الحرب على برّ مصر
ماجدي البسيوني
عوائد السياحة بالمجمل شيء مهم بالنسبة للدخل المصري، لكن الأهمّ دخل مصر من الزراعة والصناعة وقناة السويس… السياحة التي تدرّ دخلاً للمصرين هي تلك التي تتمّ في الأقصر وأسوان والقاهرة تلك التي تعود بالنفع السريع على المواطن البسيط وعلى المتاحف وكذا السياحة الدينية… أما عوائد السياحة بمنتجعات شرم الشيخ فهي الأسرع إلى جيوب أصحاب المنتجعات والقرى السياحية الذين يعتمدون في الأغلب على سياحة الترانزيت سواء أكانت تركية أو حتى صهيونية، وإلا قولوا لنا من هم رواد شرم الشيخ من المصريين بغضّ النظر عن العمالة الموسمية… هؤلاء أصحاب المنتجعات والقرى والكامبس بشرم الشيخ، هم من أخذوا الأموال من البنوك المصرية التي منعت منحها للصناعة والزراعة، كما أخذوا الأراضي بالتقسيط المريح والهبات، كما مُنحوا التسهيلات القانونية كافة… ورغم كل هذا هم أنفسهم من بخلوا بدفع التبرعات بصندوق دعم مصر… هم أنفسهم من ترجّاهم الرئيس السيسي بالتبرع فلما ضاق بهم قال بهدف تهدئة البسطاء: هيدفعوا، هيدفعوا.
ليس معنى كل هذا أن الغالبية من شعب مصر لا تهتم بما يخطط الغرب في مصر، بل الأمر يعنيهم كثيراً، لأنهم يدركون أن حرباً اقتصادية بدأ الغرب يمارسها ضد مصر، وهذه هي البداية لأن البداية تؤثر في البورصة كما تؤثر في سوق العملات الأجنبية، كما تؤثر في استعادة البنوك أموالها… المصريون معنيّون بما وراء إسقاط الطائرة الروسية ويدركون بحصافتهم أنه عمل مخابراتي من العيار الثقيل يعني في ما يعني عكننة شهر العسل المصري/ الروسي، ولهذا انزعجوا من سحب بوتين للسياح الروس، ولهذا نزل تصريح بوتين برداً وقليلاً من السلام عندما وصلت رسالته من أن حدث الطائرة وأياً كانت النتائج التي ستسفر عن التحقيقات فلن تؤثر على العلاقات مع مصر، وأن روسيا ستستمر في قرارها ببناء المفاعل النووي بالضبعة، وستقدم كل ما تم الاتفاق عليه من سلاح، لأن علاقتها بمصر استراتيجية وتخص الأمن القومي الروسي.
لماذا الحرب على مصر؟ ولما هذا التوقيت تحديداً، وما هي تداعياته؟
هذا ما يجب أن نعرفه تماماً، لكن ملخص ومنتهى الإجابة يكمنان في أن مصر اليوم لا يراها الغرب تسير كما أرادوها وما خططوا لها أن تكون منذ عقود وتحديداً منذ أن أعلن السادات أن 99 في المئة من أوراق اللعبة في يد واشنطن وأن قرر أن أكتوبر آخر الحروب… ومنذ أن ذهب صاغراً إلى الكنيست الصهيوني.. ومنذ أن وقع بجبهته ولا داعي لأن نقول بشيء آخر مع كارتر وصديقه بيغن على اتفاقية الذل والعار المسمّاة الأضابير الدولية معاهدة كامب ديفيد ومسمّاه خداعاً بمعاهدة السلام.. مصر التي أعاد التخطيط لها البنك والصندوق الدوليان ووصلت لما وصلته بعد أن تخلّصت من مقوّمات اقتصادياتها الذاتية من مئات المصانع وترسانة الإنتاج العملاقة والتي بُنيت بنيتها من نضال وكفاح المصريين منذ 1952 وحتى 1975 بأوامر البنك الدولي وإغراقها في الديون، وفتح كلّ أبوابها لكلّ من هبّ ودبّ سواء أكان صهيونياً أو وهابياً.. مصر التي نخر فيها الفساد حتى وصل للنخاع.. اليوم مصر، رغم كل هذا، تريد الخروج من القيد الأميركي بنعومة وليس بصدام… تريد على الأقل أن تستقل بجزء من قرارها وتستمر حتى يكتمل القرار، ولكن من دون جدوى، هم لا يريدونها كذلك، بل إما تبعية حتى الثمالة وإما حرباً ولا سيما وقد درست مراكزهم الاستخبارية كل الخطوات بدقائقها وتفاصيلها… أدركوا أن مصر طلبت في بداية تنصيب الرئيس السيسي بقوة عربية خالصة لمحاربة الإرهاب، فتم الرفض على لسان بريطانيا واشترطوا أن تكون القيادة للأردن، ثم اعترضوا على ضرب مصر لسرت بعد ذبح أكثر من 30 مواطناً مصرياً على يد داعش… أدركوا أن اشتراك مصر في التحالف الأميركي لضرب داعش كان مجرد كلام، ولا سيما أن رأي مصر في أن يكون التحالف لضرب الإرهاب بصورة عامة… أيقنوا كما أيقن حلفاؤهم أن اشتراك مصر في التحالف السعودي لضرب اليمن كان مجرد كلام فقط ـ رغم كونه أضعف الإيمان ـ لكنهم رصدوا الإسراع المصري تجاه روسيا… رصدوا التغير الجذري في موقف مصر مما يجري في سورية والعراق… رأوا تماماً إصرار روسيا أن تكون مصر حاضرة في فيينا بكل قوة، وحتماً تسلم واشنطن رسالة لا تقل عن المعنى نفسه الذي تسلّموه من الملك فيصل قبيل حرب 1967 عندما ألحّ عليهم بضرورة التخلص من ناصر، ألهذا قالها السيسي أخيراً من أنه يختلف عن ناصر، وهذا حقيقي بالفعل.
الأيام المقبلة عصيبة على مصر قيادة وشعباً، تحتاج إلى اصطفاف داخلي وخارجي، كما تحتاج قبل كل هذا إرادة حقيقية للخروج من الحصار الأميركي الضارب منذ ما يزيد على أربعين خريفاً.
رئيس تحرير جريدة «العربي» ـ مصر
magdybasyony52 hotmail.com