«داعش» كمين… إنّما لإيران أوّلاً
د. وفيق ابراهيم
لماذا نتجاهلُ الأهدافَ الحقيقية لهجوم «داعش» في العراق ونتلهّى باستحضار دوافع، معظمها صحيح لكنه يشكل جزءاً من البند الثالث للمخطط التدميري المرسوم لهذا التنظيم الإرهابيّ؟
تكشف النقطة الأولى عن تزامن هجوم «جيش إرهابيّ منظم» يُسمى جزافاً بـ«داعش»، مع وصول المفاوضات الغربية مع إيران حول ملفها النووي إلى نقاط متقدمة، فاختار المخططون للهجوم هذا التوقيت المريب وغير البريء. فإذا جابهت إيران الهجوم تخسر المفاوضات وتدخل حرباً إقليمية، فالمناطق التي اجتاحها «داعش» تقطع بين إيران وسورية جغرافياً وتربط إقليم «داعش» بالنفوذين التركي والسعودي، ما يؤسس لمنطقة ضاغطة تعيد طهران إلى داخل حدودها، وتكشف جبهة حلفائها في سورية ولبنان واليمن والبحرين.
أسباب الخوف الغربي من إيران في محله، إذ استطاع هذا البلد المجاهد المحاصر منذ ثلاثة عقود، والمقاطع اقتصادياً ومالياً منذ عقدين، والمصادرة أمواله في المصارف الغربية… أن يبني نفوذاً إقليمياً يضارع نفوذ الدول الكبرى، بدءاً من آسيا الوسطى حتى أفغانستان وباكستان والعراق والبحرين وسورية ولبنان، مستعملاً لنجاح مشروعه وسيلتين: التحالف مع المتضرّرين من السياسات الخارجية الأميركية ـ «الإسرائيلية»، وإيجاد «رؤوس مواقع» في عدة بلدان على قاعدة التقاطعات المذهبية والدينية، مستفيداً من عزل الديكتاتورية الملكية العربية للأقليات وإبادتها ومنعها من الاندماج بالجماعة لغايات ترتبط بضرورة وجود «عدو ديني» يؤمّن لها البيئة المدافعة عن استمرارها في الحكم ـ تلك حال السعودية والكويت والإمارات وعمان وقطر، وحال الإرهاب الإسلامي المتمثل في القاعدة وغلاة «الإخوان» هؤلاء الذين تركوا قتال الأميركيين و«الإسرائيليين» ليتخصّصوا في إبادة المدنيين من المسلمين والمسيحيين. وهذه حال الأنظمة الديكتاتورية في عراق صدام وغيره.
حُشرت إيران في التوقيت، فالمطلوب إيران متعاونة مع الغرب إنما من دون أنياب إقليمية ودولية وارتباطات بالصين وروسيا والبريكس ودول أخرى… و»داعش» هي الدواء. ركّبوا لها جيشاً إرهابياً منظماً مع لوجستية وتسليح وتدريب، واشتروا معظم ذمم القيادات العسكرية للمناطق في نينوى وصلاح الدين، وحدّدوا لها النقاط الأمنية المطلوب مصادرتها، وهكذا كان. ففي نصف نهار اجتاح بضعة آلاف مسلح منطقة مساحتها أكثر من 50 ألف كيلو متر مربع يمكن أن تشمل قريباً كامل الأنبار، ما يقطع هذه المناطق عن جنوب العراق، ويعزل إيران عن بلاد الشام على نحو كامل ويؤسس لمنطقة ضاغطة على طهران من تركيا وباكستان والسعودية وأفغانستان بخلفية مصرية من البهلوان.
هذا هو المشروع «الداعشي» الذي لا تعرفه قيادات «داعش» نفسها. فلا أحد من الغرب وتركيا والرياض يأبه لإقليم سني… المُراد فحسب تأسيس منطقة تحاصر إيران الخارجية لتوّها من حصار ومقاطعة ومصادرة في حال نجاح المفاوضات. فهل ينجح مشروع «داعش»؟ هناك سببان ساميان لفشله؟ دينامية النظام السوري وإيديولوجيته العروبية وانتصاراته العسكرية، وتحوّل حزب الله إلى قوة إقليمية لا يُستهان بها قد تذهب نحو تفجير الأوضاع مع «إسرائيل» إذا ظهرت أخطار أكثر رعباً مما يحضّر له.
ثمة معلومات إقليمية تؤكد أنّ لدى العراق المالكي قوات يسعها حصر المهاجمين «الداعشيين» في بؤر صغيرة، ما يحجم الدور الإقليمي المرسوم لها، فتتحوّل من مشروع على مستوى المنطقة إلى مجموعات إرهاب صغيرة كحال «القاعدة» في أفغانستان واليمن.
أما إذا تحوّل التورّط التركي ـ السعودي من استخباريّ ـ لوجستيّ إلى عسكريّ، فإنّ المنطقة مقبلة على حرب إقليمية تقف فيها أنقرة والرياض و»تل أبيب» في خندق علني واحد في وجه تحالف إيراني ـ سوري ـ عراقي. الموضوع ليس سهلاً مثلما توهّم المخططون، وأثبت الجيش السوري مدى صلابة هذا المحور، وتعيد الدولة السورية إنتاج العروبة كردّ حاسم على مختلف أنواع التضليل المذهبي والديني والقبلي. عروبة عصرية فيها مساواة وحداثة وتقدمية تؤمّن تضامناً بين المكوّنات العربية على قاعدة الحداثة والتطور.