السعودية وسياسة تبرير التدخلات

حميدي العبدالله

عندما اندلعت الأزمة في سورية في ربيع عام 2011 تدخلت المملكة السعودية في الشأن الداخلي السوري وقدمت الدعم المالي والسياسي والعسكري إلى الجماعات المسلحة المعارضة، بصنوفها كافة، بما في ذلك الجماعات الإرهابية والتكفيرية.

برّرت حكومة المملكة هذا التدخل بحجة الدفاع عن حقوق الشعب السوري وتطلعاته لإقامة دولة ديمقراطية تسودها الحرية ويحصل فيها المواطنون وفئات المجتمع على حقوقهم بعدل ومساواة.

هذه التبريرات طرحت منذ البداية سؤالاً عن صحة دوافع المملكة السعودية: لو كانت قيم الديمقراطية والحرية والمساواة هي قيم سامية وتعشقها الشعوب، وبينها الشعب السوري، فلماذا لا تطبق هذه القيم داخل السعودية؟

كان جواب المسؤولين السعوديين عن هذا السؤال وكذلك النخبة الأكاديمية والإعلامية السعودية أنّ الشعب السعودي راضٍ عن الأوضاع فيها ولم يتحرّك لنيل أو المطالبة بهذه الحقوق، وهذه الحجة تتعارض تماماً مع تحركات النساء في السعودية لنيل حقوقهن في المساواة وقيادة السيارات على الأقل، كما تتعارض مع حق المواطنين في التظاهر والتجمع، وعندما حاول بعضهم القيام بذلك صدرت فتاوى تحرّم التظاهر، وغالباً ما يردد المدافعون عن سياسات الحكومة قولاً مفاده أن للشعب وللدولة في السعودية خصوصية! لكن ما هي هذه الخصوصية؟ أليس أبناء المملكة جزءاً من الشعب العربي وينطبق عليهم ما ينطبق على هذا الشعب في الأقطار الأخرى لجهة حقوقهم السياسية وأن يكون هناك دستور، وحق في تشكيل الأحزاب والنقابات والتظاهر على غرار ما يحصل في دول ملكية مثل الأردن؟!

ثم من قال إن سبب تضامن السعودية مع الشعب في سورية هو أن هذا الشعب «ثار» ولم «يسكت» على «الظلم» ومصادرة الحقوق، فالشعب البحريني أيضاً ثار على الظلم وطالب بحقوقه العادلة، فلماذا لم يكن موقف السعودية من ثورته مماثلاً لموقفها من التحرّكات التي شهدتها سورية؟

إذا كان المقصود بالخصوصية اعتماد النهج الإسلامي، فدول مثل إيران تعتمد هذا النهج، وهناك حكومات في باكستان ودول إسلامية أخرى تتبنّى النهج الإسلامي، لكن ذلك لم يمنع من أن يكون لديها دستور، كما أنها لم تحرّم تشكيل النقابات والأحزاب، أو تمنع النساء من قيادة السيارات، أو تحرّم التظاهر.

لدى انتشار «داعش» في محافظات عراقية خارج الأنبار وقفت حكومة المملكة السعودية ضد حكومة المالكي، وادعت أن هناك سياسة تمييز وتهميش إزاء الطائفة السنية، فعلى افتراض أن ذلك صحيحٌ في العراق، أي أن هناك سياسة تهميش لأتباع المذهب السني في بلاد الرافدين من قبل حكومة نوري المالكي، فما هي سياسة حكومة المملكة حيال مكوّنات مجتمعها؟ هل حققت العدالة؟ وما هو عدد المناصب الرفيعة في الحكومة وفي مواقع الدولة الأخرى الذي يشغله أتباع المذهب الشيعي في المملكة الذين يمثلون الغالبية في المنطقة الشرقية من السعودية؟

واضح أن حكومة السعودية، شأنها شأن حلفائها في الغرب، تعتمد سياسة الكيل بمكيالين، لكن هذه السياسة لا يمكنها أن تتحوّل إلى نهج يؤثر في مجريات الواقع لمجانبتها للحقيقة واستنادها إلى المصالح الخاصة على حساب مصالح الآخرين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى