أزمة النظام البرلمانيّ الأردنيّ

عمان ـ حسن عجاج عبدات

كثرت الحلول والاقتراحات في الآونة الأخيرة، ومعظمها يرسم نهجاً أو مخططاً للسياسة الأردنية في الداخل والخارج، ويؤكد أن أزمة الأردن سياسية في الدرجة الأولى وتكمن في بعض المبادىء التي يقوم عليها نظامه البرلماني، وفي قانوني الانتخاب والأحزاب المدرجين على جداول جلسات مجلس النواب الحالي. ويجمع المواطنون على عدم وجود أحزاب سياسية منظمة قادرة على المنافسة، ويعتبرون أن الشرط الأول للإصلاح السياسي هو فصل السلطات، وعدم تغوّل إحداها على الأخرى،وتبنّي النظام الديمقراطي الذي يسمح لكل محافظة بتبني نظام حكم ذاتي خاص بها. ومن أسباب تعثر النظام البرلماني عدم توافر الشرط الأساسي لنجاحه، ونعني به عدم وجود أحزاب قادرة وفاعلة، فالنظام البرلماني لم يترعرع ويلاق نجاحاً وانتشاراً إلاّ في البلاد التي يتنافس فيها حزبان أو ثلاثة تنافساً شريفاً نزيهاً، وإن تعدد الأحزاب وانقسامها على بعضها ، وفقدان روح التنظيم الحزبي فيها، هما اللذان تسبّبا بإضعافها وعدم قدرتها على التمثيل النيابي. إن الأحزاب المنظمة هي بمثابة العمود الفقري للنظام البرلماني ،ولعل أكبر خدمة يمكن أن تقدمها إلى الوطن جمعها المواطنين من مختلف المشارب وتوحيدهم وتمكينهم من الالتقاء فوق صعيد واحد من الوطنية ، وإذا كنا نوجه بعض الانتقادات إلى النظام البرلماني الحالي، فلاعتقادنا بأن الانتقاد النزيه الحر هو خير طريق للإصلاح وخير طريق لتنبيه المسؤولين والرأي العام إلى الأخطاء المرتكبة في كيفية تطبيق النظام البرلماني. تحتم النظرية البرلمانية تطبيق مبدأ فصل السلطات، الذي أثبتت التجارب أنه لا يزال الحقيقة الأولى المستمرة حتى الآن، وإذا تجمعت السلطة في يد شخص واحد كان طغيان وتعسف، ولا فرق في ذلك بين كون الشخص واحداً أو جماعة.


إن الحكومة البرلمانية لا تقضي بفصل السلطتين التنفيذية والتشريعية فصلاً تاماً ، كما أنها لا تمزج بينهما، إنما تقضي بتداخل متبادل بينهما فحسب، لأن النظرية البرلمانية تفقد قيمتها اذا تجمعت السلطات كلها في يد سلطة واحدة، ولم تلق النظرية البرلمانية أي تطبيق صحيح، فرؤساء الحكومات والوزراء ممن يُعينون تعييناً مباشراً، والتعديلات الدستورية التي تمت، كانت ترمي إلى إندماج السلطات،وتشابك بعضها ببعضها الآخر وشلّ توافقها لمصلحة السلطة التنفيذية.

إن وجود مجلس نيابي ينتخبه الشعب ليمثله ويدافع عنه، عنصر مهم من عناصر النظام الديمقراطي. ومجلس الأمة يتكون من مجلسين ، أحدهما منتخب من مجموع الناخبين، والآخر مشكل من قبل جلالة الملك. تبنى الأردن نظام المجلسين في دستوره، ولا يزال هذا الوضع قائماً. عُلّقت الآمال على مجلس الأمة بإحداث الإصلاحات المنشودة في أجهزة السلطة، لكن هذه الآمال لم تحقق الإصلاحات حتى الآن بسبب بعض القوانين المعّوقة وفي مقدمها قانون الإنتخاب الحالي، وهو قانون الصوت الواحد الذي يعوق مسيرة الإصلاح السياسي في البلد.

تعتبر الانتخابات القاعدة الأساسية للحكومة الديمقراطية، وهي أسلوب الديمقراطية الحديثة لاختيار الحكّام من المحكومين، والانتخابات وسيلة يتم بواسطتها اختيار الأشخاص الذين يُعهد إليهم باتخاذ القرارات ورسم السياسة العامة في الدولة. وتأخذ الإنتخابات أشكالاً مختلفة بحسب شكل النظام السياسي وأسلوب التنظيم الإنتخابي المتبع.

يمثل النائب داخل السلطة التشريعية الأشخاص الذين انتخبوه في دائرته الانتخابية كما يمثل الأمة بأكملها لأنه عضو في سلطتها التشريعية العامة، وتتراوح فترات أعضاء السلطة التشريعية في مختلف الدول بين سنتين وست سنوات، وفي النظام البرلماني قد تؤدي الأزمات السياسية إلى تقديم موعد الإنتخابات فتُجرى قبل وقتها المحدد، والانتخاب هو أفضل وسيلة عملية لإقامة حكومة ديمقراطية وهو الوسيلة الفاعلة لتوسيع نطاق المشاركة النيابية، فهي تعطي الفرصة لكل مواطن للمساهمة في عملية الممارسة السياسية والمشاركة في اختيار القيادات السياسية، والتأثير في رسم سياسة الدولة العامة. والانتخابات تمنح المواطن فرصة الإفصاح عن رغبته في اختيارالمسؤولين الذين يعتقد أنهم مناسبون للمراكزالحكومية، وهي الوسيلة لحضّ المسؤول الحكومي على أن يكون أهلاً للمسؤولية ، وأن يسعى جدياً إلى إرضاء الأفراد الذين انتخبوه، والذين يتوقف مستقبله السياسي على تقديرهم لجديته وإخلاصه وإنتاجه واستجابته لمطالبهم.

تحتاج الدولة إلى أعمال التشريع والتنفيذ والقضاء، وليس القصد من توضيح تداخل السلطات تقليل أهمية مبدأ فصل السلطات. فإذا أملت ضرورة الممارسة الفعلية التوسع في تداخل السلطات، فإن فصل السلطات لم يزل الأمر الذي يحدد جوهر الحكومات الديمقراطية التي تتميز تركيبة سلطاتها الثلاث وعلاقتها بعضها ببعضها الآخر، تبعاً للنظام القائم في كل منها. وفي ظل مبدأ فصل السلطات تتولى الهيئة التشريعية مهمات التشريع وسن القوانين العامة في الدولة، وتكون الهيئة التشريعية سلطة تشريعية إذا استمدت حق التشريع من ذاتها ولم تمارسه نيابة عن الهيئة التنفيذية.

وتختلف السلطة التشريعية سواءً في تركيبتها أو أعمالها التي تقوم بها من دولة ديمقراطية إلى أخرى، وتعتمد التركيب إما نموذج المجلسين أو نموذج المجلس الواحد، ومعظم الدول تعتمد نمط المجلسين التشريعيين، ويعود انتشار نموذج المجلسين إلى أسباب عملية تتحدد في ضرورة وجود المجلسين، وضمانة صدور تشريعات أكثر ملاءمة للدولة ومدروسة على نحو جيد.

نائب قومي أردني

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى