ما بعد سنجار في العراق أم في سورية؟

عامر نعيم الياس

دخلت قوات البيشمركة مدينة سنجار في العراق من الاتجاهات كافة، وذلك وفق ما أعلن عنه مجلس الأمن الكردي. المجلس وفي بيان له، أكد أن القوات الكردية تمشّط أحياء مدينة سنجار بعد السيطرة على القضاء بالكامل، وطرد مسلّحي «داعش» منه. كما أشار مجلس الأمن الكردي إلى أن التنظيم ترك وراءه عشرات المقاتلين أثناء انسحابه.

مسعود البارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، أعلن تحرير سنجار من سيطرة «داعش»، وقال إن ذلك سيكون له تأثير كبير في تحرير الموصل.

هو أكبر هجوم منذ صيف عام 2014 في شمال العراق تقوده القوات الكردية ضدّ «داعش»، وهو الهجوم الأول بعد تحرير عين العرب في الشهر الأول من السنة الحالية، وهو الهجوم الذي يندرج في إطار الحرب الدولية ضدّ تنظيم «داعش» الإرهابي في كلّ من سورية والعراق، حيث الصراع على الورقة الكردية بين الولايات المتّحدة وروسيا يكتسب بعداً إضافياً بعد تحرير سنجار الذي تمتد تداعياته لتشمل سورية كما العراق. فالمدينة التي تتوسط الموصل والرقة تمهّد للهجوم على الموصل كما قال البارزاني، فماذا عن الرقة؟

يعيد تحرير سنجار الكرد إلى الظهور بمظهر القوة الوحيدة القادرة على محاربة تنظيم «داعش» الإرهابي في سورية كما في العراق، وبالتالي الاستفادة من ذلك دبلوماسياً. وهو أمرٌ يفرح الأميركيين الذين يراهنون على استمرار الهجوم في العراق على وجه الخصوص، كون العوائق التي تعترض عمل الأكراد هناك لا تقارن بتلك التي في سورية، مع أن الرغبة الأميركية في تحرير الرقة من «داعش» لا تقل عن تلك التي تتعلق بالموصل العراقية. لكن ماذا عن الأكراد أنفسهم؟ هل تعتريهم الرغبة الأميركية ذاتها أم أن لسورية حسابات أخرى؟

الحسابات السورية تختلف عن تلك التي تحكم الوضع العراقي، مع ترابط في ما يمكن تسميته توسيع النفوذ الكردي في سورية والعراق، والعمل على ربط إقليم كردستان العراق بما يصطلح على تسميته «كردستان الغربية» في سورية. فعملية سنجار وتحريرها يكتسبان أهمية قصوى بعد تحرير الكرد السوريين معبر تل أبيض الذي كان أحد أهم روافد تنظيم «داعش» بالعديد والعتاد والمال. كما أن العملية الكردية في العراق تحت ستارة تحالف كردي ـ إيزيدي، يتم بالطريقة ذاتها في سورية تحت ستارة «قوات سورية الديمقراطية» التي يغلب على تكوينها العامل الكردي ووجود بعض العرب من العشائر في صفوفه إلى جانب القوات السريانية. جميعهم لا يملكون القدرة على العمل من دون وجود الأكراد. هذه القوات التي تدعمها واشنطن سواء في سورية والعراق، تختلف في درجة مواءمتها الاستراتيجية الأميركية في كلا الدولتين. ففي العراق سيتم التحضير لتحرير الموصل وسيساهم الكرد في القسط الأكبر من العملية التي ستجري، كما حدث في سنجار، بإسنادٍ ناري من تحالف أوباما. أما في سورية فإن الأميركيين الذين يتوقون لطرد «داعش» من الرقة اعتماداً على القوة الكردية، فتختلف حساباتهم عمّا يسمى «وحدات حماية الشعب» التي ترى أولاً ضرورة السيطرة على بعض الحقول النفطية في شمال شرق البلاد. هنا تحضر السيطرة على حقل تشرين في ناحية الهول، ثمّ التقدّم باتجاه مدينة جرابلس على الحدود التركية ـ السورية والتي تقع على مسافة 125 كيلومتراً شمال شرق مدينة حلب، وتعدّ النقطة الأولى في سورية التي يدخل منها نهر الفرات، وبالتالي تستطيع القوات الكردية التمهيد لعملية التوجّه نحو غرب الفرات باتجاه عفرين لوصل الإقليم الكردي في سورية وفق المخطّط الذي لم يعد خافياً على أحد.

الأولوية في سورية بالنسبة إلى الكرد ليست الرقة، أما في العراق فالوضع مختلف. وعليه، ومن دون الدخول في تفاصيل العامل التركي، فإن معركة الموصل تبدو أقرب من الرقة، من دون أن يعني ذلك التغاضي عن هذا التقدّم الكردي اللافت في سورية والعراق ميدانياً وسياسياً ودبلوماسياً.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى