«إسرائيل» وتورّط ثلاثي: هل هو خرق أم تنسيق؟

روزانا رمّال

يتحدّث رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو ووزيره موشيه يعالون عن تفرّد «إسرائيل» بمعلومات رصدتها شبكات التنصُّت التابعة لجهاز أمن الموساد، بحيث تمكنت من رصد مكالمات هاتفية لقيادات من «داعش» تحدثت عن نيات شنّ عمليات مماثلة في أوروبا لتلك التي حدثت في باريس.

يُحذر نتنياهو في حصره للمعلومات بتل أبيب بطريقة أو بأخرى، من مغبة تجاهل التعامل معها في ما يتعلق بكشف خلايا «داعش» في المنطقة، لما له من أثر بالغ الأهمية على مستوى مكافحة الإرهاب والمساعدة في التوصل إلى نتائج في التحقيقات. لكنّ اللافت تأكيده حيازة تل أبيب معلومات تكفي لربط خيوط العمليات الإرهابية الثلاث التي جرت مؤخراً إسقاط الطائرة الروسية في سيناء، تفجيرات بيروت، وهجمات باريس ، وكلّ هذا أدرجه ضمن إطار الخرق الذي أحرزته الأجهزة الأمنية «الإسرائيلية» في جسم التنظيم وجهازه الأمني بأن رصدت مكالمات بين قيادات من «داعش» في الرقة السورية مع فروعها.

يودّ نتنياهو، عبر هذا الخرق الثلاثي الأبعاد، بثّ أجواء تؤكد قدرات هائلة تتمتع بها «إسرائيل» وجهازها الاستخباري الخارجي «الموساد» الذي استطاع أن يكون موجوداً في ساحات ثلاث على مستوى عالٍ من الحضور والرؤية، إذ إنّ الجهاز هو الذي زوّد بالمعلومات حول زرع قنبلة في الطائرة الروسية في سيناء، هو حاضر أيضاً في الساحة اللبنانية والفرنسية بشكل فعّال جداً، بحسب تعبيره.

لكنّ كلام نتنياهو وادّعاءاته لا تتوافق مع واقع «إسرائيل» الوجودي وأولوية التصدي للمخاطر الرئيسية التي تحيط بها. فحزب الله مثلاً، هو الأول على لائحة تهديد أمنها واستقرارها وعليه، فإذا كان الاختراق والتنصُّت بشكل عام هو عمل استخباري يتوجه نحو مصدر الخطر، فإنّ الخطر الأول هو حزب الله، بالتعريف «الإسرائيلي»، وعلى هذا الأساس كيف يمكن لـ«الموساد» اختراق خلايا «داعش» الأمنية في ثلاث دول وضمن ثلاث محطات رئيسية في زمن قياسي لا يتخطى الأسابيع، مع حصده معلومات يمكنه تقديمها لروسيا وفرنسا لتساعد في كشف ملابساتها، ولا يمكنه اختراق شبكة حزب الله التي من المفترض أنه يتعقبها منذ أكثر من 20 سنة؟ كيف يمكن لـ«الموساد» أن يحوز معلومات بهذا الحجم ولا يقدّمها سلفاً لأجهزة الدول المذكورة، كنوع من استباق الكارثة ومدّ يد العون لحلفاء له من دول أو أجهزة بينه وبينها معاهدات أمنية وعسكرية؟ من هنا، وإذا كان «داعش» ذو البنية العقائدية والتنظيمية قد أظهر تماسكاً أمام أجهزة مُتمرِّسة مثل المخابرات الفرنسية واستطاع «الموساد» خرقها، فهذا يعني أنه في موقع متقدّم ومتفوّق جداً يمكِّنه من خرق حزب الله أولاً، وتقديم معطياته للعالم وبالتالي، فهذا ليس اختراقاً بل تنسيق جدّي بين «الموساد» وخلايا «داعش».

تقول «إسرائيل» اليوم للعالم «نستطيع أن نردّ عنكم الخطر إذا تعاونتم معنا وساعدتمونا على فكّ عزلتنا الدولية منذ توقيع الاتفاق النووي الإيراني، حتى أُشيعت أجواء انكفاء «إسرائيلي» عن الحضور المباشر في أزمات المنطقة، لعدم قدرتها على إيجاد ثغرة تدخل منها، فتارة تحاول استدراج المقاومة في لبنان، وأخرى تقصف مواقع في سورية من دون أن تردّ الأخيرة. كلّ هذا يُضاف إلى ما يتناقض اليوم مع حضورها الذي تحدّث عنه نتنياهو في الملفات الثلاثة ومحاولاته إقناع المعنيين باستحالة الاستغناء عن الدور «الإسرائيلي» في مجال مكافحة الإرهاب. وعلى ما يبدو، فإنّ نتنياهو يدور حول إمكانية تبييض صفحة «إسرائيل» الإجرامية في حقّ الفلسطينيين، خصوصاً خلال الانتفاضة الأخيرة، محاولاً التخفيف من انتقادات المجتمع الدولي لها.

التطور «الإسرائيلي» يحكي فحوى لقاء القمة الذي جمع نتنياهو ــــ أوباما الأسبوع الماضي، ذلك اللقاء الذي لفت الأنظار بالانسجام الذي ظهر بين طرفين يُفترض أنّ علاقتهما كانت في أسوأ حالاتها منذ خطاب نتنياهو الشهير أمام الكونغرس والذي تناول فيه الاتفاق النووي والخطر الإيراني على «إسرائيل»، وإذ بالرجلين على أعلى مستويات الانسجام والتخطيط الاستراتيجيين.

«إسرائيل» اليوم تكشف نفسها أمام زيف مزاعم قدرات غير واقعية لم تستخدمها في خرق أجهزة حزب الله الأمنية، بل وفّرتها لخرق «داعش» فوقعت باعتراف التنسيق لا الخرق، مع مفاخرة وزير الدفاع موشيه يعالون بقدرة «إسرائيل» على إبعاد خطر «داعش» عنها، ما يوضع في إطار الاستثمار الداخلي وإرسال إشارات تطمين إلى الجبهة الداخلية التي فقدت الثقة بالأمن «الإسرائيلي» منذ عدوان تموز 2006، وباعتبار «إسرائيل» أرضاً آمنة لهم. وفي هذا الإطار يحاول نتنياهو التخلص من تداعيات هزيمة تموز والعدوان الأخير على غزة بشكل واضح ورميهما بعيداً عن نفوس «الإسرائيليين» ودعوة يهود أوروبا إلى العودة، على اعتبار أنّ الخطر يهدِّد أي مكان في العالم، علّ المهاجرين «الإسرائيليين» يعودون أدراجهم وهم الذين تحدثت التقارير عن هجرة نهائية لهم بعد عدوان تموز، فتوجه نتنياهو إليهم مستغلاً كارثة باريس، معلناً «أنّ قطاراً جوياً بانتظار مساعدة كلّ يهودي يرغب بمغادرة فرنسا إلى تل أبيب».

وبدلاً من أن يظهر من خلال كلام نتنياهو امتلاكه خيوط الارتباط بالعمليات الإرهابية الثلاث، ظهرت خيوط التنسيق الرفيعة المستوى مع «داعش» وخلايا التكفير، كاشفة عجز «الموساد» أمام خرق جهاز حزب الله أولاً، راسمة الشكوك حول مصداقية «إسرائيل» واستحالة استبعاد فكرة تورّطها وتخطيطها وسط تلقّي روسيا وفرنسا رسائلها المباشرة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى