من يحمي الأمّة من «دواعشها»؟!
د. سلوى الخليل الأمين
بعدما رتّبت الولايات المتحدة الأميركية ومن معها من عملاء وحلفاء
الحرب ضدّ سورية عبر مؤامرة كونيّة استعملت فيها مختلف الأساليب الشيطانية المدمّرة، ارتدّت إلى العراق عبر فتح الطريق لمنظمة «داعش» الإرهابية كي تستبيح منطقة الموصل في العراق وتقيم دولتها التكفيرية، على طريقة «من ليس معنا فهو ضدنا»، وإنْ تكن شعارات «الحرية» و«الديمقرايطية المفخخة»، والتي صُدّرت من أميركا هي الناموس الأعظم لما سُمّي خطأ وعن سابق تصوّر وتصميم «ثورات الربيع العربي».
ليس غريباً أن تكون الولايات المتحدة الأميركية المتورّطة في الحرب الكونيّة ضدّ سورية، ومن خلفها الصهيونية العالمية وحلفاؤها في دول الخليج، المحرّك الأساس لجميع الخطط الجهنمية الآيلة إلى شرذمة العراق وتقسيمه، عبر منهجية استعمارية شعارها الفوضى الخلاقة الهادفة إلى زرع بذور التطرّف الدينيّ والتكفيريّ باسم الإسلام، وعبر اللعب على هيكليات الطائفية والمذهبية المؤدية حتماً إلى تطيير الشرارات الحارقة في اللحظة المناسبة المهيّأة سلفاً، خاصة في الدول ذات التعديدية العرقية والأتنية.
مما لا ريب فيه أنّ ثمة من أعطى الضوء الأخضر، بعد الفشل في سورية، للانقضاض على العراق ثم تطويق إيران بدءاً من إحداث الفراغ الرئاسي في لبنان وصولاً إلى سورية فالعراق، عبر مخطط أقلّ ما يقال فيه إنه قصير النظر. إذ كيف يمكن للقارئ والمراقب أن يستمع إلى ما قاله الرئيس الأميركي باراك أوباما أخيراً عن عدم تدخله في العراق ثم قوله: «علينا أن نساعد العراقيين للقضاء على الإرهاب، وإنّ اختيار المسؤولين العراقيين لا يعود إلينا»، وقد فعل عكس ذلك في سورية، إذ راهن وحكومته منذ البدء على إسقاط الرئيس بشار الأسد وتفتيت سورية، وسمح بفتح الحدود الأردنية والتركية واللبنانية لإدخال العصابات الإرهابية من «النصرة» و«داعش»، وإمرار السلاح والمال تحت غطاء مساعدة «الثورة السورية» المفبركة.
إنّ الولايات المتحدة الأميركية لا تستطيع إخفاء جرائمها لا في سورية ولا في لبنان ولا في ليبيا ولا في تونس وحتى في مصر حيث أيّدت علناً جماعة «الإخوان المسلمين» سابقاً، وأيضاً مساهمتها في تقسيم السودان، وحالياً إدخال «داعش» إلى العراق لتنفيذ مخططها بتقسيمه ثلاث دول شيعية وسنية وكردية، ومن ثم التنصّل من المسؤولية على مألوفها! علماً انّ الأمور باتت مكشوفة، حتى في صحفهم وبين كتّابهم الذين يصفون سياسة بلدهم بالحمقاء، إذ يعلمون أنّ من خطّط ونظّم وحرّك المسار «القاعدي» الإرهابي في أفغانستان وباكستان، وبعدهما في اليمن، وحالياً «الداعشي» التكفيري في سورية والعراق، إنما هي السياسة الأميركية التي هي فعلاً حمقاء، إذ لم تسعَ إلى وضع دراسة منهجية متخصّصة تكشف لها خصوصيات الشعوب ومدى وعيها وإدراكها شعارات الحرية و«الديمقراطية» الملتبسة، الهادفة إلى تفتيت الدول وتقسيمها وإدخالها في البؤر الدينية والمذهبية التي قد تطول إلى ما لا يُحمد عُقباه، خاصة في منطقة الشرق الأوسط المتخمة بثرواتها النفطية والغازية والبشرية والتعدّدية الدينية.
انتشرت جماعة «داعش» الإرهابية وهي جزء لا يتجزأ من تنظيم «القاعدة»، في كلّ من العراق وسورية، خاصة بعد البشارة التي حملها الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى شعبه، ومفادها قتل زعيمها أسامه بن لادن، وبالتالي القضاء على إرهاب «القاعدة»، ما يؤكد أنّ جماعات «القاعدة» الإرهابية ما زالت أقوى، والقضاء على بن لادن لم ينه المجموعات الإرهابية، وما بشّر به الرئيس الأميركي لم يكن سوى وهم وخداع وقصر نظر، والدليل أنّ «الدواعش» اليوم هم الأعراب الحلفاء للولايات المتحدة الأميركية الذين يغذّون الإرهاب بموارد ثرواتهم النفطية والغازية، تحت أنظار رجال الاستخبارات الأميركية و«الإسرائيلية» الذين اتخذوا من الأردن وتركيا مقرّاً ومستقرّاً لهم لتنفيذ مشروع الفوضى الخلاقة الذي مهّد له عهد الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش، والآيل إلى تقسيم منطقة الشرق الأوسط بدءاً من لبنان وسورية والعراق وصولاً إلى إيران، دولاً إتنية وعرقية متناحرة. لذلك فإنّ حرب «داعش» في العراق ليست سوى تكملة للمؤامرة التي سيقت ضدّ دولة الصمود والتصدي سورية، وتهدف مجدداً إلى قذف الكرة في ملعب «دواعش» العرب المنقسمين إلى أفرقاء وحلفاء يتكل عليهم في تنفيذ المخطط الجهنمي الخلاق.
إنّ الانقضاض على منطقة الموصل في العراق، المحاذية للحدود السورية وللمنطقة الكردية كان عملاً محسوباً بدقة. وغايته استنفار العصبيات الدينية لدى شيوخ العشائر والقبائل واستنفار مؤيدي الرئيس صدام حسين واكتشاف دور عزّت الدوري الذي يتلطى اليوم بالنقشبندية، بعدما كان من أركان حزب البعث الحاكم في العراق، ومن مساعدي الرئيس الأقوياء إبان فترة حكم حزب البعث للعراق. لكن المفاجئ هو الترابط المعلن بين ما يؤمن به البعثيون العراقيون وفي مقدّمهم الدوري، وما يؤمن به «الداعشيون» التكفيريون الإرهابيون الذين أخذت فتاواهم البعيدة تماماً عن الإسلام تفعل فعلها في الموصل.
الواضح أنّ ما يحصل في العراق اليوم بات واضح المعالم والأهداف، وأثبته بالكلام الصريح الرئيس الأميركي باراك أوباما أخيراً إذ قال إنّ بلاده مستعدة للقيام بعمل عسكري محدّد الهدف وواضح في العراق في حال تطلب الأمر ذلك، مشيراً إلى إرسال 300 خبير عسكري للبحث في كيفية تدريب القوات العراقية وتجهيزها، مضيفاً أنّ القوات العراقية لن تعود إلى القتال في العراق، وأنّ من مصلحة الأمن القومي الأميركي ألا تحدث حرب أهلية في العراق.
هذا الكلام لا يمكن أن يتبنّاه سياسي عاقل اختبر المسارات الأميركية التي تمدّ العصا والجزرة وتلوّح بهما إزاء المستجدات في بلاد المشرق العربي، إذ تدعو إلى الحذر والريبة والخوف مما قد ينتج من تلاق بين سورية والعراق الحليفين لإيران، المجاهرتين بعدائهما المطلق لـ«إسرائيل»، وبدعمهما الكامل والفاعل لكلّ مقاومة وطنية ضدّ المحتل الصهيوني، والمتفقين حكماً على عودة الفلسطينين إلى بلدهم مهما كان الثمن.
المراهنات الغبية تظهر مجدّداً في الكواليس الأميركية على تسجيل النقاط بعد الفشل في سورية، حتى لو أدّى ذلك إلى غض النظر عن دعم المجموعات الإرهابية واختراق «داعش» للعراق، إضافة إلى الدفع بالسعودية إلى التعاون مع مصر بغية تطويق مسارها الوطني عبر عملية التفاف تترجم بتقديم الدعم المالي المكثف لإنقاذها من ورطتها الاقتصادية، خوفاً من استعادة مصر دورها الوطني والقومي والتحاقها مجدّداً بحركة النضال والجهاد ضدّ «إسرائيل»، والتعاون الفاعل مستقبلاً مع سورية والعراق والحليفة إيران. لكن يبقى السؤال الأهمّ بعد كل ما شاهدناه وقرأناه حول ممارسة عصابات «داعش» في سورية والعراق وشرائعهم الإسلامية التكفيرية المحنطة، وحول ما استجد البارحة من تفجير الوضع الأمني في لبنان وسقوط رجالات في قوى الأمن الداخلي والأمن العام ضحيّته، بالإضافة إلى العديد من الجرحى: من يحمي هذا الوطن بل هذه الأمة من «دواعشها» الجهلة؟