تفليسة أوباما في سورية

غالب قنديل

منذ انطلاق العدوان على سورية أنكرت الرواية الأميركية الغربية وجود الإرهابيين الذين تحدثت عنهم السلطات السورية ووثقت مذابحهم، وبعد افتضاح نشاط الجماعات التكفيرية في سورية ردّد الرئيس الأميركي باراك أوباما وكبار المسؤولين في إدارته نظرية وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون عن دعم «المعارضة المعتدلة»، وتحوّلت تلك المزاعم إلى أسطورة تغطي فصول العدوان الاستعماري على الدولة الوطنية السورية التي واصلت صمودها ومقاومتها للعدوان، كاشفة حقيقة طغيان الإرهاب التكفيري على تشكيلات التمرّد المسلح ومآل الأموال والأسلحة التي أغدقت على مئات الجماعات المسلحة التي تاهت الاستخبارات الغربية في إحصائها إلى الفصائل «القاعدية» ومثيلتها من جماعات الإرهاب «الإخوانية».

فضحت سورية أمام العالم حقيقة الجهود الأميركية والغربية واستخبارات مثلث العدوان التركي القطري السعودي لحشد مقاتلي الفصائل «القاعدية» من واحد وثمانين دولة إلى سورية، بينما دخلت «إسرائيل» مباشرة على خط احتضان الإرهاب التكفيري لاستقطاب العملاء في صفوفه المشحونة بالمرتزقة الذين دربتهم الاستخبارات الأميركية في الأردن، وواصلت إدارة أوباما اجترار أسطورة كلينتون الخائبة عن «معارضة معتدلة»، بينما ردد الرئيس الأميركي عبارة: «لن نرضخ لمبدأ أن في سورية خيارين لا ثالث لهما فإما الأسد أو القاعدة»، وظل يكابر رغم الحوادث المتلاحقة برهنت بالفعل أن ذلك المبدأ يختصر حصيلة الحرب العدوانية التي حسم الشعب العربي السوري موقفه منها بانحيازه الصارخ إلى مشروع الرئيس بشار الأسد في نتائج الانتخابات الرئاسية التي تخطى الإقبال عليها جميع التوقعات.

أمس، قال الرئيس باراك أوباما: «إنّ الفراغ الأمني في منطقة الشرق الأوسط، هو الأمر الذي سمح للجماعات المتطرّفة بالمضي قدما في مناطق مثل العراق وسورية، بغض النظر عمّا اذا كانت الولايات المتحدة قررت العام الفائت دعم القوات المتمردة المعتدلة في سورية أم لا». وخلال مقابلة مع شبكةCBS NEWS أجرتها نورا أودونيل قال الرئيس الأميركي: «فكرة أنّ المعارضة السورية المعتدلة قادرة على هزيمة الرئيس السوري بشار الأسد هي ببساطة غير صحيحة، بل «فانتازيا» إعلامية وكما تعلمون استهلكت وقتاً كبيراً في العمل مع المعارضة السورية المعتدلة»، وأضاف رداً على دعوات مضاعفة جهود التسليح في سورية: «على الأميركيين ووسائل الإعلام معرفة أن إعطاء الأسلحة للجهاديين المتدربين تدريباً جيداً لن يجدي نفعاً…». وبات معلوماً أنّ ما يشغل الإدارة الأميركية وشركاءها راهناً هو خطر ارتداد الإرهاب إلى دول المصدر بعد هزيمته في سورية، وبعدما بات محسوماً لأيّ عاقل أنّ النيل من الرئيس الأسد أمر مستحيل في ظلّ ما يحظى به من تأييد شعبي ومن التفاف حول الدولة الوطنية والجيش العربي السوري.

هذا الوقت الذي استهلكه أوباما في الفانتازيا كان مخصصاً لسفك المزيد من الدماء السورية ولإغداق المزيد من المال والسلاح على جماعات الإرهاب في الميدان السوري، والفانتازيا الإعلامية التي تحدث عنها أوباما شكلت مضمون التبرير السياسي والإعلامي لمواصلة العدوان على الدولة الوطنية التي برهنت بفضل وعي شعبها وقوة جيشها عن أنها قادرة على تحقيق التحوّل النوعي في توازن القوى ضدّ الإرهاب ونجحت عبر سلوكها المعتدل والحكيم وبهويتها الوطنية المقاومة في استرداد آلاف السوريين من مستنقع التمرّد والإرهاب، في ظلّ رعاية الرئيس الأسد مباشرة، لتقدم مسار المصالحة الوطنية بالتوازي مع الحسم العسكري في ميادين القتال لإعادة الأمن في العديد من المناطق المضطربة.

هذه الدولة الوطنية المقاومة التي يستهدفها أوباما وحلف العدوان استطاعت ـن تقدم نموذجها الخاص في هزيمة الإرهاب واستيلاد نهضة شعبية واسعة في مجابهته بعملية مركبة سياسية إعلامية واقتصادية ونضالية وقتالية أظهرت متانة الوحدة الوطنية للشعب الذي تمسك بهوية بلاده وخياراتها الكبرى وبزعامة القائد الذي استعصى على جميع التهديدات والمساومات وقدم نموذجاً فريداً لنهج واقعي وعلمي في التعامل مع أعتى الحروب المركبة وأشدّها تعقيداً.

المعارضة المعتدلة والبناءة موجودة على الأرض السورية وخارجها، وهي وطنية التوجه والالتزام، لكنها خارج نادي عملاء الاستعمار، تقف مع شعبها ومع جيشها الوطني ومع دولتها الوطنية التي تفتح لها منذ بدء الحوادث جميع أبواب الحوار والشراكة في الحياة الوطنية، وهي غير المعارضة التي تحدث عنها أوباما وكلينتون.

كلام باراك أوباما الأخير إعلان صريح لتفليسة العدوان الاستعماري على سورية. والفراغ الأمني الذي تحدث عنه أوباما هو من نتائج ذلك العدوان الذي قاده الأميركيون ودول الناتو مع عملائهم في المنطقة وأشرفوا على إدارة عملياته الميدانية من تركيا ولبنان والأردن بالمال السعودي والقطري وبحلف استخباراتي رصّوا صفوفه في عمان ولندن وباريس.

النتيجة المنطقية لكلام أوباما هي التجاوب مع الفكرة الروسية القائلة بدعم جهود الدولة السورية في مكافحة الإرهاب والرضوخ السياسي لحقيقة الهزيمة القاهرة أمام الرئيس بشار الأسد والانتقال إلى اتخاذ التدابير والإجراءات الملموسة التي تفرض وقف الدعم عن الإرهاب والتخلي عن تلك «الفانتازيا» التي حصدت أرواح آلاف السوريين، فهل يجرؤ أوباما على هذا التحوّل الذي سيقتضي التنسيق مع دمشق وإكراه الرياض والدوحة واسطنبول على التسليم بالتفليسة؟ قال أوباما نصف الحقيقة، فهل يجرؤ على التتمة؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى