تقرير

كتبت مجلة «فير أوبزرفر»: منذ التدخل العسكري الروسي في سورية، صار واضحاً أن السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط لن يكتب لها البقاء في شكلها الحالي.

خلال شهر واحد من الحملة العسكرية الروسية في سورية، أصبح واضحاً أن السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط تخسر على الأرض، وربما تتجه نحو حالة من الانهيار. لم يتم فقط منح نظام الرئيس السوري بشار الأسد قبلة الحياة بفعل الضربات الجوّية الروسية، إنما أيضاً بدأت إعادة تنظيم المصالح في الحرب ضدّ تنظيم «داعش» الآن لمصلحة مشاركة موسكو في العراق. يجري ذلك في حين أن جميع الأحداث الإقليمية تتحرك بسرعة فائقة وتفوق القدرات الاستراتيجية والحكيمة للساسة الأميركان.

لا شيء من هذا يبشر بالخير بالنسبة إلى المصالح طويلة الأجل في الولايات المتحدة، ولم نصل حتى إلى الجزء الأسوأ من المشهد حتى الآن.

منذ بدء الضربات الجوية أواخر أيلول الماضي، لعبت روسيا دورها بوقاحة. لم تستهدف موسكو تنظيم «داعش» بقوة، وبدلاً من ذلك، عزّزت من استهدافها تنظيمات «جبهة النصرة»، «أحرار الشام» والفصائل المتمردة الأخرى ممن يرتبط البعض منها بصلات مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية . تلك الفصائل التي تضغط بشكل مباشر على معاقل النظام السوري. ونتيجة لهذا التدخل، أصبحت إيران أكثر جرأة ونشرت حوالى 2000 جندي لمساعدة الجيش السوري في هجومه على المدينة التي يسيطر عليها المتمرّدون في حلب.

من المنظور الاستراتيجي الأميركي، هذا ينذر بكارثة على صعيد السياسة الخارجية. ولكن لماذا؟

في حال تمكن الجيش السوري من استعادة السيطرة على حلب بدعم من الضربات الجوية الروسية والقوات البرية الإيرانية، سيحاول الرئيس الأسد تعزيز سيطرته على المدن إلى الغرب من سورية، بما في ذلك دويلات المتمرّدين الفردية على محيط الساحل العلوي. من شأن ذلك أن يقوّض بشكل كبير استراتيجية «إذلال داعش وهزيمته» التي يتبناها الرئيس الأميركي باراك أوباما في نهاية المطاف، بغضّ النظر عن إعلان الإدارة الأميركية نهاية الشهر الماضي عن أنها سترسل قوة متواضعة لا تتجاوز 50 من عناصر القوات الخاصة التي ستُنشر في سورية.

وما زاد الطين بلة، أن سبق كل هذه الأحداث تنفيذ اتفاق تبادل المعلومات الاستخبارية المشتركة في نهاية أيلول، والتي جمعت العراق وإيران وسورية تحت محور جديد من التعاون يجري بقيادة روسيا.

عند إضافة كل هذا، يبدو موقف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط غير قابل للدفاع عنه، لا بل معزولاً حتى.

بعض من هذا هو فشل مدوي للتعبير عن استراتيجية إقليمية، وليس فقط للشعب الأميركي، ولكن الأهم من ذلك للعراقيين والسوريين أنفسهم، والذي من المحتمل أن يكون قد ولد تحالفاً قد يتماشى مع مصالح الولايات المتحدة في المنطقة. وفي حين أن سياسة الولايات المتحدة هي «إذلال داعش وهزيمته»، فإنها في الواقع لا تقدّم سوى أساس للردع. لا تقدّم هذه السياسة أيّ نوع من الانتصار المستدام.

وبعد سنة واحدة من العمليات العسكرية ضدّ «داعش»، والمعروفة بِاسم عملية «الحلّ المتأصل»، لم تكن الولايات المتحدة قادرة على ضرب ضربة قاضية ضدّ «الخلافة» التي نصبت نفسها. وقد تمّ شنّ غارات جوية يومية، ولكن كان هناك القليل على صعيد الدعم الأرضي الفعلي، وهو ضرورة حتمية لهزيمة عدوّ ماكر مثل «داعش». عدم النجاح المحيط بالحملة يغذّي الاعتقاد بأن الولايات المتحدة أصبحت الآن جزءاً من المشكلة، ما أعطى روسيا مساحة لتحقيق مصلحتها الخاصة على حساب واشنطن.

فقط الولايات المتحدة تستطيع أن تستحضر هذا الاسم التحرّري لحملة لا يمكن أبداً أن تفوز بها في الواقع. «الحلّ المتأصّل»، ربما يقول المزيد عن السياسة الواهية المحيطة بالحرب مع «داعش» أكثر من الصراع نفسه.

حتى في العراق، حيث يجب أن يكون الدعم الأميركي مستقراً نسبياً نظراً إلى أكثر من عشر سنوات من بناء الأمة، كبار السياسيين يدعون الآن إلى مشاركة روسيا بدرجة أكثر عمقاً.

في بيان صدر في الحادي عشر من تشرين الأول الماضي، قالت عضو البرلمان العراقي علية نصيف: «الأميركان خدعونا على مدى السنوات الـ12 الماضية». وانتهى البيان بما يلي: «إن القوى السياسية يجب أن تتحمل اليوم مسؤولية وطنية وتاريخية، كما يجب علينا أن نستثمر الفرصة التاريخية للشعب العراقي في السماح لروسيا بشنّ الهجمات المباشرة ضدّ داعش». وأعقب ذلك اعتراف يوم 14 تشرين الأول من النائب العراقي حكيم الزاملي، رئيس لجنة الدفاع البرلمانية القوية، أن الاستخبارات الروسية تم الاستعانة بها من قبل قوات الأمن العراقية لاستهداف قادة «داعش».

في الوقت الحاضر، أشارت مصادر رسمية من القيادة المركزية الأميركية إلى أن لا طلب كهذا من الحكومة العراقية قد صدر للروس. لكن مصادر أمنية غير رسمية داخل العراق لم تستبعد حدوث مثل ذلك الأمر.

فقدان هذا النفوذ يلفت الانتباه إلى وجهة نظر أكثر دقة من الشروط المسبقة التي وضعتها الولايات المتحدة لمشاركتها في الحرب ضدّ «داعش» والأسد. هذه الشروط غير طبيعية تماماً لمسار الصراع ومبنية على أجندات سياسية لا تُبنى على مواقف استراتيجية واقعية، ولكن على مواقف أيديولوجية راسخة لا طائل منها في حرب ضدّ فصيل لا يمثل دولة كـ«داعش».

في العراق، كان ذلك يعني تجاهل دعم عمليات تقودها وحدات التعبئة الشعبية الشيعية المدعومة المعروفة بِاسم الحشد الشعبي، والتي ترتبط بِصلة مع إيران وتفوّقت على الجيش العراقي باعتبارها قوة القتال الرئيسة ضدّ «داعش». وفي سورية، فإن ذلك كان يعني تسليح المتمرّدين لقتال «داعش»، إنّما مع التعهد بعدم قتال نظام الأسد. ومع ذلك، لا يزال الهدف الرئيس بالنسبة إلى معظم مقاتلي المعارضة في سورية، وسيكون دائماً هو إزالة الأسد، لا هزيمة «داعش».

وقد أدّى ذلك إلى سياسة خارجية ثنائية القطب تتواجد في حالة من التناقض شبه الدائم، ما أدى إلى تآكل الثقة في نوع المساعدة التي تبدو الولايات المتحدة مستعدة لتقديمها. ويتجلى هذا أكثر وضوحاً في البرنامج الكارثي الذي تبلغ موازنته 500 مليون دولار لتسليح المتمرّدين السوريين لمحاربة «داعش»، وهو البرنامج الذي تم التخلي عنه من قبل الإدارة الأميركية في 9 تشرين الأول الماضي بسبب عدم قدرتها على إيجاد أيّ «متمردين سوريين معتدلين» وتدريبهم وتسليحهم.

في الواقع، ربما ساعد الضغط العسكري الخارجي من روسيا في إحداث قرار إلغاء المبادرة، ما يدلّ على مدى فتور البرنامج. ولم يقتصر الأمر على أن البرنامج لم يكن واقعياً بالنظر إلى خبرة «داعش» القتالية في أرض المعركة، ولكن كان أيضاً التوقع بأن الولايات المتحدة يمكن أن تطور الأهداف التي قد تخلف تلك التي تتعلق بالمعارضة السورية.

من جانبهم، لا عقبات كهذه لدى الروس، العقبات التي تكتنف الموقف الأميركي، وما يتعلق بذلك من الرؤى السياسية، والخسائر التي يخلفها الصراع، وما ينبغي أن تكون عليه استراتيجيتهم طويلة. اهتمامهم في بناء تحالف لدعم نظام بشار الأسد المعزول دولياً قد سلط الضوء فقط إلى أي مدى سيذهبون لحماية مصالح سياستهم الخارجية الخاصة، شيء ليس لدى الولايات المتحدة الإرادة ولا القدرة على القيام به. وفي هذا الصدد، من غير المرجح أن تبقى السياسة الخارجية للولايات المتحدة على قيد الحياة في شكلها الحالي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى