الجبهة الناعمة
يوسف المصري
صار شائعاً داخل كواليس سياسية لبنانية، حجم الضغوط الأميركية المباشرة التي تُمارس على لبنان لإنجاز تشريع قانون مكافحة تبييض الأموال.
… كلام واشنطن لبيروت، كما وصل خلال الأيام الماضية كان حاسماً: المطلوب بأية وسيلة الإسراع في إنجاز تشريع قانون مكافحة تبييض الأموال وما يرتبط به من بنود، وعلى رأسها ضرورة أن تقوم المصارف اللبنانية بإبلاغ الجهات الأميركية المعنية باسم أيّ صاحب حساب من الجنسية الأميركية أو من حامليها أو مَن يُشتبه في أنه يحملها تحت طائلة المسائلة القصوى…
يُقال، بحسب مصادر مطلعة، إنّ المصارف اللبنانية اجتمعت خلال الأيام الماضية وتدارست التعليمات الأميركية ووضعت المعاملات المشتركة التي تلبّيها.
… ويقال أيضاً إنّ أميركا وجّهت تحذيراً لبيروت بأنه في ما لو لم يقُم مجلس النواب اللبناني بتشريع قانون مكافحة تبييض الأموال على وجه السرعة، فإنّ لبنان لن يخسر فقط الهبات الدولية المقرّرة له، بل أيضاً ستخضع تحويلات المغتربين اللبنانيين في أميركا والبالغة بالمليارات، لإجراءات تعرقل وصولها إلى ذويهم في لبنان بنسبة عالية.
يظهر بوضوح أنّ حرب أميركا من اجل ضمان الاستقرار الاقتصادي في البلد أسبابه أمن قومي اقتصادي أميركي، وعلى رأسها مكافحة تهرّب المكلفين الأميركيين من الضريبة لا سيما منهم الحاصلون على الجنسية الأميركية.
وعدا هذا الهدف الأول، تريد أميركا جعل المصارف اللبنانية جزءاً من رأس حربتها ضدّ المقاومة، وذلك عبر تجنيدها في خدمة هدف أساس وهو مراقبة تحويلاتها ودورتها المالية البينية أو ذات الصِّلة بها.
تقول هذه المعلومات ذاتها إن خلال الصيف الماضي حصلت اجتماعات في بيروت وخارجها حضرها إلى جانب المصرفيين وزراء داخلية عرب أو وكلاء عنهم. والهدف هو البحث في الأمن الاقتصادي من زاوية أنه مدفع طويل المدى ضد حزب الله.
من جهته، حزب الله، يبدو غير معني بهذه التحركات، وأكثر من مرة ردّد أمينه العام السيد حسن نصرالله أنه ليس للحزب أموال في المصارف ولا مشاريع تجارية أو استثمارية خارج لبنان. ومع ذلك تحاول أميركا وبالتكافل مع قوى عربية وهيئات مصرفية، تجريب السلاح الاقتصادي ضد المقاومة ولو من باب افتعال ميدان له هو غير موجود في الأصل.
كان واضحاً تعبير السيد حسن نصرالله في خطابه، بمناسبة يوم الشهيد، حيث وضع خطين تحت عبارة حذّر فيها من «تواطؤ أحد مع نتنياهو في الحرب ضد المقاومة التي يتحسّب الحزب لها رغم أنه يستبعدها».
لا يقصد السيد نصرالله هنا فقط التواطؤ مع الحرب العسكرية الإسرائيلية إن وقعت، بل أيضاً عدم التواطؤ معها في حروبها الناعمة المشتركة مع أميركا وعرب ضدّ المقاومة في لبنان.
يبقى القول إنّ بين أهداف الغزو الاقتصادي الأميركي للبنان ومصارفه، يوجد توجّه لرفع السرية المصرفية اللبنانية لمصلحة انكشافها بالكامل لأجهزة الاستخبارات المالية الأميركية التابعة لوزارة خزانتها.
ويتوقع، بحسب معلومات منسوبة لمصادر مختصة، وصول شخصية كبيرة من الخزانة الأميركية إلى بيروت في غضون فترة قريبة. وتوقيت الزيارة له علاقة بالتأسيس لمرحلة ما بعد تشريع قانون مكافحة تبييض الأموال في لبنان، وتشتمل على البدء بتنفيذ مقررات غير معلنة تمّت صياغتها في الاجتماعات التي جرت مؤخراً، وحضرها خبراء ومسؤولون مصرفيون لبنانيون وعرب ووزراء داخلية دول عربية خليجية أو وكلاؤهم.