صرخة في وجه الظلام والتخلّف

أبو بكر صالح ـ عدن

تحتلّ الأوهام في الذاكرة «الجمعية العربية» مكانة كبيرة تكاد تتجاوز مكانة الدين نفسه الذي يستحوذ على مشاعر السواد الأعظم من هذه الأمة، وغالباً ما تواكب تلك الأوهام مبررات يتم تسخير الدين لأجلها وعدم رفض سلبيّتها لتناقضها الواضح معه! أو فضحها وتعرية جوهرها.

يغرق العامة في تلك الأوهام بصور مختلفة وكلّها تجيز المبرّرات على ذلك كي لا تجد نفسها في مواجهة مع الدين مباشرة قد تصل الى صدامٍ من نوع معين لا يُلجم جماحه بالضرورة أو يُصعّد الخطاب المتطرف في وجهه، إنما تحوله الى سياق آخر يخفي الصورة الحقيقية لها.

ويظهر بوضوح أسلوب التلاعب والتحريف من قبل الأمة بمفهوم الشرك بالله ليتحوّل إما الى قضاء وقدر إلهي أو الى نزق شيطاني أو الى ذنب لم يتم معه الحساب أو ابتلاء أو مصيبة أو لعنة إلخ من مفاهيم ومصطلحات عرب الزمان الذين يحوّلون الإخفاق والفشل الى قضاء وقدر تحت زعم عسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله لكم فيه خير أو العكس، وتارة أخرى الى ابتلاء! أو عقاب! إلخ…

لم أفكر حقاً في خوض حديث في موضوع كهذا البتة، لكن ما رأيته من انتشار كثيف وجنوني لا مبرر له من حيث المنطق أو صوت العقل هي تلك الكثرة من القنوات الفضائية المتلبّسة بالدين تملقاً وكذباً وبأسلوب انتهازي صرف بحثاً عن جني الكثير من الأرباح المالية والاستخفاف بالعقول والضمائر والضحك على ذقون الأمة! فتجد قناة «الرؤية» أو «الرؤيا» أو «تأويل» وسواها تستكشف مجهول المرء وتفسر أحلامه ورؤياه! أو تبشره، أو تنفره، أو تخيفه، كلٌ بحسب الحلم وتفسيره، ورحم الله علاّمة علم النفس سيغموند فرويد وفضحه حقيقة نفوسنا ونوازعها الغرائزية والشهوانية الحيوانية!

ما يثير الحنق وتملك الغضب على الأعصاب ذلك الرضاء الأعمى من قبل السواد الأعظم من هذه الأمّة التي لم تبقَ أمّة بمعنى الكلمة بل «مسخرة» بامتياز… وتصديقها تلك الترهات أو البدع التي يأبى الناس أن ينعتوها بها، وإن صدقت، لأنها ستوقظهم من أوهامهم التافهة وتصدمهم بحقيقتهم المرة وتفضح جميع عوراتهم المكشوفة التي تدل على مدى حمقهم وتخلفهم وسقوطهم المذلّ المخزي! وعلى انحطاطهم والمستوى العفن الذي وصلوا إليه في خضم سباق محموم في جميع ميادين العلم والمعرفة والاكتشافات الباهرة التي وصلت إليها الامم المتقدمة، ناهيك عن القفزات المتسارعة التي حدثت في مختلف العلوم الإنسانية، ولم يكتفوا بعدم اللحاق بقطار العلم والنهضة والتقدم فحسب بل ارتضوا أن يكونوا خارج التاريخ لا كما يزعم البعض أو يدعي أنهم داخله؟

عند المواجهة الحاسمة تحت سؤال: ماذا قدم العرب والمسلمون اليوم؟ نجد من الصعوبة بمكان أن نذكر أمراً واحداً أو كشفاً واحداً أو اختراعاً واحداً، فيما تهرول الأمة للهرب من تلك الحقيقة لتبدع في خلق المبررات والادعاءات المفلسة أصلاً كي تصل الى أغبى حماقة تتغنى بها وتترحم على ذاتها بصورة إسقاطية من منطق علم النفس أن هؤلاء، وتعني الغرب والشرق المتقدم، هم في الأساس سخرهم الله لنا!؟ وأن ما يصنعون ويبتكرون كلّه مسخر لنا من الله؟ منطق وضيع وعجيب ومقرف ومقزز لا يبعث على الفخر والاعتزاز مثلما يحاولون أن يوحوا؟

لم أجد عذراً لتلك التصورات السخيفة والتافهة بعدما حاولت أن أبتكر مبرراً يخفف وطأة الفشل والإخفاق، غير أنني لم أجد مناصاً من إيجاد مبرر لظهور «دواعش» العصر وتكفيريي الزمان، ففي قواميس هذه الأمة لا وجود لثقافة الاعتراف ومكاشفة الذات ومحاسبتها، إلخ.

هل نرى في زمن «الدواعش»، وهابية العصر، انبلاج عصر محاسبة الذات ومكاشفتها والانتصار لمنطق العقل والحكمة على مدى التخلف الذي لحق بنا اليوم؟

سؤال تكفل الأيام المقبلة كشف حقيقته فلا خير في «دواعش» الموت والقتل وجهاد النكاح! ولا خير في أعراب الخيام وهم يواكبون ركب التقدم الحضاري كأغنام لا هم لها إلا أكل الأعشاب وارتداء أحدث صرعات الموضة بلا وعي، و»امتطاء» السيارات والطائرات، ليس بعرق جهدهم أو نبوغ عقولهم مثلما يتوهم البعض، لكن من إبداع عقول غيرهم من أبناء الإنسانية العباقرة؟ ولا ضير طالما أنهم ممن سخرهم الله لخدمتهم!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى