ما بك يا وطني لا تثأر؟!
فدى دبوس
جثث وأشلاء وبقايا من أحلام حطّمتها يد الإرهاب، هي أحلام بسيطة تناثرت مع أرواح الشهداء. أحلام لشبّان تجمّعوا حول كشك «الإكسبرس» جمعهم الفقر والعوز والملل من وضع بلد غير مستقرّ. وذاك السوق المكتظّ بالباعة والنسوة اللواتي يتجولن في الطرقات علّهن يجدن قليلاً من التسلية والمرح في حيّ فقير وشعبيّ كهذا.
فجأة تحوّلت الأحلام إلى أشلاء عجزت معها معظم العقول عن فهم ما حصل، صراخ الأطفال والنساء وعويل الشيوخ الذين لا يعرفون من أخذ الموت منهم باتت تعلو شيئاً فشيئاً وسط حالة من الدمار والدخان الكثيف يغطّي المكان. انفجار أوّل تبعه وبعد سبع دقائق تفجير آخر ليهزّ ما تبقّى من عين السكّة، التي كانت في القرن الثامن عشر استراحة للمسافرين الى فلسطين والقادمين منها.
شبح الموت عاد ليسيطر من جديد على أهالي الضاحية، فبعد أقلّ من عامين على انتهاء مسلسل التفجيرات ها هو يعود بشدّة ولكن هذه المرّة في أكثر الأحياء الشعبية اكتظاظاً وفي وقت الذروة ليذهب عدد كبير من الضحايا الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى أنهم من سكّان الضاحية.
لحظات تحوّلت معها الحقيقة إلى واقع مرير ينبئ بالأسوأ وينذر بحرب جديدة مع الإرهاب وبالطبع لا يوجد سوى الضاحية لتفريغ شحنات الإرهاب فيها. بضع دقائق وبدأنا نسمع أخبار الشهداء، هذا الذي كان يشرب قهوته بعد يوم طويل من الشقاء وتلك التي نسيت تبضّع شيء في النهار فهرعت إلى السوق قبل عودة زوجها إلى المنزل، وذاك الطفل الذي كان يتجوّل مع والديه فلقي الاثنان حتفهما وبقي ليواجه الحياة وحيداً.
أمّا عادل ترمس ذاك البطل الشجّاع لم يمنعه الخوف من الموت أن ينقذ أرواح جيرانه، فافتدى بروحه أهله ونسي أن في البيت هناك عائلة تنتظره وزوجة لا تعرف كيفية التصرّف في حياتها من دونه. عادل البطل برتبة شهيد بحسب ما وصفه الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي كان مثالاً للشرف والتضحية، ذهب إلى الموت برجليه ولم يأبه للحياة التي تنتظره على الطرف الآخر من الطريق، لم يأبه لزوجته التي احتفل معها منذ شهر واحد بعيد زواجهما، ولا ابنه ابن العام بل مضى في طريق الموت ليصل إلى رتبة الشهادة وما أجمله من موت.
ورغم ذلك كان للموت مذاق مرّ وقاسٍ، وللأبرياء الذين قضوا في ساحة المجزرة ذكرٌ خاص تفوح منه رائحة الحزن على شبّان كانوا سنداً لعائلاتهم، لكن اختارتهم الشهادة.
والآن ها هو شبح التفجيرات يعود إلى الواجهة من جديد، والضاحية تصبح مدينة معزولة يحاول المتوجّه إلى هناك أن يغيّر وجهته، ويبدّل مساره، ورغم الحواجز والإجراءات الأمنية المعقّدة يمكن لأيّ إرهابيّ لا يعرف معنى الإنسانية أن يقتحم الجموع الحاشدة ويقتل عدداً لا يستهان به من الناس، تهمتهم أنهم وقفوا إلى جانب من يحارب الإرهاب، تهمتهم أنهم رفضوا وجود الإرهاب، تهمتهم أنهم يريدون الدفاع عن أرضهم وعرضهم. هذه هي تهمة من استشهد في التفجيرين والمؤسف أنه ورغم هذه المجزرة ترى من ينسى حرمة الموت ليقول، «لولا وجود حزب الله في سورية لما حصل ما حصل»، ولما وقف لبنان في مهبّ الريح.
شعارات اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي لكن الأجدر في هذا الوقت أن نقف جميعناً يداً واحدة لنأخذ بثأر حيدر حسين مصطفى الطفل اليتيم، وبثأر أولاد عادل ترمس، وبثأر الشبّان الذين ضاع حلمهم في أزقة برج البراجنة هذه المنطقة التي تحمل في طيّاتها من الفقر ما لا تحمله منطقة أخرى.
وداعاً يا وطني الممزّق، ها أنا أشعر بأرواح الشهداء ترفرف من حولي، تنادي بأعلى صوتها ما بكّ يا وطني لا تسأل؟ ما بك يا وطني لا تثأر؟ ما بك يا وطني اعتدت على وداع أبنائك؟ ولا أجمل من أن نختم بأغنية: «وحياة اللي راحوا واللي صاروا الحنين. وحياتك يا أرضي ويا بيتي الحزين. يا رفيقي اللي استشهد. يا شعبي اللي تشرد. راح نرجع نتلاقى. رح نرجع نتوحد»…