جوبّيه يرضخ لفيون
عامر نعيم الياس
لم تكد تمضي أربع وعشرون ساعة على هجمات باريس في الثالث عشر من تشرين الثاني الجاري، حتى انبرى عدد من المسؤولين الفرنسيين السابقين والنواب الحاليين للدعوة المباشرة إلى إجراء تغيير في السياسة الخارجية الفرنسية إزاء سورية وروسيا وقطر والسعودية وتركيا. هذه الدعوة الشاملة إلى إعادة النظر في السياسة الخارجية لحكومة هولاند شملت رئيسَي وزراء سابقين هما فرانسوا فيون وآلان جوبيه عن حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية» الذي يتراسه الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي.
رئيس الوزراء الأسبق في عهد ساركوزي، فرانسوا فيون، يعتبر أحد أعضاء الحزب الأكثر دعوةً إلى مراجعة السياسة الفرنسية الخارجية وعلاقات بلاده بدول الخليج، رأى في ما جرى في باريس مناسبةً للدفع بمواقفه في لحظةٍ مفصلية لمخاطبة الرأي العام وحتى النخب، خصوصاً داخل حزبه، وقال: «يجب حشد أوسع تحالف ممكن، وإطلاق عملية عسكرية كبيرة للقضاء على داعش. علينا التوقف عن ممارسة الوهم مع روسيا، ونفهم أنه علينا العمل مع إيران، والتعامل مع النظام السوري لبعض الوقت». وتابع قائلاً: «الأسد هو المسؤول الأول عن الوضع في سورية… لكن في حالة الحرب علينا تقبّل القيود».
رئيس الوزراء الأسبق ووزير الدفاع والخارجية في عهد ساركوزي، آلان جوبيه، تأثر على ما يبدو بالهجمات، ومال إلى جهة موقف زميله رئيس الوزراء الأسبق فيون، بعدما كان من صقور الحزب المعارضين لأيّ تقارب مع سورية الدولة، وأيّ تعامل مع حلفاء الدولة السورية، إذ انتقد التحالف الدولي واصفاً عمله «بغير الفعال»، فالحكومة الفرنسية كانت تقول «لا داعش ولا بشار» لكن اليوم «تغيّر الأمر هناك هرمية، وهناك أولويات يجب علينا سحق داعش، ثمّ نرى كيف يمكننا تحقيق المصالحة بين السوريين وتغيير الأفرقاء».
إن هذين الموقفين البارزين في حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية» مضافاً إليه موقف برونو لومير وزير الزراعة الأسبق وأحد أهم أركان الحزب والذي يعدّ ممثلاً لشريحة الشباب داخله، يفهم منه التالي:
أولاً، توسّع أتباع الواقعية السياسية داخل حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية» في صفوف قيادات الحزب، لا على مستوى القاعدة. وهذا طبعاً سيؤثر في توجّهات القاعدة الناخبة للحزب الذي يتوقع أن يفوز مرشحه في الانتخابات الرئاسية المقرّرة عام 2017.
ثانياً، آلان جوبيه كان قد أعلن ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية الفرنسية للتنافس في الجولات التمهيدية عام 2016 مع مرشح الحزب الآخر نيكولا ساركوزي. وجوبيه، رئيس بلدية بوردو حالياً والنائب في الجمعية الوطنية، تعطيه استطلاعات الرأي رجحاناً على ساركوزي في الجولة الثانية من الانتخابات التمهيدية داخل الحزب بنسبة 55 في المئة لجوبيه مقابل 45 في المئة لساركوزي.
إن موقف جوبيه الجديد يعتبر انعطافةً في مواقف الرجل من الوضع في سورية والحرب على «داعش»، فهو وإن تجنّب الحديث عن تأييده الدولة السورية، لكنه تحدث عن تغيّر الأولويات في سورية وأولوية مكافحة الإرهاب.
ثالثاً، ساركوزي، الذي زار روسيا قبل أسابيع، تحدّث عن ضرورة التعاون مع موسكو في حربها على الإرهاب في سورية، وهو بذلك يسلّم بالدور الروسي وأهميته وأهمية إسناده، وساركوزي معروف بانتهازيته السياسية وبراغماتيته منذ كان رئيساً لفرنسا والتجربة السورية معه دليلٌ واضح على ذلك.
ما بعد هجمات باريس ليس كما قبلها، والنخب السياسية الفرنسية لن تستطيع بعد الآن مسايرة حكومة هولاند والتغاضي عن الثغرات في سياسته الخارجية، تلك الثغرات التي ترجّح كفة حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية» لحكم فرنسا عام 2017، والتي تسمح ببداية مرحلة جديدة في العلاقة مع سورية لا مكان فيها للشخصنة التي تبناها هولاند وفابيوس بشكلٍ أعمى.
كاتب ومترجم سوري