حكومة المطامر!

هاني سليمان الحلبي

النفايات ليست قشة لتقصمَ ظهر «البعير» اللبناني، بل جبال ذهب أسود وتيار طاقة كامنة، برسم التشغيل أو التصدير، فمن يشتري موتنا ونبقى فقراء العتمة؟

لم تنفع تحذيرات خبراء البيئة ونشطاء المجتمع المدني المتلاحقة، للإسراع بوضع حل أوليّ قابل لاستكماله بخطة مستديمة لأزمة النفايات، تحمي البيئة وتصون الصحة العامة والسياحة وصورة لبنان واقتصاده!

هكذا استمرت تجاذبات الحبال الطائفية السياسية الحزبية بين القوى المتحكّمة بتحالفاتها الثنائية والثلاثية والرباعية وو، تتراشق اقتراحات المطامر والخطط والأفكار بينها أشهراً عدة، بعد أن خسر لبنان وقتاً ذهبياً قبل إقفال مطمر الناعمة في تموز الماضي ولم يتم اتخاذ أي إجراء بديل، بل بقيت وزارة البيئة واستطراداً الحكومة العتيدة مراهنة على مناقصات حملت أسباب فشلها من الخطة والشروط التي قامت عليها تلك المناقصات والاستنسابية التي شابتها.

وأخيراً، عانت أحياء في بيروت من جحافل إرهاب طائر، جماهير ذباب ملون، وبلا الوان، تقتحم البيوت والمؤسسات بلا استئذان تحتل المكان والفضاء وتحول حياة المواطنين جحيماً ونقمة. كيف «ستتقمّص» النفايات أزمات، لا أحد يدري!!

التراشق بالمطامر وعنجهية المناطق التي ترى كل منطقة أنها ليست مكباً لغيرها، بل مكبّ لأهلها وحدهم لا شركاء لهم، بينما لم تر المكبات العشوائيات التي استضافتها جوانب الطرق في القرى ومداخلها، ألأنها نفايات أهل الضيعة، فيتم الترحيب بها ولو كانت على الصدور، بينما نفايات «الغريب» فممنوعة؟

عزّز هذا التراشق وهذا التسيّب الأهلي فراغٌ حكوميٌ في القرار وفوضى وتفكك الإرادة إلى 24 وزيراً رئيساً. وما يؤسف له أنه لم يكن رئيس الوزراء تمام سلام رئيساً للرؤساء ليحزم القرار ويوجّه آلية حاسمة في معضلة النفايات.

من جهة أخرى، كانت البلديات ضحية التجفيف المالي الحكومي في العصر الحريري السنيوري المتداعية عصوره الجيولوجية ما بعد التاريخ، حتى خلت موازنات البلديات من بقايا الموارد فلا تتعدى مصروف الجيب البلدي. لكن البلديات من وجهة واقعية لم تكن منتخَبة على أساس برامج بيئية ومدنية عصرية، ولا غير عصرية، لأنها بلديات الوزراء والنواب ومفاتيح العائلات وتكتلات أجبابها، فخلت انتخاباتها إلى درجة قصوى من أي برنامج يليق بمترشح لمسؤولية تنموية أهلية كالبلدية. فيأتي الفائزون ممن نالوا الرضا السياسي والطائفي والعائلي. وهم بالتالي غير معنيين بأكثر من رد جميل أصحاب الرضا والفضل بالفوز.

لم تفكر الحكومة الحالية إلا بعقلية طمر، وليس بعقلية معالجة. فكرت بعقلية تصدير وليس بعقلية تنمية. فكرت بعقلية استيراد وليس بعقلية توطين الطاقات. وبعد أشهر من العجز عن إيجاد مطامر لحجج سياسية أو جيولوجية، نجد معامل فشلت ونُكبت شركاتها المؤسسة بسبب قلة النفايات المغذّية لعمل تلك المعامل، منها معمل عكار العتيقة العام 2000.

فعلى سبيل المثال، شكّل مصنع تدوير النفايات المنزلية في بلدة عكار العتيقة نموذجاً للفشل الذريع في إدارة معالجة النفايات بعقلية وطنية وصديقة للبيئة. وكانت أقامت ذلك المعمل شركة «بيوكلين» بالتعاون مع «جمعية الشبان المسيحية» المموّلة من «وكالة التنمية الدولية الأميركية» العام 2000، وبتعاون المجتمع الأهلي، ومساهمة من بلدية عكار العتيقة فيه بنسبة 20 من كلفة المشروع التي فاقت نصف مليون دولار.

كانت تتم معالجة النفايات في هذا المعمل حسب المبادئ الطبيعية والبيولوجية. ولم يتم تشغيل المعمل لأكثر من سنتين، وتم توقفه عن العمل بسبب فقدان الكمية التشغيلية الكافية من النفايات والبالغة 30 طناً من النفايات يومياً، وكان يلزم أن يرفده بهذا «الغذاء» اتحاد بلديات الجومة الذي يضمّ 17 بلدية لتأمين حاجته من النفايات، لتدويرها بكلفة 15 دولاراً للطن الواحد، لكن حينها رفضت البلديات تشغيله بسبب عدم توافر الأموال اللازمة، فاضطرت الشركة المؤسسة للتوقف عن العمل وإغلاق المصنع كاظمة جرحها على خسائر كبيرة. هكذا بمنطق الاستثمار الحديث، النفايات ثروة، مثلاً كل طن كلفة إجمالية لمعالجته 30 دولاراً يمكن أن ينتج أرباحاً 125 دولاراً في الطن، كما يقول خبير عليم. فالنفايات مصدر دائم للمواد الأولية المولّدة للطاقة، مصدر لسماد عضوي بيئي ولمواد عدة مُعادٌ تدويرها، أما العوادم فيتمّ فرمها وتشكيل إسمنت يُباع للبلديات لرصف الأرصفة. هكذا تكون النفايات دورة اقتصادية وميدان فرص عمل وتوليد طاقة وأرباحاً استثمارية مع صفر تلوّث.

ولكن السبب الرئيس وراء فـشل معامل النفايات انعدام الوعي البلدي في البلديات والوعي الحكومي بسبب انتهازية إدارة الشأن العام بعقلية الربح السريع وروحية السمسرة الطائفية والحزبية.

ناشر موقع حرمون

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى