الحذر… لا يُنجي من الخطايا!
فاديا مطر
تصنيف التمييز بين «معتدل» وغيره هو كرة النار التي لعب بها أصحاب مَن أثقلوا «فيينا» بصراخ مزج التنظيمات الإرهابية في صفوف المعارضة السورية، لتنعقد قمة العشرين في منتجع «أنطاليا» الساحلي بحضور الرئيس الأميركي باراك أوباما وقادة عشرين دولة في العالم، غابت عنها كرسي الرئاسة الفرنسية واستبدالها بكرسي الخارجية. فالقمة أُدرجت فيها مكافحة الإرهاب وأزمة اللاجئين من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لتطغى المسائل السياسية على المسائل الاقتصادية وتتصدرها المستجدات من دمشق المتقدمة عسكرياً إلى باريس المتراجعة أمنياً، للوقوف على تفاهمات سياسية قد يؤدي الاختلاف فيها إلى فشل رسم خريطة التسويات الممزوجة بمكافحة الإرهاب من العراق إلى سورية ولبنان فأوروبا التي تحضر على وقع استعداد تركي لتقديم ورقة تعيد المسارات إلى مقاربات «المنطقة العازلة» بشروط توسيع الحرب على تنظيم «داعش».
لكن ما يُجدي هو بقاء مكافحة الإرهاب أولوية، وأولوية وحيدة تحمل حلولاً جذرية لما قد يطال عواصم أخرى، جراء النظرة القاصرة التي لم تجنب الغرب تبعات وقائع فرضها على نفسه، أدت إلى ما التهب من الميدان السوري لخمس سنوات مضت، كما أكد الرئيس السوري بشار الأسد عقب انفجارات باريس بأنها «تشبه ما كابد منه السوريون لخمس سنوات»، وهو ما حذرت منه دمشق مراراً بأن فشل احتواء الإرهاب في الدول التي أراد لها الغرب أن تكون مأواه، هو ما أحدثه في قلب الثوب الأوروبي، وأن أي ادعاء عكس ذلك هو تغليب للرغبات الصهيو ـ أميركية وحلفائها. فالوضع السوري رسم معالم نظام دولي جديد يرتكز إلى قطبية دولية متعددة الرؤوس، والتعاون الروسي ـ السوري العسكري مع المقاومة أبرز الفشل الدولي الغربي والتورط الإقليمي بالإرهاب المنتشر على الجغرافية السورية والعراقية والذي بدأ يدق أجراس الإنذار في أماكن أخرى كانت حليفته لسنوات، وما الهروب من الغرق في مستنقع الفشل بقبول مئات آلاف اللاجئين إلا للضغط السياسي على التحالف الروسي، والذي بدوره فجّر أزمة أمنية في أوروبا التي دمجت أصوات «السلام المزعوم» مع أصوات الرصاص في الدول التي استهدفتها في إرهابها «المعتدل»، ليستبين فشل آخر في تجربة تجزئة الإرهاب وتصنيفه. وهو ما ألحق الغرب بمعالجة قاصرة عبر اتهام اللاجئين واعتبار القضية مفتاحاً لطردهم من أوروبا والسير نحو «المناطق العازلة» مجدداً، وهو ما سيزيد بدوره القضية قصوراً ويُجهض الحلول السياسية.
فـ»داعش» الباريسي لم يترك للرئيس الفرنسي «هولاند» مساحة لإقناع الفرنسيين، خصوصاً بعد استيعاب هول الصدمة بأن سياسته الخارجية التي زادت عن الإصرار الأميركي في سورية، لم تكن وراء الظهور «الداعشي» في باريس، وبأن تسويقه من قبل وزير خارجيته للجماعات الإرهابية عن أنها «معتدلة» لم تجعل فرنسا ضد الموقف الروسي الداعي إلى أولوية محاربة «داعش» والتكفيريين، لتكون باريس بسياستها الخارجية التي تعتبر ريالات الوهابية «برداً وسلاماً» هي أول جسر عبور قادته فرنسا وساهم بتمدد «داعش» في شوارعها. وهي أحداث في قلب مناخ يعطي الدروس لمن يتهاون في ملف الإرهاب.
ها هي أوروبا تدفع ثمن لفّها ودورانها بمحاربة ما ساهمت بإنتاجه من إرهاب وتبييضها صفحة التنظيمات الإرهابية وتقديمها كصناعة يمكن تدويرها وإعادة استخدامها. وهو ما رآه الرئيس الفرنسي أثناء تواجده في ملعب رياضي يتابع فيه مباراة فرنسية ـ ألمانية بأمّ عينه، ليكون الحذر غير منجٍ من الخطايا وإحاطة الإرهاب بسياج حريري لا يمنعه من التسرب إلى الشرفات التي أشرفت عليه والتي تبدأ من تركيا وما طمحت إليه من النافذة السورية إلى ما طمحت إليه «الإخوانية ـ الصهيونية» على نوافذ أوروبا التي عادت إلى قمة العشرين في «أنطاليا» التركية على وقع «التكتيك السياسي» بعد فشل «التكتيك العسكري» المدعوم غربياً وعربياً، ومحاولة تغليب معالجات عاقلة لملفات عالقة دعا إليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وقتٍ مضى وأكد استمرارها سماحة السيد «نصر الله» في خطابه الأخير بأن «الحزب سيبحث عن جبهات مفتوحة مع «داعش».
إن تركيا التي شهدت أمس تفجيراً انتحارياً من «داعش» نفسه في مدينة «غازي عنتاب» أوقع جرحى في صفوف الشرطة التركية، هل يشير إلى أن تركيا ستكون على ضفة الاستهداف بسبب استضافتها قمة العشرين الداعية إلى مكافحته؟ أم أنها ستبقى تحت تأثير ما جرى في «فيينا» في رسم معالم مقاربة «المنطقة العازلة» مقابل الدعم ضد «الكردستاني»؟
فاديا مطر