صفّ الضباط… بداية العمل العسكريّ ونواة الجيش القوميّ
لبيب ناصيف
نعلم أن سعاده اهتم بعد عودته إلى الوطن في 2 آذار 1947 بتهيئة الحزب لمواجهة الاستيطان اليهودي في الجنوب السوري فلسطين عبر الكثير من الإجراءات، منها إنشاء صف الضباط، وإخضاع القوميين الاجتماعيين لدورات تدريبية، علماً أن موضوع تدريب القوميين الاجتماعيين بدأ مع أولى سنوات التأسيس. من الرفقاء المدرّبين الأوائل نذكر: جمال باشا الغزي، منير الملاذي، وأمير شلاش، الذين، وقد كنا كتبنا عنهم بما توفر لدينا، نأمل أن نتمكن من جمع المعلومات لنبذة غنية عن كل منهم 1 .
عن «صف الضباط» يورد الأمين ابراهيم يموت في الصفحتين 171 و172 من مؤلفه «الحصاد المرّ» وتحت عنوان «الحزب يخرّج ضباطاً»، المعلومات التالية:
«مع قرار تقسيم فلسطين كانت دعوة سعاده القوميين الاجتماعيين إلى الالتحاق بصفوفهم النظامية والتحضّر لمجابهة الخطر الآتي من الجنوب، وكان يعني حرفياً ما يقول. فقد تركز الاهتمام في الحزب ابتداءً من عام 1948 على التدريب العسكري والانتظام في صفوف تدريبية لمجموع القوميين. أمّا على مستوى القيادة فقد أنشأ سعاده دورات تدريبية لتخريج دفعات من صفوف الضباط من بين المسؤولين الحزبيين المؤهلين، عهد بها إلى بعض القادة العسكريين اللبنانيين منهم العقيد زهران يمين والنقيب جوزف نبهان، وكنت أحد الذين وقع عليهم الاختيار لتأهيلهم عسكرياً.
من المسؤولين الحزبيين الذين أخضعوا للتدريب: جورج عبد المسيح، عبد الله محسن، جبران جريج، اسكندر شاوي، إنعام رعد، فارس معلولي، إدغار عبود، خالد جنبلاط، خليل أبو عجرم، فكتور أسعد، عبدالقادر فاخوري، فكتور حداد، إميل رعد، فؤاد شاوي وجورج عتيّق».
الدروس العسكرية لصفوف الضباط شملت التمارين الرياضية الشاقة وأساليب حرب الشوارع والجبال، مع كيفية استعمال الأسلحة اللازمة لذلك، والاطلاع على كيفية عمل المصفحات والدبابات والمدافع. كانت الدروس مكثّفة وتخرّج بنتيجتها عشرات الضباط بدرجات متفاوتة».
من جهته يورد الأمين إنعام رعد في الصفحتين 49-50 من مذكراته «الكلمات الأخيرة» وتحت عنوان «مقدمات الثورة القومية الاجتماعية الأولى» ما يلي:
« كانت المرحلة تشير إلى أن الحزب بات حديث الأمة، فسعاده في اللاذقية، في حلب، في دمشق يحاضر ويخطب. وفي بيروت هناك الندوة الثقافية ومحاضراته العشر.
وسعاده مرجع، يأتيه الطلاب والشباب من كل أنحاء الأمة. والحزب يخترق المناطق والأحياء، في بيروت وفي غيرها. في الجمّيزة يقام مكتب لجريدة «الجيل الجديد»، وفي البسطة تكثر المديريات وتنمو، ورأس بيروت قفير نحل للقوميين الاجتماعيين.
وفي الجامعات حركة الحزب قوية، ومديرياته منتشرة… ففي «اليسوعية» تعرفتُ إلى إدمون كنعان 2 ، وتعرفت إلى غيره في جامعات بيروت، «الأميركية» و«الفرنسية» وفي ثانويات المدينة.
«كان الحزب في تلك المرحلة، يواجه النكبة، نكبة فلسطين، وجاء طلب القوميين الاجتماعيين للسلاح. جاء الرفيق عبداللطيف كنفاني 3 مزوداً بطلب اللجنة العربية العليا إلى القوميين الاجتماعيين ليدافعوا عن القدس، لكن لا سلاح للقوميين الاجتماعيين 4 ، هكذا قالت الحكومة اللبنانية، لأنها كانت تحسب حسابات الداخل لا حسابات المصير القومي. وقد كتب الزعيم حول هذا الموضوع 5 .
«مع ذلك تطوّع القوميون وذهبوا إلى فلسطين، أديب الشيشكلي، غسان جديد، الذي كانت له ملاحم في محاصرة المستوطنات والمستعمرات الصهيونية. ومصطفى سليمان قاتل على رأس «فرقة الزوبعة»، وعديدون غيرهم. وقد سُجّلت أعمال القوميين الاجتماعيين في حيفا وغيرها في النشرة الرسمية. فبعد معركة الاستقلال في لبنان، جاءت معركة الصراع في فلسطين، التي بدأها الحزب بالشهيد حسين البنّا وبالقائد الشهيد سعيد العاص.
كان سعاده يواجه الأنظمة ويحمّلها المسؤولية، وكان يعتبر أن دور الحزب آتٍ بعد أن تنهار الأنظمة المسؤولة عن النكبة».
«كان خطابه قاسياً، مُديناً. كانت فيه نبرة الثورة، نبرة الادعاء القومي العام، يواجه الحكومات والأنظمة الفاسدة. كان نذير الثورة، نذير التغيير. هكذا كانت سنة 1949.
ونمَوْنا في المسؤولية، كنت على وشك التخرّج، وكنا قد انتخبنا إلى مجلس الطلبة في الجامعة، الذي كان يشهد تنافساً بين القوميين العرب والسوريين القوميين الاجتماعيين.
في مثل هذا المناخ والجو، كن نلمح بوادر العاصفة من جديد. وكان جورج عطية 6 ، الكثير «الحشرية»، و«الفضول»، اذا صح التعبير، والملازم لمكتب الزعيم، يلحظ أن الزعيم يذهب مع منفذ عام دمشق عصام المحايري إلى الشام، ويعود مع صبحي فرحات، ناظر المالية، وكأن هناك ما يحصل، أو ما يُهيّأ.
في تلك المرحلة دُعينا إلى صف الضباط. كان سعاده يعدّ صفاً من الضباط القوميين الاجتماعيين، وكان العقيد زهران يمّين يعاونه النقيب جوزيف نبهان على رأس هذا الصف، كما عرفنا بعد السجن. لم نكن نعرف أنه هو على رأس الصف، كان أستاذنا يأتي بالثياب المدنية، ثم عرفنا بعد الاعتقال وبعد الإفراج أنه عقيد في الجيش.
كان هناك من هو أعلى مني تدرّجاً في هذا الصف، عدد من المسؤولين المركزيين، الصدر عساف كرم، كان الأعلى. ويأتي بعد ذلك، جورج عبد المسيح، عبد الله محسن، ابراهيم يموت، وغيرهم.
بدوره يورد الأمين شوقي خير الله في الصفحة 161 من مؤلفه «قصة الحزب» أنه «بعد عودة الزعيم بوقت قصير أُنشىء معهد التدريب العالي. وكان أول المتدربين جورج عبدالمسيح، إميل رعد، كامل بو كامل، فؤاد الشاوي، فؤاد النجار، إدغار عبود، فكتور أسعد، جورج عتّيق، خالد جنبلاط، خليل بو عجرم، محيي الدين كريدية، إبراهيم يموت، عادل شقير وسواهم. وتلتها دورة ثانية كان فيها أديب قدّورة، فكتور كلارجي، رشيد الأشقر، فارس معلولي وسواهم. ولقد نسيت أسماء أخرى لا ريب. فمن كان متأكداً منهم فعسى أن نضيفهم إلى حقّ النهضة وفي موقعهم من ذاكرة المؤسّسة وقصة الحزب 7 ».
في الجزء الثالث من مجلده «من الجعبة» يتحدث الأمين جبران جريج عن «أول تدريب» فيقول:
«اجتمعنا، نحن المركزين، في الفسحة الرحبة من دارة نعمة ثابت في الغبيري. جمعنا الزعيم في عصر أحد الأيام، جريدة واحدة. كان يشرف عليها جمال باشا الغزي يعاونه منير الملاذي والزعيم جالس على كرسي يراقب المدرب والمدربين.
جئت في أول الجريدة بالنسبة لطولي. اعترتني رعشة ما عرفت لها سبباً مع أنني كنت مارستُ، في صغري، الكشفية وتمارين أولية من هذا النوع لم تكن غريبة عني. هل كانت هذه الرعشة لجدية هذه التمارين وما ينتظر منها الزعيم لمستقبل الأيام؟
«ما طال وقت هذا التدريب الأولي في هذا المكان الأول في اليوم الأول. لكنها بدأت تطول كلما زادت أيام تمريناتنا وما عادت تجري في فسحة الدارة المذكورة بل انتقلنا إلى أحراج الصنوبر المحيطة بالغبيري، فكنا نسير ونركض ونقف وندور إلى اليمين وإلى اليسار وإلى الوراء، إلخ… إلى أن تقرر في أحد الأيام أن نُمنح استراحة بعد هذا الإجهاد الطويل.
كنا، كلنا ناجحين، تسيّرنا روحية واحدة وإرادة واحدة وهدف واحد. لا شك، أننا كمركزيين كان من واجبنا أن نكون ملمين بهذه الأصول من جهة وأن نكون قدوة من جهة أخرى.
علّق الزعيم عند انتهاء هذه الدورة التدريبية البسيطة بقوله «هذه نواة الجيش القومي».
وعن موضوع التدريب العسكري يوضح الأمين جريج في الصفحتين 310-311 من الجزء الثالث المشار إليه آنفاً ما يلي:
«ألّف الزعيم لجنة لوضع أسس التدريب العسكري، تألفت من عسكريين: جمال باشا الغزي الباشوية من السعودية ، صلاح شيشكلي ومنير الملاذي. كنت المدني الوحيد فيها. الغاية من وجودي هو المساهمة في الترجمة من الفرنسية أو الإنكليزية إلى العربية. لست أدري لماذا اختارني.
«كانت هذه اللجنة تعقد جلساتها في منزل بطرس المعلوف 8 . اعتمد القاعدة الفرنسية بعد درس طويل وأبحاث مستفيضة واقتصرت توجيهاتها على وضع كرّاس يضم الأسس للتدريب على النظام المرصوص ووضعت الكلمات العربية المناسبة من مثل «الرامي، الملقم، العين، أو الإيعاز» استقم واختصارها «قم» واسترح واختصارها «رح» وإلى الأمام هي بدل «سر»، وتحاذَ، توازَ وانتثر بدل «تفرق». وللمرة الأولى وضعت قاعدة «تحية الزعيم» خذّ، يحي فتقدم التحية مع الردّ بكلمة «سعاده» وتقدم التحية بوضع اليد على الصدر، لا برفعها مستقيمة، والإبهام على القلب.
« وطبع هذا الكرّاس بمنتهى السرية وعيّن الزعيم منير الملاذي مدرباً عاماً للحزب يتجوّل في المناطق ويطبق هذه التعليمات على الأعضاء الصالحين. قال الزعيم في إحدى هذه المناسبات «بدأ الحزب يصبح قوة عملية».
«تردّد الزعيم كثيراً بقبول هذا التخصيص بالتحية فأقنعه جمال باشا بضرورتها لأسباب عسكرية لا تمت بأية صلة للمفاهيم البسيكولوجية أو للتفسيرات الاجتماعية النفسية المتعلقة بالأنانية والفردية أو بالصفة الدكتاتورية فهو القائد الأعلى للقوات القومية وكفى».
ساهم الزعيم بحل مشكلة تسمية آمر نصف «الجريدة» فسماه «القومي الممتاز» ثم أعطى التسميات الآتية للرتب العليا من أمثال «الساعد، العضد»، على اعتبار الهيكل العسكري شبيهاً بهيكل الإنسان، فيحسن أن نستعير منه بعض الأسماء.
كانت هذه الأوليات في التدريب العسكري وهي تمارَس من دون سلاح. على أثر الانتهاء من وضعها والشروع في طبعها قرر الزعيم المباشرة في تطبيقها على المركزيين أولاً مراجعة مقطع «أول تدريب» أنفاً .
هوامش
1 للاطلاع على ما كنا أوردناه عن كل منهم الدخول إلى أرشيف تاريخ الحزب على الموقع التالي www.ssnp.info.
2 ادمون كنعان: من «كفرشيماط. منح رتبة الأمانة وتولى مسؤوليات قيادية في الحزب، منها عمدة المالية. اضطر للمغادرة إلى عمان لمشاركته في الثورة الانقلابية، فالى نيجيريا حيث أسس اعمالاً ناجحة. انتقل إلى باريس حيث ما زال مقيماً. بات متقدماً في العمر.
3 عبد اللطيف كنفاني: من مدينة «حيفا». أصدر عدة مؤلفات أشهرها «15 شارع عكا» وهو يتضمن سيرة ومسيرة ومعلومات جيدة عن الحزب في فلسطين. مقيم حالياً في بيروت.
4 يورد الأمين انعام رعد في الهوامش البند 1 في الصفحة 49 التالي:
«أكد منير ابو فاضل نائب سابق راحل، والد النائب السابق مروان ابو فاضل في حديث أدلى به إلى مجلة «صباح الخير» نشرته في عددها رقم 446 تاريخ 2 ايلول 1984، رفض الدول العربية اعطاء القوميين الاجتماعيين سلاحاً، وكان أبو فاضل يشغل في العام 1948 منصب قائد قوات «الجهاد المقدس» في القدس. وقال ل «صباح الخير» انه اجتمع مع انطون سعاده في بيروت حيث ابلغه سعاده بأنه على استعداد لإرسال 2400 مقاتل للمشاركة في حرب فلسطين لكن يلزمه السلاح. ويقول ابو فاضل انه اتصل بأكثر الدول العربية لكن التجاوب لم يكن حسب الطلب. ويذكر ابو فاضل انه كان بين المقاتلين في فلسطين العدد الكبير من القوميين الاجتماعيين وعلى رأسهم الدكتور يوسف الصايغ.
5 يورد الأمين انعام رعد في الهامش 2 في الصفحة 49 من «الكلمات الأخيرة» لتالي: مراجعة مقال «المساعدات القومية الاجتماعية في معارك فلسطين» المنشور في الجزء 15 من الآثار الكاملة. ص 186، نقلاً عن النشرة الرسمية ايار 1948 .. ومقال سعاده: «الرجعيون لم يعطوا سلاحاً للقوميين الاجتماعيين» في كتاب «مراحل المسألة الفلسطينية» ص 183.
6 جورج عطية: من بلدة أميون. له مؤلفات عديدة أبرزها «من حضارتنا». كان مسؤولاً عن قسم «الشرق الأوسط» في مكتبة الكونغرس الأميركي. للاطلاع عن النبذة المعممة عنه غداة وفاته، الدخول إلى أرشيف تاريخ الحزب على الموقع المذكور أنفاً.
7 أ. كنا كتبنا عن الأمناء اميل رعد، ادغار عبود، خليل ابو عجرم، ابراهيم يموت، أديب قدّورة، والرفيقين فكتور اسعد وفؤاد النجار، وذكرنا الأمينين كامل ابو كامل وفارس معلولي في كثير من النبذات. لمراجعة ارشيف تاريخ الحزب على الموقع المشار اليه انفاً.
ب. سنعمم نبذة عن الأمين رشيد الأشقر بعد أن كنا كتبنا عنه عند رحيله. مراجعة الموقع آنفاً. كذلك عن الرفيق محيي الدين كريدية.
ج. فكتور كلارجي: من اوائل رفقائنا في كفرشيما، غادر إلى المهجر.
8 بطرس معلوف: والد الأمين السابق فخري والأمين فوزي والرفقاء رشدي، حلمي، فايزة انتيبا، وكمال أبو شعر.