توافق «نصرالله ـ الحريري» رسالة إقليمية بعدم التفجير ولا حلول
روزانا رمّال
ليست مصادفة أن يخرج الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، عقب التفجير الإرهابي في برج البراجنة في الضاحية الجنوبية لبيروت، ليُجدِّد ما كان يدعو إليه أصلاً منذ فترة بعيدة، وهو التركيز على أنّ هناك فرصة لبنانية لبنانية من أجل حلّ استحقاقات البلاد العالقة، لأول مرة، لأنّ الدول منشغلة بما هو أهم من ملفات البلاد وهي تحسب كلّ خطوة وموقف وتصريح نقطة لها أو نقطة مضادة عليها. من هنا، فإنّ الوهم الذي وقع فيه البعض كان بعيداً عن نصرالله ولهذا رفع منسوب الاعتماد على الحلّ الداخلي إلى سلم الأولويات، متخلياً عن أي اعتماد على تقدّم إقليمي قريب على مستوى التسويات قادر على إخراج لبنان من مأزقه والتأسيس لمرحلة جديدة.
المعركة طويلة، هكذا كان يتحدث السيد نصرالله دائماً عن قتال حزب الله في سورية. ومع تفاقم العمليات الإرهابية وتمدُّدها حول العالم، لا شيء يوحي بقرب انتهاء الضغط الميداني في سورية، وبالتالي لا شيء يوحي باقتراب التسويات، على الرغم من أنّ ما جرى في فرنسا يمكن البناء على أنه سيؤدّي إلى انفراجات بعد توحُّد الدول حول أهمية اعتبار مكافحة الإرهاب أولوية، وليست عناوين عريضة مثل إسقاط الأسد. ولكن إذا صحّت هذه الفرضية، فلن يكون لبنان أول الملفات المطروحة على طاولة التسويات، فهو، بطبيعة الحال، ليس ملفاً مستعجلاً أيضاً، لكنّ الأهم هو أنّ أحداً ليس في وارد التخلي عنه، كورقة قوة أو نفوذ، وخصوصاً السعودية.
كلّ هذا المشهد لا يغيب عن بال الأمين العام لحزب الله الذي يمثل لاعباً أساسياً في المعركة الكبرى في المنطقة، وهو ليس بصدد توزيع آمال إنما إعلان نيات يرسل من خلالها رسالة على أكثر من صعيد، فهو يؤكد أنه قادر على خوض الاستحقاقات بكلّ الخيارات من دون حاجة إلى انتظار الخارج، لأنّ حزب الله لاعب إقليمي مقرّر فرضته الساحة السورية، وهو ليس بصدد انتظار ما تمليه عليه إيران في هذا البند أو ذاك، وهذا ما لا يحصل غالباً، بحسب حزب الله وديبلوماسيين إيرانيين لطالما أكدوا العلاقة المستقلة مع حزب الله، ككيان مقرّر وليس تابعاً، وخصوصاً في الشأن الداخلي الخاص.
والحاجة إلى حلول أصبحت مسؤولية وطنية كبرى بعد التفجير الأخير الذي أودى بحياة أبرياء، لكن لا شيء يؤكد أنه التفجير الأخير في البلاد. وفي هذا الإطار استطاع لبنان أن يتخطى امتحاناً صعباً بنجاح تامّ كاد يكلفه الاستقرار الأهلي في البلاد، خصوصاً مع الفلسطينيين، بعد أن تبيّن أنّ هناك من أراد شقّ الصفوف بينهم وبين سكان تلك المنطقة، على اعتبار أنّ مخيم برج البراجنة هو مَن احتضن هؤلاء الإرهابيين فتندلع الفتنة التي من الصعب إخمادها.
مؤشر إيجابي أرسلته السعودية في ردّ الحريري الفوري بضرورة التماسك والوحدة في البلاد، وفي إيجابية ما اقترحه السيد نصرالله واستعداد الحريري لمناقشة الحلول. كلّ هذا جاء بعد رفض واضح من تيار المستقبل المشاركة في جلسة تشريعية لا يكون فيها بند انتخاب الرئيس أولاً، أو يكون فيها بند اعتماد القانون الانتخابي النسبي ثانياً، حتى وافق الحريري على اعتماد سلة الحلول الشاملة التي اقترحها نصرالله، لكن من دون أن يتضح ما إذا كان توجُّس المستقبل من تبعات أي قانون انتخابي جديد قد تبدّدت ومن دون أن تتضح هوية النظام الأنسب للكتلة لطرحه، عدا عن أنّ مرشح التيار للرئاسة غير معروف حتى الساعة، ومن هنا فإنّ اعتبار الحلول قد اقتربت في لبنان على مستوى لوجيستي فقط بصياغة لبنانية – لبنانية تتطلب أخذاً وردّاً في جلسات الحوار غير ممكن.
الرسالة الإيجابية التي سارع كلّ من نصرالله والحريري إلى إرسالها للبنانيين هي عدم وجود نيات إقليمية بتفجير لبنان بل على العكس، يجب ضبط الأوضاع فيه، قدر الإمكان، وعدم أخذ الأمور حيث لا يمكن السيطرة عليها. وبالتالي فإنّ حرص الطرفين نابع من رغبة إقليمية مطمئنة، أقله من جهة الحريري الذي يؤكد على الموقف السعودي في ذلك.
اختبار التسوية الشاملة سيفشل، لكنه سيفتح باب تمديد هدنة الجلسة التشريعية التي تمّت بإضافة بند قانون الانتخاب، فيفتح الحوار على سلة تفاهمات تضمّ الرئاسة والحكومة المقبلة والقانون الانتخابي ويدور كلام كثير، لكن من دون اتفاق، لأنّ السعودية لا تريد اتفاقاً، بمثل ما هي لا تتحمل انفراط لبنان وسقوطه في يد حزب الله. اجتماعات واجتماعات وودّ وتقارب ثم خلاف من دون تصعيد، بانتظار اقتراب قطار التسويات لأنّ المستقبل لن يجرؤ دون السعودية. هكذا تمّ تشكيل حكومة تمام سلام وهكذا تمّت تسوية الجلسة التشريعية وهكذا ستتم السلة الشاملة ولكن ليس الآن.
إنّ قبول الحريري بطرح نصرالله اليوم البحث بالسلة الشاملة يضع الفرقاء أمام مسؤولية في طاولة الحوار تلزم الكلّ بالبحث جدياً في قانون الانتخاب الأمثل الذي يوفر صيغة توافق لإجراء انتخابات نيابية تتيح الظروف الإقليمية إنجازها، هذه المرة. ومن الآن حتى لحظة البتّ بالسلة الشاملة التي سيُستفاد من فترة دراستها كهدنة في البلاد، سيُتفق عليها لأشهر، وربما ينتظر لبنان والمنطقة انكشاف النيات الإقليمية والدولية في استثمار موجة الإرهاب وحدة لضربه من أجل الدخول إلى طاولة مفاوضات لا تتفرد بها روسيا بالقتال الجدي للإرهاب الذي أحرج خصومها ووضعهم في خانة الاستسهال والمراوغة.
لبنان وهدنة الانتظار…