«لسيّدة عراقية» رسائل شعر وحنين لتحسين عبد الجبار

من رضاب فيصل: في المجموعة الشعرية «لسيدة عراقية» للشاعر العراقي تحسين عبدالجبار نوع من الشعر الموزون ذي التفعيلة، في صورته الغنائية الموسيقية، لحالات متشابهة ومختلفة من الرومانسية بهيئتها الماضية، فالزمن الماضي بات غريباً عن راهننا اليوم. كأن الشاعر يريد استعادة كل ما هو جميل من خلال الشعر.

صدرت المجموعة حديثاً لدى دار «الرافد» الصادرة وتضمّ 32 قصيدة ومقطعاً شعرياً، ومقدمة للدكتور عمر عبدالعزيز، تطرق فيها إلى الجو العام الغالب على أوراق المجموعة، محاولاً بكلماتٍ وعباراتٍ قليلة اختصار ما أراده تحسين عبد الجبار في قصائده. كتب عبدالعزيز: «يسافر بنا الشاعر تحسين عبد الجبار في زمن الشعر العربي النابع من ثقافة التأصيل الشعري الإحيائي، والممسك في آنٍ واحد بحمرة التخطي الإبداعي، بل الواقف عند هذا الشرط الجبري في زمن الشعر، كما تنساب خيوط نسيجه الحريري متداعية مع أنثى الوجود، وزهو الطبيعة، ومعنى الحب، فلننحنِ معه «للسيدة العراقية» المثقلة بالوطنية والجلال، والموسومة بخواتم الروائح والزخارف والنقوش، والمموسقة بتهاديات الألوان وأقواس قزح. نحن هنا أمام نص من نصوص جامعة، مزاجها البصري سديم يفضي إلى إشارات تتبلور حد التجسيم، وتتعانق في مفاهيمها حدّ التراسل، وتترقى في مدى عوالمها الداخلية المترعة بالأفراح والأتراح. يحيلنا النمط الشعري واللغوي في المجموعة على أصول الشعر العربي القديم. إذ يصر شاعرنا على إعادة تفعيل الثقافة القديمة، بوصفها خالدة تناسب كل زمان ومكان. وها الغزل لديه يتحوّل إلى سطور متناسقة الحروف والقافية، غير آبهٍ بما فرضه الشعر الحديث على نمط الثقافة العربية المعاصرة».

تتراوح معظم مفردات عبد الجبار بين السهولة والوضوح، ولبعضها نصيب من الصعوبة، أو بمعنى آخر من التدخل الشعري الذي حول أوزانها إلى أخرى تناسب الوزن العام للقصيدة.

مواضيع كثيرة في المجموعة، استوحاها الشاعر من ذاكرة الطفولة، في عبارات غنائية تشبه أهازيج الصباح في القرى. ففي قصيدته «طفولة في الريف» يستعيد عبد الجبار طفولته مع «امرأة» قد شاركته تفاصيلها، فيستعيد أمامنا الحقل والنهر والندى والروابي، رابطاً الطبيعة الجميلة والنضرة بالذكريات الحلوة التي غابت: «أوتذكرين؟ سحر النهير بدفقه الهادي الحنين/ينساب عبر الحقل مندفعاً مرفوع الجبين»/، ويقول أيضاً: «نروي حكايات نسيت شخوصها عبر السنين/ حتى إذا اكتمل الحديث وكاد نجم أن يبين عدنا نسابق بعضنا عبر المزارع راجعين».

للطبيعة حصة كبيرة من المخزون الشعري في «لسيدة عراقية» وتكاد تحضر في جميع القصائد. إنها الطبيعة الجميلة التي تشبه بروعتها ورونقها جمال تلك السيدة. كذلك تشكل الطبيعة هنا أرضية رومانسية تحتضن الحب الصافي والنقي، تشبهه وتمده بالروح. وجاء في قصيدة «حديث مع القمر»: «طل كل ليلك يا قمر/فلقد عزمت على السهر/ آليت أن أرعى نجومك ما تجمع وانتشر/وأظل أرقبها تحوم حول عرشك في خفر/وابعث بنورك ساطعاً/يزجي السعادة للبشر/ لتصوغ منه ضفائر الذهب المرصّع بالدرر».

اعتمد الشاعر كثيراً على السرد، كاتباً قصائد كاملة يقصّ من خلالها الحكايا متطرقاً إلى الحوار أحياناً، ليخبرنا عن تفاصل حصلت بينه وبين سيدته الرائعة، كيف حدثها وماذا قالت له؟ كيف التقاها مصادفةً، وماذا فعل حينها؟ والتقينا مرةً ثانية/فهفا قلبي وغنى وتري/قلت إني اشتقت يا سيدتي/لأرى وجهك وجهة القمرِ».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى