في ذكرى رحيل الختيار … أي خيارٍ أمام أنين القضية وتداعي الدار؟

د. محمد بكر

أحد عشر عاماً مرّت على رحيل أو بالأصحّ استشهاد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات «الختيار» القائد، هذا اللقب الذي لطالما أحبّ الفلسطينيون إطلاقه على رمز قضيتهم ويعسوب وطنهم الفلسطيني، ولا تزال كلماته وما تكاثر في خطابه وما جادت به كوفيته من عوامل وحدة الصف الفلسطيني، لا تزال تعشش في الذاكرة الفلسطينية، تردّدها الأجيال الفلسطينية على مدى تعاقبها يا جبل ما يهزك ريح… سيرفع شبل من أشبالنا العلم الفلسطيني فوق كنائس ومساجد القدس شاء من شاء وأبى من أبى واللي مش عاجبو يشرب من بحر غزة… وكذلك جملته الأجمل في الأمم المتحدة عام 1974: جئتكم أحمل بندقية الثائر في يد، وغصن الزيتون في اليد الأخرى فلا تسقطوا غصن الزيتون من يدي .

أحد عشر عاماً مرّت ولا يزال الأنين يسري في جسد القضية الفلسطينية، وكذلك ما يتكاثر في الساحة العربية من عوامل الاقتتال والتناطح «السيزيفي»، والتي لن تؤسّس إلا إلى تداعي جدران هذه الأمة ونسف عوامل وحدتها واجتماعها إلى كلمة سواء، وتالياً الارتدادات المقيتة لذلك على القضية الفلسطينية التي باتت في «بوز» مدافع التصدّع العربي من جهة، والأسلوب الوحشي الدموي الذي ينتهجه الاحتلال بحق أبناء شعبنا من جهة أخرى.

في الذكرى الحادية عشرة لرحيل أبو عمار يجب التأكيد على أنه مهما كانت انتقاداتنا كفصائل وكتاب ومثقفين للأداء السياسي لياسر عرفات في جوانب ونقاط كثيرة منه، لكن الثابت في التاريخ الفلسطيني والذاكرة الفلسطينية والوجدان الفلسطيني أنه لا خلاف عليه كرمز تاريخي وقائد ذي «كاريزما» خاصة ومميّزة كان لها حضورها على المستوى الدولي والعربي، ولا سيما الفلسطيني، استطاع أن يلملم التناثرات الحاصلة في الصف الفلسطيني، ويبوتق الخلافات إلى حدّ كبير في دائرة ضيقة عصية على التشظي والانفلات اللامحمود، بعكس الحاصل اليوم على الساحة الفلسطينية التي تفتقد حالياً إلى قائد يمتلك الموروث القيادي الجامع الذي كانت تختزنه شخصية ياسر عرفات، ولا سيما بعد «الانجرافات» التي أصابت «التربة الخصبة» لحماس بخاصيتها المقاوِمة والتحوّل الذي طرأ على سياسة ونهج العديد من قياداتها وكوادرها في ظلّ ما سُمّي بـ»الربيع العربي» وما رافقه من نصرةٍ لجماعة وتعصّباً لحزبية أساءت إلى السمعة المقاوِمة، وحرفت البوصلة عن القضية الأم فلسطين، إضافة إلى استمرار السلطة في تمسّكها بالنهج التفاوضي والانسلاخ التدريجي عن منظومة الكفاح المسلح، وتبنّي سياسة المقاومة الشعبية التي لم ولن تؤسّس لحجر واحد في مشروع التحرير، ومضيّها غير المثمر في الانضمام إلى محاكم الجنايات والمرجعيات الدولية والتوجه الذي لا طائل منه نحو المحافل الدولية التي لم تنتصر مطلقاً وعلى مدى عقود للحق الفلسطيني.

ومن هنا كانت دعوة القائد البرغوثي العام الماضي وفي نفس الذكرى إلى إعادة النظر في وظائف السلطة ومهامها وأن تكون مهمتها الأولى هي مساندة ودعم المقاومة الشاملة «أي بما فيها الكفاح المسلح»، وهذا مالم يحدث ولم يتكرّس تطبيقاً فاعلاً وحقيقياً في جدول أعمال السلطة الفلسطينية، الذي جلّ ما تفعله الالتزام التدريجي بحلّ التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني ومدّ أيادي السلام الذي يغتاله «الإسرائيلي» كلّ يوم ألف مرة، وكذلك تفجير القنابل التي لم يسمع الشعب الفلسطيني أيّ صوت حتى الآن، وتالياً فإنّ جلّ الحصاد الفلسطيني بعد سبعة وستين عاماً من الاحتلال رفع العلم الفلسطيني في الأمم المتحدة، وكما كان حصار واغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات قراراً «إسرئيلياً»- أميركياً بهدف إجهاض انتفاضة الأقصى المبارك، فإنّ إطفاء جذوة الهبّة الفلسطينية الحاصلة اليوم ومصادرة الحقوق الفلسطينية وتعميق الخلافات الفلسطينية ـ الفلسطينية لنسف المشروع الوطني الفلسطيني سيبقى في أولويات الاستراتيجية «الإسرائيلية» الأميركية، وللأسف بمباركة عربية.

إنّ قضيتنا الفلسطينية قضية عادلة بكلّ حيثياتها وصورها، وكان أبناؤها ولا يزالون أصحاب الأرض التي لا تحتمل مزيداً من «الدفاع الفاشل»، وعليه فلتصونوا الذكرى والإرث «العرفاتي»، ولتنتصروا لأنين أمنا فلسطين وتنسفوا كلّ عوامل التداعي والانقسام المقيت، وإلا فلتتنحّوا جانباً، فالساحة ملأى بالمدافعين الناجحين الذين يعرفون ويجيدون معركة الدفاع عن الغصن الأخضر واستمرار زغردة البارود.

كاتب فلسطيني مقيم في سورية

mbkr83 hotmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى