الهلال السوريّ الخصيب بين «هلال شيعيّ» و«بدر وهابيّ»!!

محمد ح. الحاج

حُلُم آل سعود بالسيطرة على سورية الطبيعية ليس جديداً، فقد سجلوا غزوهم الأول في نهايات القرن الثامن عشر ووصلوا إلى مشارف دمشق من الجنوب عبر الأردن، ومشارف حمص من الشرق عبر العراق، وبناء على طلب الباب العالي أرسل محمد علي باشا حملته الأولى بقيادة ابنه طولون في نهاية ذاك القرن ومطلع التاسع عشر، ثم قاد الحملة ابنه ابراهيم باشا ودُحرت الوهابية السعودية عن بلاد الشام عام 1813، وبدأ انحسارها حتى عادت إلى حجمها الأول قبل منتصف القرن التاسع عشر 1833 فحكمت الدرعية وجوارها.

عام 1733، وبعدما وجد ابن سعود وعائلته في محمد بن عبد الوهاب ضالتهم المنشودة لتحقيق التوسع وغزو القبائل بناء على فتاواه، هو الذي كان مدفوعاً بتطرّف أعمى تقوده ماسونية البريطاني هيمفر لتحقيق غايات بريطانيا البعيدة المرمى، أسّسوا لقيام حكمهم على أشلاء أبناء مناطق نجد والحجاز وتهامة وعسير وغيرها، ومن المرجح أنهم يلتقون في جذورهم مع الدونما التركية التي لم تكن وصلت إلى سدة الباب العالي، وقد عملوا مع بريطانيا لتأليب أشراف الحجاز على خلافة العثمانيين الأتراك ومحاربتهم وطردهم من بلاد الشام، وكان اتفاقهم السري مع بريطانيا أن يسيطروا على بلاد نجد والحجاز وتوابعها بعد خروج الشريف حسين وجيشه، وهكذا أعملوا سيوفهم وأسلحتهم التي شحنتها لهم بريطانيا عبر الكويت وارتكبوا مجازرهم التاريخية في حق آل الرشيد وبقية أشراف بني هاشم والحجازيين قبل نهاية العقد الثاني ومطلع العقد الثالث من القرن العشرين فبسطوا سيطرتهم وحكموا على الشريف وأحفاده بالنفي، فأرضت بريطانيا هؤلاء بإمارات وممالك اقتطعتها بموجب اتفاقية «سايكس ـ بيكو» شرق الأردن والشام، والعراق ولبنان وفرضت عليها التجزئة لتهب اليهود فلسطين «أرض الميعاد».

بريطانيا التي أوجدت آل سعود ورسخت أقدامهم على امتداد جزيرة العرب بعد الحرب العالمية الأولى، أفل نجمها وأصبحت تدور في فلك الولايات المتحدة الأميركية التي تسلمت راية الإمبريالية العالمية، وما أن أعلن آل سعود مملكتهم حتى كانت الولايات المتحدة أول من اعترف بهم عام 1935، وتلت ذلك الاتفاقات السرية التي عقدها ملكهم مع الرئيس الأميركي على ظهر طرّاد وأهمّها التعهد بحمايتهم وتعهدهم بحماية «اليهود المساكين» حتى تأتي الساعة، وهي الاتفاقية التي تلزم كلّ ملك جديد باحترامها والتوقيع على ملاحقها وإلا فإن مصيره محتوم، وما رتب عليهم العمل الدؤوب لضرب الأنظمة العربية التي تعمل لتحرير فلسطين وعودة الحقوق الوطنية إلى شعب الجزء المحتل من سورية الطبيعية، وشكلوا أهم حامية لاتفاقية «سايكس بيكو» لنحو قرن من الزمن، وكانت محاولتهم نشر المذهب الوهابي في أربعينات القرن الفائت دافعهم إلى التحالف مع تنظيم «الإخوان المسلمين» في مصر والشام وتمويلهم وإمدادهم بكل ما يحتاجونه لإقامة تنظيم عسكري سري استخدموه بتوجيهات من دول الغرب والماسونية العالمية، وظهر ذلك جليّاً وواضحاً بعد ثورة تموز في مصر. أما هزيمتهم في اليمن على يد المشير السلال والجيش المصري فشكلت الدافع الرئيس للاستنجاد بالرئيس الأميركي جونسون ومطالبته بدفع الكيان الصهيوني لضرب الجيش المصري واحتلال سيناء « كي لا يرفع جندي مصري رأسه شرق قناة السويس» بحسب ما جاء في الرسالة التي وجهها الملك فيصل، وورد فيها أيضاً أن «مصر هي عدونا الأكبر، وإن استمر يحرض ويدعم الأعداء عسكرياً وإعلامياً فإن مملكتنا لن تبقى قائمة بعد العام 1970…»، والرسالة مؤرخة في الخامس عشر من رمضان للعام 1386 هجرية الموافق 26/12/1966م وتعهد فيها بدفع نفقات وتعويضات وخسائر الجيش الصهيوني.

الرسالة التي وردت بناء على نصيحة الخبير كيم روزفلت المقيم في مملكة آل سعود وحملت الرقم /42/ في تسلسل وثائق مجلس الوزراء السعودي نشرتها الخارجية الأميركية بعد مضيّ 25 عاماً تضمنت مطالبة الكيان الصهيوني بعدم استثناء سورية ليتم احتلال جزء من أراضيها وضرب جيشها كي لا تسد الفراغ الناجم عن انحسار النفوذ المصري، وكذلك توصية بدعم مصطفى البرزاني في الشمال العراقي منعاً لتمدّد دعاوة القومية العربية جنوباً فتصل إلى المملكة، واعتراف صريح بأن المملكة تقدم إلى البرزاني دعماً عبر أكثر من جهة دولية خاصة تركيا. وهكذا كان عدوان حزيران 1967 وخسارة ما تبقى من أرض فلسطين وأجزاء من بلاد الشام سيناء والجولان وسواهما .

في ثلاثينات القرن الفائت سادت في أجواء بلاد الشام دعاوة واسعة لابن سعود، نبه إليها مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي سعادة وأعلن أنها تشير إلى أطماع سعودية في السيطرة على سورية الطبيعية، ولم تنجح تلك الدعاوة إلاّ على نطاق ضيّق، لكنها أسست لبعض الخلايا رغم التحالف مع «الإخوان المسلمين» إذ لم يكونوا مقبولين في الشارع السوري، خاصة في مصر والعالم العربي عامة، بعدما عرف الرأي العام نشأتهم المشبوهة وعمالتهم لبريطانيا والغرب وأنهم أدوات تستخدم لضرب المصالح والحكومات الوطنية، وبما أن الدولة الإيرانية بزعامة الشاه محمد رضا بهلوي كانت تدور في الفلك الأميركي والغربي وتشكل حليفا للكيان الصهيوني فإنها كانت الحليف الأقرب إلى آل سعود ولم تكن آنذاك «شيعية مجوسية» وكانت أقرب إلى نظام آل سعود من الدولة التركية العلمانية، رغم أنها الجناح الآخر الحليف للكيان الصهيوني. أما أسس التحالف فكانت سياسية لا دينية بسبب التبعية عينها للغرب.

العداء السعودي للدولة الإيرانية اليوم لم يتأسس على خلاف محلي أو بسبب عدوان إيراني على المصالح السعودية إلا أن تكون هذه المصالح متماهية مع مصالح الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، إيران في الزمن الحالي وبعد ثورتها وقفت إلى جانب الحق العربي في فلسطين لتحريرها واستعادة المقدسات التي يدعي ملك آل سعود حمايتها، أما التقارب والتحالف السعوديان مع الأتراك فتطورا إلى تحالف استراتيجي عنوانه العداء لسورية والمقاومة ضد العدو الصهيوني، خاصة بعد وصول حزب العدالة الأصولي إلى حكم تركيا ومحاولة تمثيل دور تركي مدافع عن فلسطين. إلا أن حقيقته انكشفت وظهر تحالف تركي صهيوني جوهره التغطية على تصفية القضية الفلسطينية وقيام دولة يهودية على كامل التراب الفلسطيني، ولأن هذا ما تتبناه الإدارات الأميركية المتعاقبة فإن السلطة السعودية ملزمة بالتنفيد ووجدت وسيلتها الوحيدة استخدام الدين والمذاهب واستثمار ذلك في الحرب على سورية وموقفها من المقاومة والقضية الفلسطينية والتحريض على إيران، بل مطالبة العالم بشن العدوان على الدولتين معاً، ويؤكد ذلك ما تسرب من المصادر الصهيونية حول موافقة المملكة على فتح أجوائها في وجه طيران العدو وتسهيل مهمته في الهجوم على إيران واستخدام «الأواكس» السعودية المشغلة أميركياً في هذا العدوان للتوجيه والتشويش. ولأن الإدارة الأميركية مع تابعها الصهيوني توصلاً إلى نتيجة تفيد بأن العدوان لن يحقق سوى الفشل وأن الخسارة ستكون في الكفة الراجحة، ولأن العدو الصهيوني لن يحتمل أي خسارة، اكتفى الطرفان بالتهديد من دون التنفيذ، ولم يرض ذلك آل سعود فاستمروا في مكابرتهم والرهان على دعم المجموعات الإرهابية في ساحات بلاد الشام سورية والعراق ولبنان وهم يمتطون صهوة وحش خرج من كهوف التاريخ لن يلبث في مرحلة لاحقة أن يستدير نحوهم ويلتهمهم مثلما يفعل أي وحش يخرج على السيطرة، وهو خارج حتماً بعد بلوغه مرحلة النمو الكامل والانفلات من العقال، ويبدو أن الغرب أدرك هذه المعادلة وبات يتخبط في مواقفه التي تسودها حالة ارتباك غير مسبوق، وها أوباما يعترف علناً بأن ما يحصل لن يدفع بالرئيس السوري إلى السقوط، وبأن ذلك مجرد حلم صعب المنال مع وجود عدد هائل من التنظيمات المتصارعة وأن ليس بينها تنظيم معتدل، كما أن نار الإرهاب الناشبة في العراق ستطول المصالح الأميركية وهي ذاتها نار الحريق السوري الذي تنفخ فيها السعودية وتركيا ومعهما قطر ودول أخرى انساقت مع حلم لا يمكن أن يتحقق. اليوم يتلمس الجميع رؤوسهم، بينما يرفع الرئيس السوري رأسه عالياً مستنداً إلى دعم شعبي غير مسبوق على الساحة السورية وحتى ضمن ساحاتهم، إضافة إلى دعم دولي واسع، ما سيضطرهم إلى طأطأة ذليلة في القريب العاجل.

حلم آل سعود أكبر منهم بكثير. سورية عبر التاريخ حكمت نصف العالم، ومنها انطلقت الرسالات والحضارات، ولم يتمكن عمالقة القادة وحكام الإمبراطوريات من السيطرة عليها أو إخضاعها أو حتى الاستمرار في استقطابها. سورية العصية على الخضوع ستبقى شوكة في حلق آل سعود الذين ينتظرون زوالهم… إذ لن تستمرّ الحماية الأميركية إلى الأبد، ولن تستمرّ غفلة الشعب العربي في بلاد نجد والحجاز… وإنّا لمنتظرون.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى