الإرهاب واحد… الأدوات مختلفة لكن المعايير مزدوجة

راسم عبيدات

الإرهاب هو الإرهاب ولا يجوز لصقه بجماعه أو مذهب أو دين محدد فالإرهاب عابر للقارات، وكذلك لا يجوز التفريق أو التبرير في التعاطي مع الإرهاب على أساس الأصل القومي أو توظيف هذه الجماعة الإرهابية أو تلك خدمة لأهداف وغايات ومصالح دول أو أحزاب أو أفراد، والإرهاب مارسته دولة أو أحزاب أو أفراد لا يجوز التستر عليه، أو دعمه وتشجيعه ومنحه الجوائز بالسيطرة على الحكم، ولكن ما يحدث ونرى أن الإرهاب يجرى التعاطي معه وتفسيره على أساس المصلحة والهدف والمنشأ والأصل القومي، وهنا نجد بأن الأمثلة صارخة ومدوية فما يتعرض له شعبنا الفلسطيني من إرهاب منظم على يد دولة الاحتلال «الإسرائيلي» حيث شعب أعزل طُرد وشرد عن أرضه منذ 68 عاماً بفعل العصابات الصهيونية، يحرم من حقه في العيش والعودة الى أرضه، بل وحتى العيش على جزء من أرضه في دولة مستقلة كباقي شعوب البشر، ويجرى وسم نضاله المشروع من أجل نيل حريته واستقلاله من قبل الشرعية الدولية والقانون الدولي بأنه «إرهاب» في حين يتم توصيف ما ترتكبه «إسرائيل» من جرائم بكل أشكالها وعناوينها من إعدامات وتصفيات ميدانية بحق المواطنين العزل، والتي كان آخرها جريمة اقتحام ما يسمى بالمستعربين للمشفى الأهلي في الخليل وإطلاق النار في أقسامه وقتلها للشهيد عبدالله الشلالدة الذي لم يكن لا مسلحاً ولا مطلوباً ولا يشكل خطراً على قوات الاحتلال، وقس على ذلك ما تعرضت له المستشفيات والمؤسسات الطبية الأخرى في الضفة الغربية والقدس من عمليات اقتحام وإطلاق للقنابل الغازية والصوتية في ساحاتها وبالقرب من أقسامها، مستشفى المقاصد نموذجاً، وليس هذا فقط بل ما يستخدم من عقوبات جماعية بحق شعبنا ترتقي إلى جرائم حرب ضد الإنسانية والقانون الدولي من هدم للمنازل وسحب للإقامات وترحيل وإبعاد عن القدس والأقصى والاستيطان المدمر والجرائم بحق الأسرى والمعتقلين والاحتفاظ بجثامين الشهداء وغيرها، بأنه دفاع عن النفس ولعل ما قاله أوباما في لقائه مع نتنياهو أخيراً ورسالة كيري للرئيس عباس، تكشف بشكل جلي، بأن من يحاولون القول بأنهم يحاربون الإرهاب، هم أول من يدعمونه ويقفون إلى جانبه ويشجعونه على التطاول وعدم الانصياع للقانون الدولي والإنساني وعدم احترم أي مواثيق واتفاقيات دولية.

كل الجرائم التي ترتكب بحق شعبنا ومصادرة حقه في الحياة والبقاء بحرية وكرامة، لم تحرك ساكناً عند من يدعون حمايتهم ودفاعهم عن الشرعية والقانون الدولي، وعن قيم الحرية والديمقراطية، والذين هم أول من «يعهرونها» ويستخدمون المعايير المزدوجة في تطبيقها.

الإرهاب ضرب في عين السكة في الضاحية الجنوبية من لبنان قبل ثلاثة أيام، وراح ضحية تفجيراته الإجرامية من قبل عدد من القتلة والمجرمين المتوحشين عشرات الشهداء من المواطنين الأبرياء ومئات الجرحى، وهذه التفجيرات التي جرت نعرف بأن من استخدموا تلك العناصر الإرهابية في هذا القتل الإجرامي المقزز، يستهدفون وحدة لبنان واستقراره والسلم الأهلي فيه، و»شعبنة» الفتنة المذهبية سني شيعي، وزجهم لأسماء فلسطينية وهمية شاركت في تلك التفجيرات أيضاً يراد له تحريض المقاومة والشعب اللبناني على شعبنا الفلسطيني، وكذلك يراد من ذلك وقف دعم ومشاركة حزب الله والمقاومة اللبنانية للجيش السوري في حربه على المجاميع الإرهابية هناك، وهذا دليل فلس وانهيار ودخول تلك العصابات المجرمة في أزمة عميقة جراء ما يجري لها منا على يد الجيش العربي السوري وحلفائه في المناطق التي يسيطرون عليها.

هذه الأعمال الإرهابية جرى التعامل معها بلغة المصلحة والتوظيف والتبرير من قبل الغرب الاستعماري ومشيخات النفط والكاز دفيئيات وحواضن تلك الجماعات الإرهابية، ومن أمدّها بالمال والسلاح والرجال، لكي تمارس كل أشكال القتل والإرهاب والخطف والتعذيب والتدمير والتطهير العرقي، ولكن لم يجر التصدي ومحاربة تلك الجماعات الإجرامية والإرهابية والتنبه لخطرها، سواء على الأرض السورية أو العراقية أو الليبية أو المصرية أو التونسية أو في الضاحية الجنوبية، بل كان يجرى توظيفها خدمة لمصالح ومشروع يراد له تدمير كامل المنطقة العربية وإغراقها في حروب التدمير الذاتي والفتن المذهبية والطائفية وتقسيم العالم العربي المقسم تقسيماً جديداً على أسس طائفية ومذهبية، ولكن بدا التحرك للتصدي لهذه الجماعات الإرهابية من القاعدة ومتفرعاتها «داعش» و»النصرة» و»فتح الإسلام» و»أحرار الشام» و»جند الشام» وغيرها، ولكن أيضاً في إطار توظيفي وتفريقي بين إرهاب جيد وإرهاب سيئ، عندما شعر الغرب الاستعماري وأميركا بأن خطر تلك الجماعات الإرهابية سيرتد عليها، بعد عودة تلك الجماعات الإرهابية إلى بلدانها من سورية والعراق وليبيا وغيرها، حيث حدث أكثر من تفجير إجرامي في أكثر من عاصمة أوروبية ومشيخة خليجية.

فرنسا الداعم الأول للإرهاب في سورية وفلسطين وغيرها، والتي كانت تقاتل في فيينا بشكل قوي حول من هي التنظيمات التي يجب تصنيفها كتنظيمات إرهابية أو غير إرهابية ويحق لها أن تكون جزءاً من المشاركة في الحل السياسي للأزمة السورية، ضربها أمس الإرهاب مجدداً وعدد القتلى تجاوز المئة وخمسين والجرحى تجاوز المئتين، من يوظفون الإرهاب ويشغلونه حتماً سيكتوون بناره، ولعل تجارب الجهاد الإسلامي العالمي، جماعة القاعدة والعرب الأفغان، الذين جندتهم أميركا وأمدتهم بالسلاح والسعودية بالمال والرجال من أجل محاربة الروس في أفغانستان، حيث انقلبوا على مشغليهم الذين حولوهم من مناضلين من أجل الحرية الى قتلة وإرهابيين ومجرمين بعد انتهاء الدور والهدف والمهمة من التشغيل.

الإرهاب يجري التعامل معه على أساس المعايير المزدوجة والمصالح والانتقائية والأصل القومي، حيث الذرائع والحجج والتبرير والمصوغات جاهزة لتبرير ارتكابه سواء في فلسطين أو سورية أو العراق أو مصر أو اليمن وليبيا والضاحية الجنوبية، ولكن عندما يضرب باريس وقلب العواصم الغربية، يتقاطر كل الزعماء الأوروبيين وتوابعهم من العربان في المشيخات الخليجية وغيرها، من أجل التنديد والاستنكار والتوعد والتهديد والمشاركة في المسيرات المنددة بهذا الإرهاب المدمر.

نحن في فلسطين أول من نكتوي بنار هذا الإرهاب الذي يمارس بحقنا، وكذلك في سورية والعراق والضاحية الجنوبية وليبيا ومصر واليمن، نطالب بأن يجرى التعامل مع الإرهاب وفق قاعدة عامة متفق عليها وبما ينسجم مع قوانين وقواعد الشرعية الدولية، سواء الممارس من قبل دول أو جماعات أو أفراد، فلا يوجد إرهاب جيد وإرهاب سيئ، ولا يوجد إرهاب مبرر وإرهاب غير مبرر، ومن يتقاطرون الى باريس من أجل إدانة التفجيرات الإرهابية ونحن كشعب فلسطيني مظلوم مقهور يكتوي بنار إرهاب دولة «إسرائيل»، نعلن إدانته واستنكاره، ومن يريدون محاربة الإرهاب فعلاً عليهم التقاطر إلى الشام والعراق والضاحية الجنوبية وشرم الشيخ وعدن وطرابلس من أجل إدانته واستنكاره، والعمل على تجفيف منابعه ومصادره المالية، وتدمير بناه وقواعده المؤسساتية والخدماتية والإغاثية، وإغلاق ووقف كل منابر الفتن المذهبية والطائفية والتحريضية الإعلامية والدينية، ووقف دعم ومساندة الدول التي ترعاه وتحتضنه، وعزل ومقاطعة الدول الممارسة له اقتصادياً وسياسياً وفرض عقوبات عليها وجلب قادتها للمحاكم الدولية كمجرمي حرب حتى تكون المعالجة ناجحة وفعالة.

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى