داعش كلفة عالية أم تحوّل خطير؟
ناصر قنديل
في مقابلة مع قناة «البلد» المصرية قال القيادي الجهادي نبيل نعيم عن كيفية نشوء تنظيم «داعش» ما يضعها في دائرة المولد المخابراتي الذي صنعه الأميركيون بالمال القطري عن طريق أبو بكر البغدادي، ومما قاله:
«بدأ داعش مع ابراهيم عواد البكري وهو كان معتقلاً في السجون الأميركية في العراق، وخرج في عام 2006 بشكل مفاجئ، إذ إن أميركا في ذلك الوقت لم تكن تفرج عن أحد على الإطلاق، والتقى بأبي مصعب الزرقاوي، وبعد شهر من اللقاء تمّ قصف مقرّ أبي مصعب الزرقاوي ومات.
بعد ذلك أنفق ابراهيم البكري ابو بكر البغدادي ما لا يقلّ عن 30 مليون دولار لتشكيل ميليشيات «داعش» قضى من خلالها على ما يُسمّى تنظيم «القاعدة» في بلاد الرافدين. وكانت المنطقة التي يذهب إليها يقصفها الطيران الأميركي، لذلك تنظيم «القاعدة» يشكّ في مواقف «داعش»، وفي كلّ مرة يتمّ فيها تقارب بينهما كان لا يكتمل، وخرج «داعش» ليقول إنّ أيمن الظواهري هو مجنون لأنّ «القاعدة» تشك بتوجهات «داعش»، إذ تمّ إنفاق الملايين فور خروج البكري من السجن، بالإضافة إلى كمّ السلاح الهائل ووجود 700 عربة دفع رباعي بأيدي «داعش»، وكان التمويل يأتي من قطر ويتمّ التسليح من تركيا.
الهدف من تأسيس «داعش» هو القضاء على تنظيم «القاعدة» في بلاد الرافدين، وبعد إتمام مهمّته هناك طُلب منه التوجه إلى سورية لأنّ الحرب في سورية هي معاقبة أميركية للرئيس السوري بشار الأسد لسماحه بمرور المقاتلين عبر سورية أثناء الاحتلال الأميركي للعراق، فكان المقاتلون يتدرّبون في لبنان من قبل حزب الله ويتوجهون إلى سورية ومن ثم إلى العراق.
فأرسلت أميركا «داعش» و«الجيش الحر» و«النصرة» التي خرجت بأوامر أميركية من العراق إلى تركيا وأنشأوا هناك قواعد وتسلحوا ومن ثم تسللوا إلى سورية، وقامت الاستخبارات القطرية بكلّ هذه الأمور بناء على توجيهات أميركية، حيث أنفقت قطر المليارات على «النصرة» و«داعش» معاً».
السؤال الذي يطرح اليوم هو مدى تشكيل «داعش» فيما تقوم به مجرّد امتداد للقرار الأميركي المخابراتي، أم هو على طريقة ما جرى في أفغانستان تمسكن حتى تمكن وصار جسماً له قدرة وله استقلالية وقادر على المناورة باستخدام علاقاته الإقليمية والدولية وتخديمها، وصولاً إلى تشكيل معادلات جديدة تسمح بفرض روزنامة لا تتعارض مع الرعاة الذين يتحوّلون مع امتلاك أسباب القوة إلى حلفاء يمكن التفاهم معهم على نقاط وسط في منتصف الطريق؟
السؤال التالي إذا صحّت معادلة تغيّر قانون العلاقة من صنيعة وأداة إلى شريك، فماذا يمكن أن يكون نصيب «داعش» من المشروع الأميركي في مقاربة الجغرافيا السياسية للمنطقة؟ وهل دولة «داعش» جزء من هذه الجغرافيا الجديدة والتحالف بين «داعش» و«إسرائيل» وكردستان هو المستقبل السياسي للمواجهات والتناقضات التي ستصاحب التفاوض والتفاهم مع إيران، وضرورات الحفاظ على تهديد وتحدّ لإيران من جهة وخلق متاعب ومعوقات للتمدّد الإيراني نحو المتوسط من جهة أخرى، وتحجيم الدور السعودي والتركي العاجزين عن فرض معادلات جديدة بتكليف أزعر جديد يُحسب له الحساب في المنطقة؟
السؤال المقابل إذا كانت «داعش» لا تزال مجرّد أداة أميركية خالصة بصورة أو بأخرى، ولا تزال حدود الكيانات موضوعاً ثابتاً في القراءة الأميركية لجغرافيا المنطقة، فما هو الثمن الذي ستطلبه واشنطن مقابل رأس «داعش» طالما أنّ المواجهة الحاسمة لإنهاء ما حققته «داعش» بات مشروطاً بعزل «داعش» عن البيئة الحاضنة التي يملك تغطيتها القرار السعودي التركي، فهل رأس المالكي مقابل «داعش» صارت معادلة واقعية؟
التغيير الذي أدخلته «داعش» على المعادلة الإقليمية ليس بسيطاً، والبعد المذهبي المتطرف سيجد فيها تجاوباً مع الطروحات الانفصالية التي تجتاح شرائح واسعة في مناطق التمرّد العراقي التي لا تزال تحت قيادة «داعش»، والرهان على قدرة أميركية سوبرمانية في السيطرة على المتغيّرات لا يبدو واقعياً، فيما الأثمان اللازمة لتفادي الانفصال تبدو مكلفة على حلف المقاومة.