سئمنا سياسة المكيالين

شهناز صبحي فاكوش

تباعاً، حدثت تفجيرات اللاذقية، جنوب لبنان، باريس… الرابط هو «داعش» الذي تبنّى الأعمال الإرهابية. العالم يدين ما حدث في باريس، واهتزت عمائم المشايخ وانهالت دموع البيت الأبيض مدراراً واشتدّ نحيب أردوغان وحكام العرب.

أوباما يتباكى ويقدّم المعونات لباريس بلا حساب، والجميع يعتذر لأهالي الضحايا. أما التفجيرين الإرهابيّين في ضاحية بيروت الجنوبية، فيعتبرون أنهما وقعا في معقل لحزب الله، وبعد الاستهجان يعتذرون. كم يخطئون وكم يعتذرون؟ الكيل بمكيالين سياسة أصبحت هوية الإدارة الأميركية.

أما ما يحدث في سورية منذ خمس سنوات ويستمرّ فلا تهتزّ له عمامة، ولا تُذرف عليه دمعة، ولا يندّد به أحد. لا يأخذ أكثر من بضع كلمات بحروف صغيرة في الصحف، أو يمر خبراً عابراً. هل دماء الباريسيين أغلى بالمكيال الأميركي؟

تبّاً لبعض من يُدعونَ حكاماً عرباً… تُنتهَكُ حرمة الفلسطينيين منذ عشرات السنين، وهم لا يملكون إلا الصدور العارية، وأيدٍ احتارت بم تواجه عدوها، بحجر أم سكين، والعرب يتفرجون ولا معين… القدس تُهَوَّد والمسلمون صمٌّ بكمٌ عميٌ…

أما في التآمر على الأمة، ولا أشطر أصحاب قرار في ضرب ليبيا، وموحدي جيوش ضدّ اليمن. وتجاه سورية فهم التلاميذ النجب، يحفظون دروسهم وينفذونها بحذافيرها ويتبارون في تنويع المنتج.عرباً عملاء، وغرباً مستعمرين عبر التاريخ…

تَخطِفُ هجمات باريس الإعلام المختلف. تبشر بها «يديعوت أحرونوت الإسرائيلية» بحرب عالمية ثالثة، لكنّ السؤال الأهم: هل هي حرب جيوش؟ هي حربٌ دخلت كلّ البيوت، حربُ تفتيتٍ في العلاقات، وحرب تخريب في الفكر. والهدف الإسلام.

لماذا فرنسا؟ هل حقاً لأنها ضربت في سورية مؤخراً مواقع لـ«داعش»، ولماذا تضربها بعد عام ونصف من تحالفها مع واشنطن؟ هل لأنّ أكثر عدد للمسلمين في أوروبا هو في فرنسا، حيث يبلغ خمسة ملايين؟

هل جواز السفر الذي ظلّ سليماً لأحد الانتحاريين، ليدلّ على أنه سوري، مغلف بالواقي نفسه الذي حمى جواز سفر أحد السعوديين اللذين فجرا برجي أيلول؟ أي مصادفة هذه؟

هل من المصادفة طرح «الإسلامو فوبيا» ومظاهرات باريس وبعض الدول لطرد المسلمين من بلادهم والتوجه لعدم التمييز بين الإرهابيين المصنعين، والمسلمين القاطنين، وخصوصاً على المهاجرين؟

حتى «الغارديان» تربط بين 11 أيلول وباريس، وتعتبرها نقطة تحول كبرى، لتحديد العلاقة مع العالم الغربي، وإعادة إحياء مصطلح «الإسلامو فوبيا»، والثمن في حالة الغضب الارتدادية التي تعتري المجتمع، دوماً يدفعه المسلمون.

هل التطرف لدى الغرب مستورد كما حاله في أزمتنا؟ في الغرب أفعال تؤدي إلى نشوء حالات تطرف داخلية. ففرنسا التي تتباهى بقيمها الجمهورية بعد الثورة الفرنسية، هي في الحقيقة شيء وهمي، رغم أنها تُدرَّس في الأكاديميات، كمثال.

فرنسا لا تمنح المواطنين المهاجرين إليها درجة المواطن الفرنسي، فهو مواطن من الدرجة الثانية، يعاني من التهميش، والتعامل غير العادل، ما يؤدي إلى خروج تظاهرات مناهضة وغاضبة من هذه الفئة، وذلك قبل نشوء الإرهاب بزمن.

هذا ينطبق أيضاً على كثير من الفرنسيين الفقراء المُهمَّشين في الأرياف، الذين يعيشون ضيق الحياة، مقابل عيش مزدهر لفئات تملك كلّ شيء بنفوذها. من هذه الفئات بعض المسلمين الذين لا يعرفون إلا اسم الإسلام، وهم يُطالبون اليوم بالحرية.

في مواجهة التشدُّد في العلمانية، ضدّ الحجاب والنقاب، مقابل الحالات التي توصف بأنها أكثر تديناً في السنوات الأخيرة. نشأت بعض الحالات التي تبعت الجماعات الإخوانية العربية. أما اليمين المتطرف الفرنسي فأحدث مفاجآت في الانتخابات مؤخراً

التفجيرات الأخيرة الممتدة لغير مكان، هدفها أن تقول عصاباتها إنها قادرة على أن تكون في أي مكان، وخصوصاً بعد تغيّر المعطيات التي طرحت مع ما دُعي بالشرق الأوسط الكبير. كذلك بعد استدارة الكثير من الدول في مواقفها تجاه «داعش».

«داعش» الإرهابي يتآكل من داخله، وأفعاله المنتشرة لا تعني أنها طويلة العمر، ويمكنه الاستمرار في أفعاله، وخصوصاً بعد اتخاذ القرارات الجدية في تجفيف المنابع الداعمة له. فيينا سترسو على أشياء جدية وجديدة، بعيداً عن جنيف الذي به يتشدّقون.

التقدم على الأرض السورية، طيّر صواب المجموعات الإرهابية، فكلما شعرت أنها في وضع صعب على الأرض، نراها تعتمد على خزانها المدرَّب من الخلايا النائمة التي تنتظر لحظة تصدير الأوامر، لتقدم إرهابها القاتل، كما حدث في جنوب لبنان.

روسيا التي تُقدم رسالة لجميع دول التحالف الدولي، بضرورة التنسيق الميداني والعسكري، وإزالة الإشكاليات كافة، ووضع رؤية متكاملة، وخصوصاً بعد العمليات الإرهابية مؤخراً، وأنه لا بدّ من تطوير العملية السياسية لحلّ الأزمة السورية.

العالم يتحدث عن العملية الإرهابية في فرنسا. إنها صدمة كبيرة، لأنها استهدفت الأبرياء. السؤال من هم سكان جنوب لبنان، ومن هم طلبة الجامعة في اللاذقية. من هم شهداء الأزمة السورية، أليسوا من الأبرياء. السؤال موجَّه إلى أميركا وفرنسا.

العملية الإرهابية في جنوب لبنان كانت حرفية، حسب تقديرات ذوي الخبرة. لأنّ لبنان محطة مهمّة بالنسبة إلى «إسرائيل»، إنْ في جمع المعلومات أو تجنيد العملاء، وهي دائماً تستغل الوضع السياسي في البلد للتجسس.

طيّب الله ثرى الرئيس حافظ الأسد الذي قال قبل أكثر من ربع قرن: نحن ضدّ الإرهاب أينما وُجد، الإرهاب مُدان وهو جريمة إنسانية وظلم صارخ، وعدوان سافر. ولقد كُتب علينا لأسباب مختلفة أن نتحمل العبء الأساسي في مواجهة العدو.

نحن مستعدّون من دون تردّد لتقديم التضحية المطلوبة. سورية دائماً تواجه قدرها بشجاعة وإيمان. بقلوب مؤمنة ونفوس راضية، ونتمنى على من ينكرون تضحياتها ألا يستمروا في هذا النُكران.

دعا كثيرون إلى مؤتمر دولي، تحت رعاية الأمم المتحدة لتعريف الإرهاب، وتحديد معناه، والوقوف على أسبابه وجذوره، والبحث عن سبل مكافحته ومواجهته، قانونياً واجتماعياً ودولياً. ولكن لا حياة لمن تنادي، أوَ أَنت مسمع الصُمّ والذين لا يفقهون.

الآن وبعد أن طالت النار أطراف ديارهم، وخشيةً من امتداد أذرع أخطبوط الإرهاب إلى مواقع وبلدان قد يعشش فيها، بدأ صراخهم للتعجيل بحلّ الأزمة السورية. خمس سنوات لم تعنيهم، حتى شربوا من ذات الكأس.

على الجميع أن يدفع بالعملية السياسية، وأن تكون فرنسا أكثر عقلانية، وأن يسقط العالم الغربي وأعداء سورية من حساباتهم تحويلها إلى أفغانستان صغيرة، وأن يلتزموا بتقديم اللوائح والأسماء لطاولة فيينا.

نحن اليوم في وضع أفضل على الأرض، عسكرياً وعملانياً، وهذا يُحسب في مفردات العملية السياسية، وعلى الولايات المتحدة الأميركية أن تتعامل مع الأزمة السورية بعيداً عن سياسة المكيالين، من أجل شعبها قبل فوات الأوان. فقد سئم وسئمنا…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى