في الفضاء العربي.
لكن المشككين، أخطأوا في حسابات ظنونهم كثيراً لما جعلوها أحكام محاكمة جائرة، وعمّموا ملاحظاتهم المسبَقة والجزئية على مساحة النظر بكاملها، فظلموا. والعياذ بالله من أن نكون ظالمين!
تفرّدت «الميادين» في برامجها. يكاد كلّ برنامج أن يكون خطاً معاكساً حقيقياً لنهج الهدم المدمّر الذي نهجته بغباء وحماسة منقطعة النظير القنوات العربية كلها تقريباً. وحدَها «الميادين» قرعت أجراس المشرق، لتقول إنّ أجراسنا ستظلّ تدق. وأننا لن نتنازل عن مسيحنا القيّوم والشهيد والمبشّر والمنتظَر، لا الآن ولا في أيّ وقت مقبل من تاريخنا، لأنه مقوّم حضارتنا ومطلق دورة تجدِّد دمها وهو أبعد من أن يكون دعوة دينية أو مذهبية ما. هو القشعريرة التي بثها في عروق العقول الكهنوتية المتيبّسة بالسبت لتتحرّر بالحق ولتواكب قوة الحياة.
وتفرّدت «الميادين» بفرادات كثيرة ليس مكانُ عرضها وتحليلها هنا من استضافات فكرية وقومية وروحية. وتربّعت على إبرة الميزان بمهنية مشهودة. وحيث اتجه القطيع ليتداول مصطلحات «كتائب الأسد» و«جيش النظام» وغيرهما فتفرد أبرز صحف لبنان صفحاتها الأولى صوراً ومصطلحات تروّج الهزيمة أمام الإرهاب، وتبثها أبرز شاشاته الأولى أيضاً، تفرّدت شاشة «الميادين» بالمشهد المهني لـ«للواقع كما هو» حينها، ولتفرد «البناء» صفحتها الأولى للصورة المهنية المعبّرة عن المانشيت، جيش سوري يُقاوم، وانتفاضة حق وسواعد فتية تنهض بفلسطين من قبر «السلطة» وسجن الاحتلال، هما حقيقتان لا نخجل بهما قط. ولو طغت في فضائنا وصحفنا شاشات الارتزاق وأقلام العبيد فليس أخطر من أقلام العبودية في معارك الحرية إلا شاشات الاحتلال الضوئي المشهدي كشاشات لبنان والعرب، ما عدا «الميادين».
وحسناً، فعلت الحكومة اللبنانية وقوى المجتمع المدني في لبنان، وفي باقي الدول العربية والعالم، بخاصة في فلسطين، أنها ردّت بحكمة ومهنية متوازنة وكافية في الخطاب الديبلوماسي بأنها تطلب من «عربسات» تقديم الدليل الذي أساءت به «الميادين لمهنية العمل الإعلامي وللجهة المحرّضة عليها، بعيداً عن احترام عرض الرأي الآخر وحماية حقه بالنشر والإعلام. وللأمانة، وقياساً لعهد حريريّ منصرم، كانت لبننة القرار اللبناني مفاجئة تنبئ بأنّ عهداً من استقلالية القرار استُعيدت، ولنا أن نفرح بتمرّس هذه الاستقلالية.
«الميادين» متألقة وستبقى. واحتضانها يتعاظم يوماً بعد يوم لتكون قناتنا. صوتنا. شاشتنا الذهبية. ومشهدنا الأجمل من تونس إلى طهران وتقدّم الإعلام البديل الموثوق النبيل لدرجة أن يعترف أنه أخطأ حيث تعوزه الوثائق أو يشوب النظر عيبٌ حيناً لسبب ما.
«الميادين» انتصار الصوت على طغيان المموّل والمتواطئ على شعبه والمعتدي على أطفال اليمن وأطفال بغداد وأطفال دمشق وأطفال ليبيا وأبريائها… والحبل على الجرار.
وإن كانت «عربسات» ستتراجع عن قرارها، وهي لن تتراجع، فإنه لَممنوع على «الميادين» أن تساوم أو أن تقبل بقاءها على قمر عربي تموّله دماء أطفالنا وأرواح شعبنا. لنتطهّر من هؤلاء اليوم، بعد هذا التأخر المديد.
هي سُنّة الحياة «أن ينشقّ البيت فينا بيتَيْنِ» بين الجديد الفتيّ الناهض عن المتهدم المتهالك إنْ فسُد.
«الميادين» الصوت المقاوم، السوط اللاهب تجار الهياكل والدماء العربية.. سلاماً.
ناشر موقع حرمون