«الطاقة… مقابل السلام»!
ساندرا علوش
إذا كان الاقتصاد هو السلاح فإنّ السياسة هي أن تعرف متى تضغط على الزناد. لذا علينا دائماً أن ننظر الى الأبعاد الاقتصادية لأي حدث كبير وسنصل إلى السبب والنتيجة. فالصراع الدولي المحتدم على منطقة الشرق الأوسط ليس بعيداً من الصراع على الغاز والنفط في العالم، والبحث عن مكامن القوة لم يعد في الترسانات العسكرية إنما حيث توجد الطاقة.
في العراق تمدّد سريع لنفوذ التنظيم الأخطر في المنطقة «داعش» والذي يجسد ثالث جيل قاعدي من المقاتلين المتمرسين بفنون القتال وحرب العصابات والعمليات الإرهابية. ويبدو أنه طور نظاماً استخباراتياً لنفسه مستغلاً كلّ الإمكانات التي وضعت تحت تصرفه من علاقات دولية متشعبة مع أميركا والسعودية وتركيا وإسرائيل وصولاً إلى الأموال الطائلة التي ادّخرها إما من طريق التمويل الخارجي والداخلي أو من بيع النفط السوري الذي يسيطر عليه مما يكسبه حرية وبراغماتية يطوّعها لخدمة مصالحه.
الرقعة التي قضمها التنظيم من الجغرافيا العراقية تعيد للذهن مشروعاً أميركياً «إسرائيلياً» كان قد رُوّج له عام 2003 وعاد ليغيَّب بعد عام 2005. هذا المشروع يتلخص بإعادة ضخ النفط في خط أنبوب كركوك- حيفا المتوقف عن العمل منذ عام 1948. فبعد أن بدأ الأميركي يتصالح مع هزيمته بالإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد وسقوط مشروع خط أنابيب الغاز القطري المار بسورية وصولاً إلى تركيا وأوروبا بات لا بد من إيجاد البديل.
في تشرين الثاني 2007 نشرت صحيفة «هآرتس الإسرائيلية» مقالاً يتحدث عن طلب الولايات المتحدة الأميركية من «إسرائيل» دراسة إمكان ضخّ النفط من العراق إلى مصافي حيفا، وذلك في رسالة موجّهة من مسؤول في وزارة الدفاع الأميركيّة بنتاغون إلى مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجيّة «الإسرائيليّة». وسينقل الأنبوب المفترض النفط من كركوك، حيث يُنتج نحو 40 في المئة من النفط العراقي، عبر الموصل والأردن ليصل بعدها إلى «إسرائيل»، بحسب الرسالة التي تضمّنت طلباً بدراسة تكاليف من أجل ترميم أنبوب النفط بين حيفا والموصل، الذي كان يُستخدم قبل عام 1948. وكانت وزارة البنى التحتيّة «الإسرائيليّة» أجرت أبحاثاً في الفترة الأخيرة أشارت إلى أنّ تكلفة بناء أنبوب بقطر 21 إنشاً بين كركوك وحيفا تقارب الـ400 ألف دولار للكيلومتر الواحد. وقال وزير الاحتلال «الإسرائيلي» للبنى التحتيّة حينها يوسف باريتسكي أنّ الخطّة تتوقّف عند قبول الأردن، وعند التعرفة التي يطلبها من أجل مرور الأنبوب في أراضيه. غير أنّه أشار إلى أنّه نظراً الى القلق العربي سيكون من الصعب إقناع الأردن بقبول ذلك.
لكن اقتراب «داعش» من الحدود الأردنية يهدد بخطر اجتياحه للأردن بترحيب واسع من جماعة الإخوان المسلمين الأردنية. ما يكمل سيطرة «داعش» على خط أنابيب كركوك – الموصل – حيفا. فالأردن لا يملك إلا خيارين: إما دخوله ضمن دائرة الإرهاب أو السماح بمرور أنابيب النفط عبر أراضيه. والتصعيد الحدودي الأردني ليس إلا ورقة ضغط على الأردن.
علينا ألا نغفل أن النفط العراقي كان يتدفق إلى «إسرائيل» عبر أنبوب يمرّ في تركيا ويصبّ عند مرفأ جيهان القريب من الحدود السوريّة. والتعرفة التي تفرضها أنقرة، تعدّ مهمّة جداً لعائداتها الماليّة. غير أنّ الأنبوب المذكور تعرّض للتخريب، وهو حالياً خارج الخدمة. لكن إعادة تشغيل أنبوب «كركوك – الموصل – حيفا» يضر بالمصالح التركية وسيكون بمثابة ضربة جدية للعلاقات التركية «الإسرائيلية»، وقد لفتت مصادر في تل أبيب، إلى أنّ الاقتراح يعود أساساً إلى رغبة أميركيّة بفرض ضغوط على الجانب التركي.
أما مشروع جر الغاز القطري الذي كان يرمي إلى مد أنبوب لجر الغاز القطري براً انطلاقاً من قطر مروراً بالأراضي السعودية ثم الأردنية ويصل إلى مدينة حمص في سورية ليتفرع إلى ثلاثة أنابيب أحدها باتجاه طرابلس في شمال لبنان وثانيها باتجاه اللاذقية على الساحل السوري وآخرها باتجاه تركيا، فإنه يهدف الى إيصال الغاز القطري و»الإسرائيلي» إلى البر الأوروبي لتوزيعه على الدول الأوروبية ما يمنع روسيا من احتكار تزويد السوق الأوروبية بالغاز وتحرير تركيا من استيراد الغاز من حقل كيران في إيران ومنح إسرائيل فرصة تصدير غازها إلى أوروبا براً بكلفة رخيصة.
في المقابل كانت إيران قد شرعت قبل أكثر من عامين بتنفيذ مشروع لمد خط أنابيب للغاز الطبيعي إلى سورية عبر الأراضي العراقية يبلغ طوله حوالى 1800 كلم ضمن سياق الاتفاقات الموقعة بين دمشق وطهران ما سيوطد العلاقات الإيرانية العراقية – السورية ويربط اقتصاد هذه الدول ببعضها وكان من المفروض أن يشغل الأيدي العاملة ويمتص البطالة ويدر الموارد المالية ويحسن اقتصاد البلدان الثلاثة. لكن سيطرة «داعش» على طريق خط الأنابيب يحول دون إمكانية المتابعة في تنفيذه حالياً.
وبمقارنة نقاط الاشتباك الرئيسية في سورية والعراق بخريطة مرور أنابيب الغاز والنفط التي ذكرناها، فإننا نجد الصلة واضحة بين النشاط العسكري لتنظيم داعش والهدف من سيطرته على مناطق مرور الأنابيب النفطية.
وهذا يعطينا صورة عن واقع حال الدول صاحبة المصالح في المنطقة، فتركيا ستضغط لدعم «داعش» وكذلك ستفعل قطر والسعودية وستعمل كل منها على تأجيج نار الفتنة السنّية – الشيعية وحشد الرأي العام السنّي خلف «داعش» باعتبارها حامياً للسنّة في وجه المد الشيعي. بينما «إسرائيل» تشعل جبهتها الداخلية فتضرب المقاومة وتعتقل قيادييها وتضعف المصالحة الفلسطينية وبذلك تضرب عصفورين بحجر المستوطنين المختفين حيث أنها تحصد أسرى طالما أرادت الوصول إليهم بدعم دولي وتشكل عامل إلهاء ريثما يكمل «داعش» سيطرته على المناطق الاستراتيجية نفطياً. أما وزير الخارجية الأميركي فيحط في مطار ويغط في آخر باحثاً في تسويات وجامعاً لأوراق تفاوض كي يقطع الطريق على هلال المقاومة الممتد من إيران إلى العراق فسورية وصولاً إلى جنوب لبنان وفلسطين ويخلق كياناً عدواً لهذا المحيط يشكل مصدر قلق دائم كما هي الحال مع «إسرائيل». فكل العناوين التي تطرح حول ما يحدث في العراق وسورية يمكن اختصارها بعنوان واحد.