دمشق ومفتاح الكرملين
محمد حمية
حرك التدخل العسكري الروسي في سورية المياه الراكدة على المستويين العسكري والسياسي، فروسيا أمهلت ولم تهمل، السياسة والتصريحات الأميركية حيال سورية التي سبقت التدخل الروسي سرّعت قرار روسيا الدخول العسكري المباشر على خط الحرب السورية، فقد قال الرئيس باراك أوباما بأنّ التحالف الدولي يحتاج الى خمس سنوات لإنهاء تنظيم «داعش» فيما زاد وزير الدفاع آشتون كارتر المدة إلى 10 سنوات، بينما ذهب مسؤولون أميركييون آخرون الى حدّ الـ 30 سنة، ما يعني أنّ موسكو أدركت أنّ صومالاً جديدة ستشهدها سورية والمنطقة برمّتها.
فهل ستحقق روسيا ما عجزت عنه أميركا وتحالفها؟
يؤكد مصدر عسكري لـ»البناء» أنّ الضربات الجوية الروسية وفي أقلّ من شهر ونصف الشهر حققت إنجازات ميدانية هامة، فقد دمّرت أهدافاً للتنظيمات الإرهابية فاقت بأضعاف أهمية الأهداف التي ضربها التحالف خلال عام ونصف العام.
ويعدّد المصدر العسكري الأهداف التي حققتها روسيا بعد تدخلها في سورية، ويوضح أنّ الهدف الأول هو إسقاط «المنطقة العازلة» التي سعت تركيا لإنشائها منذ أربع سنوات حيث اقتنعت بأن لا إمكان لإقامتها بعد التدخل الروسي، أما الثاني بحسب المصدر فهو سقوط احتمال الدخول العسكري التركي المباشر الى سورية، لأنّ أيّ عمل عسكري مشترك بين القوات التركية وحلف «الناتو» سيصطدم بالقوات الروسية، أما ثالث الأهداف بحسب المصدر، هو أنّ الحظر الجوي الروسي في سورية قلّم أظافر «إسرائيل» وحال دون أيّ عدوان عسكري «إسرائيلي» على سورية، أما رئيس الحكومة «الإسرائيلية» بنيامين نتنياهو فتلقف الرسالة الروسية خلال لقائه الرئيس فلاديمير بوتين الذي أبلغه بأن لا أحد سيهدّد الأمن «الإسرائيلي» من سورية لكن على السلاح الجوي «الإسرائيلي» أن يوقف التحليق في الأجواء السورية كي لا تعترضه الطائرات الروسية. أما رابع الأهداف فهو حماية العاصمة السورية دمشق من خطر هجمات المجموعات الإرهابية.
لكن هل يعني ذلك أنّ القضاء على التنظيمات الإرهابية في سورية بات قريباً؟ وبالتالي إنهاء الحرب على سورية وإطلاق الحلّ السياسي؟
يبدو من خلال عمل التحالف الدولي منذ عام ونصف العام أنّ القرار الأميركي ليس القضاء على «داعش» بل احتوائها ورسم خطوط حمراء لها واستثمارها لاحقاً، حيث تدخلت الولايات المتحدة عسكرياً عند اقتراب التنظيم من حدود إقليم كردستان في العراق لحماية مصالحها الاقتصادية والتجارية، بينما لم تتدخل عند هجوم التنظيم على مدينة عين عرب السورية «كوباني».
أعلنت تركيا حليفة أميركا منذ أشهر أنها ستحارب «داعش» فيما هي الداعم الأول له، وهي اليوم تحت ستار الحرب عليه تقوم بقصف مواقع حزب العمال الكردستاني بمئات الغارات الجوية، بينما لا تطلق سوى غارة خلّبية على «التنظيم» وتبرّر ذلك بأنها لا تستطيع السيطرة على كامل حدودها مع سورية والتي تبلغ 800 كلم، لكنها بذلك تقوم بابتزاز أميركا للحصول على مساعدات عسكرية إضافية، بينما الواقع هو أنّ «داعش» لا يمكنه الدخول الى سورية من الحدود التي يسيطر عليها الأكراد والممتدّة من القامشلي حتى «كوباني»، ما يعني أنّ مقاتلي التنظيم يدخلون عبر المنطقة التي تسيطر عليها تركيا، الممتدّة من أعزاز وصولاً الى الساحل السوري.
ويرى مصدر عسكري سابق زار دولة أوروبية منذ أيام لـ»البناء»، أنّ الغرب لا سيما الأوروبي، أدرك في وقت متأخر أنّ الإرهاب الذي دعمه في المنطقة وصل اليه، وهذا أحد أسباب تغيّر الموقف الأوروبي من سورية خصوصاً بعد الدخول العسكري الروسي الى سورية، ويبدي اعتقاده بأنّ العدّ العكسي للقضاء على الإرهاب في سورية قد بدأ، وأنّ الاتفاق الدولي تمّ على كلّ النقاط الأساسية للوصول الى حلّ سياسي للأزمة السورية باستثناء وضع الرئيس بشار الأسد.
ويضيف المصدر، أنّ تركيا شكلت قاعدة هجرة مبرمجة للنازحين السوريين الى دول أوروبا فيما تركتهم لمصيرهم المجهول للضغط على أوروبا لتحقيق مصالح متعدّدة، ويوضح المصدر أنّ تركيا اخطأت كثيراً في عدائها للنظام والشعب في سورية بعد أن ورّطتها أميركا وأقنعتها بإمكان تحقيق حلمها التاريخي «السلطنة العثمانية» وضرب الرئيس التركي رجب أردوغان في العام 2012 مواعيد بأنه سيصلي في الجامع الأموي بعد أسابيع قليلة.
على رغم ادّعاء بعض المحللين الغربيين والخليجيين أنّ الدولة السورية لا تسيطر على أكثر 30 في المئة من الجغرافيا السورية، لكن نصف سورية الديمغرافية موجودة ضمن المنطقة التي تسيطر عليها الدولة السورية، لا سيما دمشق وحمص واللاذقية ودرعا وهذه المنطقة تحتضن أكثر من 14 مليون سوري نزح معظمهم من مناطق سيطرة التنظيمات المسلحة، يختم المصدر العسكري.
عند الحديث عن خطط روسيا المقبلة في سورية واحتمالات تراجع أم تكثيف عملياتها العسكرية وتأثير العمليات الارهابية ضدّ مصالحها على ذلك، يجب العودة الى ما قاله الرئيس بوتين بأننا «نقاتل في سورية للدفاع عن موسكو». وعندما نريد معرفة مدى العلاقات التاريخية والاستراتيجية بين روسيا وسورية علينا أن نتذكّر أنّ الامبراطورة كاترينا الثانية التي تولّت عرش القياصرة الروس في القرن الثامن عشر أجابت على سؤال طرحه أحد مستشاريها عن سرّ اهتمامها الزائد بسورية قائلة: «إنّ مفتاح بيتي موجود في دمشق».