قصة «قوات سورية الجديدة»!

يوسف المصري

ثمة لعبة مكشوفة تجري في شمال سورية، وقوامها إنشاء ما يُسمّى «قوات سورية الجديدة». الفكرة تركية في الأساس، وهي من مونتاج وإخراج المخابرات التركية. ولدت الفكرة بعد أيام من دخول عاصفة السوخوي في سورية حيّز التطبيق. وتمّ على عجل جمع مجموعات مرتبطة بالسعودية من قبائل سورية سنية، وأخرى على صلة بالاستخبارات الأميركية وقوامها مقاتلون سريان مسيحيون وآخرون أكراد مخروقون من المخابرات القطرية لمصلحة أنقرة.

وتمّ جمع كلّ هذا الشتات في إطار واحد سمّي أولاً «قوات سورية الديمقراطية»، لكن «سي أي آي» تدخلت لتغيير الاسم الذي أصبح في آخر نسخة له بِاسم «قوات سورية الجديدة»، والهدف المتفق عليه والمعلن لهذا الإطار هو مقاتلة «داعش» والجيش العربي السوري في آن معاً، لكن غاية أنقرة من هذا الإطار هو إظهار ثلاثة أمور:

أولاً: الإيحاء بأنه لا يزال هناك إمكانية لدى أنقرة لخلق معارضة مقاتلة معتدلة غير إسلامية متشدّدة.

ثانياً: إنه لا تزال هناك إمكانية لجمع أكثر من طائفة سورية في إطار عسكري واحد ضدّ النظام وضدّ «داعش» على السواء.

ثالثاً: إنه ليس حتمياً الاعتماد على الجيش العربي السوري وقيادته السياسية الوطنية حصراً لقتال الإرهاب في سورية، وإنّ روسيا والمجتمع الدولي يستطيعان الاعتماد على قوى سورية غير إرهابية ومن خارج النظام لقتال «داعش»، ولتكون بديلاً عن الدولة وقوامها المسلحة.

طبعاً اللعبة مكشوفة وهزيلة. وهي تحاكي وضع القوى المضادّة التي تعيش منذ دخول روسيا الحرب ضدّ الإرهاب في سورية حالة من الإرباك والبحث العبثي عن إيجاد وسائل مادية وسياسية وعسكرية تمكّنها من استعادة المبادرة.

السؤال المطروح في كواليس متابعة لما يُسمّى بـ«قوات سورية الجديدة» هو إلى متى تستطيع هذه التجربة الصمود فوق أرض الواقع في الميدان؟

هناك نوع من التأكيد على أنه لن يمرّ وقت طويل قبل أن يكتشف الأميركيون أنّ هذا الإطار مخترَقٌ من «القاعدة» و«داعش» وجملة من الأجهزة الأمنية. وسبب ذلك أنّ الطريقة التي تمّ بها تجميع ما يُسمّى «قوات سورية الجديدة» كانت استخبارية بامتياز، كما أنّ تشكيلها لم يأتِ ليردّ على وقائع سياسية تخدم البحث عن حلّ للأزمة السورية، بل جاءت لتقطع الطريق أو بمعنى أدقّ لتشاكس ميدانياً، الوقائع العسكرية التي بدأت تدفع قدماً بالحلّ السياسي الدولي الجاري الآن في فيينا، والذي لا يمكن فصله كمسار عن روحية المبادئ الجوهرية التي تمثلها عاصفة السوخوي. وهي عديدة وأبرزها شنّ حرب دولية جدية على الإرهاب في سورية وأيضاً نسف كلّ المشاريع التي تريد تقسيم سورية عبر إنشاء خطوط تماس داخل ميدانها مموّلة استخبارياً.

يبقى من المهمّ الإشارة إلى معلومة هامة وهي أنه رغم أنّ الإطار المسمّى بـ«قوات سورية الجديدة» أعلن عنه منذ يومين إلا أنه عملياً أنشئ منذ اليوم الثالث لبدء عاصفة السوخوي. والانتظار نحو شهر لإعلانه كان نتيجة أنّ الأجهزة الاستخبارية التي تشاركت في صناعته تفاوضت بينياً من اجل تقسيم حصص نفوذها داخله، وعليه تمّ تأجيل إطلاق تسميته العلنية لغاية الانتهاء من هذه المفاوضات.

هذا بالإضافة إلى أنّ هذا الإطار يتشكّل حالياً من مئات من المرتزقة المقاتلين، ولكن صيغته النهائية المأمولة تراهن على وصول عدده حتى شهر آذار المقبل إلى أكثر من عشرة آلاف مقاتل.

وبحسب معلومات لـ«البناء» فقد تمّ وضع خطة عمل لهذا الإطار حتى آذار المقبل تقسم إلى ثلاث مراحل:

ــــ الأولى: إعلان تسميته. وهذا ما حصل أول أمس.

ــــ الثانية: تدريب ضباط أركان من بين صفوفه في أنقرة حصراً، وليس في الأردن أو أية دولة أخرى. وضمن هذه المرحلة تتمّ مواكبة هذا الإطار بحملة إعلامية مضخّمة تصوّره أنه يُحرز إنجازات عسكرية معينة بوجه «داعش»، للفت النظر إلى اعتداله المزعوم.

ـــــ الثالثة: نفخ جسده العسكري لغاية عشرة آلاف مقاتل بحلول آذار المقبل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى