عِبْرة «ضاحية الفداء»: اجتثاثهم في الجحور

هاني سليمان الحلبي

شهدت «ضاحية العز» أول من أمس، مجدّداً، كعادتها على الدوام، ذروة جديدة من ذرى نُبْلها وشهادتها بالأبرياء ضدّ مسوخ الموت التكفيري.

استغلّ الإرهابيون المجرمون، الذين قيل إنهم دخلوا لبنان منذ أسبوع حسب صحيفة خليجية ، ثغرة تسللوا منها في نظام الأمن العتيد لأحد أحياء الضاحية الجنوبية، أو انتهزوا لحظة تخلٍّ سوداء، حتى بلغوا وسط شارع تجاري مكتظّ بالآمنين ففجّروا عبواتهم، بطرائق جديدة. ربما بدراجة أو أحزمة أو غيرها. فصرعت عشرات الشهداء وأصابت مئات الجرحى المتفاوتي الجراح.

ثمنٌ دامٍ. لكن أهل المقاومة مستعدّون لتقديمه. بعد استراحة أبناء الموت ردحاً من زمن واطمئنان المواطنين إلى قبضة الأمن العام المهيبة ومديرية مخابرات الجيش اللبناني الباسل التي قبضت على شبكات عدة والآتي كثير لم تأت أكلُه بعد. وما بذله الأمن الميداني للمقاومة في الضاحية طيلة سنوات عظيم وهائل. أيّ جهاز آخر كان ترنّح خلالها وتمّ خرقه من هنا وهناك.

وبعدُ؟

أساليب جديدة تمّ استخدامها. مسوخ الإرهابيّين وداعميهم المحليين و«العرب» الخليجيّين المستعربين واليهود الصهاينة المستعربين و«اللبنانيّين» المستعربين و«الفلسطينيّين» المستعربين و«السوريّين» المستعربين إصرارهم متصاعد وقد يزداد. وهم يترنّحون قبل إبادتهم المحققة. وها هي جرائمهم تثبت أنهم لن يتردّدوا عن جَزْرنا في طرق أحيائنا وغرف بيوتنا وصفوف مدارسنا وقاعات جامعاتنا ومداخلها وأسرّة مستشفياتنا وغرف جراحاتها. قد يلاحقون الشهداء في تشييعهم والجرحى في أسرّتهم، إنْ لم نستجِب جميعاً للتحدّي الحاسم، بخطط جديدة غير مألوفة رسمياً وشعبياً، من قوى الجيش والأمن والمقاومة: «الجهاد فرض عين» على السنّة قبل الشيعة، على الدروز قبل المسيحيين، على المسيحيين قبل العلويّين… وأولئك السياسيون بعضهم غبي جداً يقفون في منتصف الطريق بانتظار الصفقة!!

والهدف فتنة: فتنة سنية – شيعية، عندما دار الفتوى تغطي وتبرّر وتقول بالحيف السني. فتنة فلسطينية أو سورية – لبنانية عندما تجد مخيمات فلسطينية ومخيمات نزوح غير مضبوطة فقد يستضيف مرتزق فيها انتحارياً بقصد، او بغير قصد، لكن جريرة فعله يتحمّل المخيم كله مسؤوليتها والفلسطينيون كلهم، والنازحون كلهم، بسبب التعميم. الفلسطينيون يكتفون بالإدانة والاستنكار. لماذا بُعيْد التفجير بساعات تُسوّق أسماء فلسطينيين أنهم المجرمون؟ وهي ليست صحيحة او دقيقة! تأكدوا: أنتم الهدف البعيد من كلّ ما يجري لتبقوا مشرّدي الدول والقارات! بقاؤكم خارج محور المقاومة تواطؤ مشتبه فيه. شبابكم في فلسطين انتموا بل ارتادوا طليعة المقاومة اما الفصائل فتستنكر! وكفاها ربّها شرّ القتال!!

والخطأ الذي ما زال يُرتكب هو انتظار الانتحاري بدلاً من استباقه. فمكامنهم معروفة: فتشوا المساجد كافة، الجمعيات الدينية التي ما زالت تبرّر لـ«داعش» ذبحها. المخيمات التي ما زالت بؤر إرهاب وسلاح ومخدرات. جرّموا أيّ لهج إسلامي بالقتل والفتنة في الإعلام وفي السياسة وفي النشاط الاجتماعي. وأولى الخسائر لمن يخرق إفقاده الحقوق كافة وسحب الجنسية والسجن. ما زالت الدولة نائمة كفاية وتجيز لـ«المعلومات» لفترة وجيزة كشف شبكات العملاء وتنام بعدها. وحالياً ينشط «الأمن العام» ومديرية المخابرات في الجيش اللبناني ضدّ العملاء والإرهاب… وكأنهما وحيدان في الساح، ويُروّج أنهما يعتقلان السنّة… لماذا؟ أين باقي الأجهزة التي تقبض من لحمنا الحيّ بدل رفاهيتها؟

«كلّ مواطن خفير» مبدأ أطلقه الحزب السوري القومي الاجتماعي منذ أوائل خمسينيات القرن الماضي، الحزب الذي قارب الاحتفال بعيد تأسيسه الـ83 في 16 الحالي، والذي لما تكالبت عليه قوى اليمين ومن ثَمّ قوى اليسار، قد ظنت أنها إنْ تخلّصت من المعلم المؤسّس سيتشرّد «الطلاب». غاب عن بال المجرمين بإعدام جسد المؤسّس أنّ أتباعه هم طلاب حياة جديدة ويعجز موت الموت عنهم، فاستمرّوا يعلّمون من السجون والمنافي بوحيه ويوقدون أرواحهم مصابيح توعية وهداية بفكر المؤسس الذي علّم أنّ «مصيبتنا بيهودنا الداخليّين أعظم من بلائنا باليهود الأجانب ولا ينحصر خطر اليهود في فلسطين». وأنّ «صراعنا مع العدو صراع وجود وليس صراع حدود». فلن يقتصر الصراع في فلسطين ولا في لبنان وسورية والعراق، بل سيمتدّ إلى المغتربات كلها لأنه صراع وجود يستهدف كلّ مواطن حرّ منا في أسرته وعمله وأمنه وكرامته وموقفه، صراع حرب ساخنة بالعسكر حيناً باردة حيناً آخر بالعقوبات المتعدّدة، خشنة حيناً بالنار وناعمة حيناً آخر بالقوانين المالية التي أقرّ بعضها أول من أمس وأمس المجلس النيابي اللبناني العتيد، ولو معدّلة قليلاً بفضل وعي «حزب الله».

ورأى أنّ «دم الشهيد هو حبر التاريخ». فإنْ يسقط شهيد يعيد فينا قيمة الحياة ومعناها وسموّها. و«شهداؤنا هم طلائع انتصاراتنا الكبرى» لأنهم يفتحون أبواب العز بدمائهم فتستهين الناس بذل الأرواح مثلهم في بطولة الحق. فتكون «أزكى الشهادات شهادة الدم».

وشدّد سعاده على أنّ «اقتتالنا على السماء أفقدنا الأرض» .والسماء لا تريدنا مقتتلين، لكن أوصياءها الأدعياء من رجال الدين أحبّوا دور ما يُسمى بطرس الناسك، داعياً باسم الصليب إلى حرب مئتي عام انتهت بهزيمة مذِلّة ولعنة التاريخ عليه وعلى من تغرّر به. فهل تشتاق أرواح المحرّضين من رجال الدين المسلمين إلى تلك اللعنة أن تلحقهم إلى أبد الآبدين؟

ناشر موقع حرمون

www.haramoon.org gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى