خطة ضرب المقاومتَيْن

يوسف المصري

لم يعد خافياً أنّ الهدف المركزي والمضمَر لخطة التفجير الانتحاري في برج البراجنة كان إحداث فتنة بين مخيم برج البراجنة وجواره اللبناني.

الدلائل المادية التي تثبت ذلك كثيرة، أبرزها مسارعة «داعش» لنشر بيان يفيد بأنّ الانتحاريين المنفذين، هما فلسطينيان. وبعد تعقُّب سهل لاسميهما تبيّن أنهما قتلا قبل نحو عامين خلال تصفية الجيش اللبناني لمعقل الإرهابي أحمد الأسير في عبرا.

لقد تقصّدت «داعش» نشر إعلان تبنّيها للعملية المشفوع بمعلومة عن أنّ المنفذين هما فلسطينيان. وأكثر من ذلك، سرّبت بعض مصادرها لوسائل إعلامية بأنها ستصدر بياناً مصوّراً عن جريمتها في برج البراجنة، وذلك كنوع من ترك انطباع بأنّ بيانها عن الفلسطينيين المنفذين صحيحٌ.

ويبدو من خلال التحقيقات أنّ عملية «داعش» في برج البراجنة مرّت بمرحلتين اثنتين:

الأولى كانت تستهدف تفجير مستشفى الرسول الأعظم، لتصدر بياناً يقول إنّ «داعش» لاحقت جرحى أبطال المقاومة في سورية إلى هذا المستشفى. وتريد «داعش» من ذلك إحراز اكبر نصر إعلامي يضخّم قوّتها، وذلك لتعويض خسائرها المتعاظمة أمام الجيش العربي السوري والمقاومة في سورية. وعندما فشلت في الوصول إلى هدفها المعنوي الأساس، حوّلت العملية إلى هدف أصغر وهو استهداف شارع يكتظّ بالمواطنين في برج البراجنة. ولتعويض فشلها على المستوى الرمزي، أرادت توجيه نتائج عمليتها الإجرامية في برج البراجنة، باتجاه أن تترك في أثرها إحداث فتنة بين جمهور المقاومة اللبنانية والشعب الفلسطيني في مخيم برج البراجنة. وواضح أنّ الهدفَين الرمزي الأول للعملية والثاني السياسي لها، قد أصيبا بفشل كامل.

صحيح أنّ الإرهاب ترك ضحايا بريئة ووجعاً كبيراً من خلال جريمة برج البراجنة، ولكن الصحيح أيضاً أنّ نتيجة خطتي «داعش» من وراء عمليته الأخيرة، كانت صفراً.

ويعود الفضل في ذلك للإجراءات الأمنية ويقظة المقاومة وأجهزة الأمن اللبنانية على مستوى منع وصول الانتحاريين إلى مستشفى الرسول الأعظم، ويعود الفضل بخصوص إحباط الهدف الثاني لوعي أبناء المقاومتين اللبنانية والفلسطينية.

ثمّة هدف آخر للجريمة تمّ الكشف عنه، من قبل مصادر مطلعة، وهو استدراج مخيم برج البراجنة ليصبح مخيم «اليرموك 2». فالشقة التي أقام بها إرهابيّو خلية برج البراجنة لم يتمّ انتقاؤها صدفة، فالمبنى الذي تقع فيه الشقة كان سبق لشاكر العبسي أن انتقى شقة داخله لتكون مقراً لمجموعة من تنظيم «فتح الإسلام» الإرهابي مكلفاً آنذاك بالتغلغل إلى داخل مخيم برج البراجنة. وكان هدف العبسي حينها أن يسيطر تنظيمه على مخيم برج البراجنة وذلك في الوقت نفسه الذي يسيطر فيه على مخيم نهر البارد.

يُستفاد مما تقدّم أنّ أرشيف الإرهاب لا يزال يتفاعل في سعيه للإفادة من أمكنة واحدة وأيضاً لتحقيق أهداف لم تتغيّر، وأبرزها هدف «إسرائيلي» يريد خلق مناخات مشبوهة تؤدّي إلى ضرب المقاومتين اللبنانية والفلسطينية بعضهما ببعض، وبذلك تتخلص «إسرائيلـ« من عدوّين لدودين واستراتيجيتين لها في وقت واحد، وتزيح من طريق مشروع دولتها اليهودية قرار حق العودة للاجئين الفلسطينيين الذي تعتبر المخيمات الفلسطينية أبرز الشهود عليه.

قبل سنوات عدة وصلت إلى بيروت معلومات تحذّر من أن «إسرائيلـ« تعمل لإحداث فتنة بين مخيم عين الحلوة عاصمة الشتات الفلسطيني وجواره اللبناني، وبخاصة حيث توجد القاعدة الاجتماعية لحزب الله ومقاومته.

وقالت هذه المعلومات حينها إنّ هذا المشروع الصهيوني المغطى أميركياً، يصبح توقيته أقرب كلما أصبح الكلام عن تسوية فلسطينية ـــــ «إسرائيلية» أكثر شيوعاً.

تُلاحظ اليوم عودة الحديث عن تسوية للصراع الفلسطيني ــــ «الإسرائيلي»، تريدها تل أبيب أن تكون متزامنة مع حلّ الأزمة السورية، وأن تأتي كمكافأة لها. فهل بدأت «إسرائيلـ« بتحضير مناخات الساحة اللبنانية لفتنة بين جمهور المقاومتين، علماً أنّ وعي جمهوريهما وقيادتيهما، مضافاً إليه انتصار إرادة الدفاع عن سيادة سورية ووحدتها، يؤشران إلى أنّ النصر في سورية سيكون نصراً لفلسطين ولبنان وكلّ قضايا العرب المركزية؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى