أميركا تردّ على روسيا في سيناء الفصل الأخير من «الربيع الأميركي» في مصر: سيناء ثم التقسيم

علي عوباني

مؤامرة «الربيع الأميركي» في مصر، دخلت آخر فصولها. المتآمرون يسعون اليوم إلى استكمال مخططهم المرسوم، والمحدّد الأهداف، استنساخ تجربة فوضى سورية والعراق، بنسخة مصرية منقحة، وكومبارس «داعش» جاهز كعادته للعب الأدوار الموكلة إليه، في المسرحية الدولية الجديدة على أرض سيناء، كرمى لعيون وخاطري أميركا و«إسرائيل».

ومع عودة رموز «الربيع العربي» الذين تصدّروا المشهد المصري عام 2011 إلى الواجهة من جديد في الأسابيع الأخيرة وائل غنيم، باسم يوسف، إسراء الطويل… ، أسئلة كثيرة تطرح عن تزامن ذلك مع حملات إعلامية وسياسية وحقوقية، وحرب اقتصادية وأمنية شرسة لمحاصرة الدولة المصرية وضرب أعمدتها السياسية والعسكرية وهزّ علاقاتها الاستراتيجية وتقويض دورها الإقليمي.

إسقاط الطائرة الروسية، بات اليوم تفصيلاً، في سياق مسرح الأحداث الجارية على الساحة المصرية، في ظلّ ما شهده من تضخيم إعلامي هائل، وتركيب أفلام أميركية هوليودية، ما يدفع إلى التساؤل عن الخطوات المقبلة والأهداف التي يبتغيها معدو سيناريو تفجير الطائرة. المستفيد من النتائج، ربما يقود إليهم، فلا مكان في قاموس أحداث، بهذا الحجم، لصدفة الزمان أو المكان، أو الجهة المستهدفة. فما يجري، ليس سوى حلقات مترابطة، لتمهيد أرضية مصر لما هو أكبر وأخطر مما شهدته.

حتى الآن كلّ المؤشرات توحي بأنّ الرئيس الأميركي باراك أوباما اتخذ قراره بالردّ على غريمه اللدود فلاديمير بوتين، وبأنّ مصر ستكون ساحة الردّ على ضربات روسيا في سورية، ولحسم الجغرافيا السياسية المصرية لصالح المنظومة الصهيوـ أميركية، بعد سياسة التذبذب والتردُّد المصرية، ومحاولة الرئيس عبد الفتاح السيسي «اللعب على الحبلين» الأميركي والروسي منذ توليه سدة الرئاسة المصرية.

بميزان حسابات المصالح الدولية، وبالمنظور الأميركي، لا مكان للون الرمادي، فليس بمقدور واشنطن القبول بأن تكون نتيجة «ربيعها العربي»، انتقال مصر من الارتماء الكامل في الحضن الأميركي أيام الرئيس المخلوع حسني مبارك، إلى سياسة مصرية تتأرجح بين مصالح واشنطن ومصالح موسكو. فكيف إذاً لطهاة السياسة في الإدارة الأميركية، الوقوف موقف المتفرجين، حيال تداعي مشاريعهم في المنطقة، وذهابها أدراج الرياح، بينما ترتفع أسهم الدبّ الروسي وتتعاظم قدراته ونفوذه الدولي يوماً بعد يوم؟

تقاطع المعلومات والتحليلات، يوصل إلى نتيجة واحدة، مفادها أنّ سيناء هي الهدف المقبل في المؤامرة الأميركية. وبالنظر إلى موقعها الجيوسياسي، تعتبر سيناء خاصرة رخوة، يمكن بسهولة النفاذ منها إلى تقسيم مصر، وخصوصاً مع بدء هجرة عكسية للتنظيمات الإرهابية من سورية نحوها على وقع الضربات الجوية الروسية. وهنا لا يمكن بأي شكل من الأشكال فهم التضخيم الإعلامي بشأن إسقاط الطائرة الروسية في أجوائها، إلا من منظور السعي الأميركي والبريطاني لتمهيد الأرضية، وتوفير المبرِّرات للاستيلاء على هذه المنطقة، نظراً لأهميتها الاستراتيجية، أولاً لعمق الأمن الصهيوني، وثانياً للملاحة البحرية، كونها محاطة بالبحر المتوسط في الشمال، وقناة السويس في الغرب، وخليج السويس من الجنوب الغربي، ثم خليج العقبة من الجنوب الشرقي والشرق. ولعلّ ذلك ما يثير مطامع الغرب، في سياق حرب البحار والمنافذ البحرية الباردة التي نشهدها اليوم بين اللاعبين الكبار على الساحة الدولية.

اليوم المسألة لم تعد تنحصر بتحليلات من هنا أو هناك تتحدث عن أنّ إسقاط الطائرة الروسية في سيناء هدفه توجيه رسالة إلى موسكو مفادها أنّ تدخلها العسكري في سورية بعيداً عن إرادة الغرب، سيجعل مصالحها مستهدفة في أرجاء المعمورة. الدول الكبرى لا تفكر ثأرياً، وسياساتها ترتكز على مصالح ومعادلات، وردّ الصفعة بصفعة، يقتضي تحقيق مكاسب جيوسياسية. من هنا فإنّ مسار التطورات المصرية يوحي بأنّ ثمة مخطط خطير يجري الإعداد له في كواليس الإدارة الأميركية، شبيه بسيناريو 11 أيلول 2001، واغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في لبنان عام 2005. مخطط يتزامن مع خطة إعلامية وسياسية مبرمجة، تحاول التركيز على أنّ إسقاط الطائرة الروسية لم يكن حدثاً عرضياً، إنما كان عملاً إرهابياً نفذه «داعش»، كما يتردّد يومياً في الإعلام الغربي وعلى لسان أرفع المسؤولين الأميركيين. ما يجري الترويج له ليس «ضرب عشواء» بقدر ما يراد له أن يكون «ضربة معلم»، تترتب على أثرها نتائج، وصولاً إلى حصد أهداف، وهو ما بدأ الإعلام الأميركي بتنفيذه عبر عدة محاور، لضرب أعمدة هيكل الدولة المصرية.

ـ تدمير أجهزة الأمن المصري وإظهار عدم أهليتها وقدرتها على محاربة الإرهاب وتوفير الأمن في سيناء.

ـ إضعاف موقع الرئاسة وإظهار الرئيس السيسي غير قادر وعاجز في الملف الأمني وتوفير الاستقرار الذي وعد به.

ـ إحباط المصريين سياسياً، وقد برز ذلك من خلال دفعهم إلى التقاعس عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية، كما حصل مؤخراً، حيث امتنع 15 مليون مصري عن المشاركة «قعدو علكنبة يتفرجو»، كما يقول الإعلام المصري.

ـ محاصرة النظام المصري حقوقياً، وهو السلاح الذي لطالما استخدمته أميركا ضدّ مبارك، وها هي تعود اليوم إلى استخدامه في وجه السيسي، وقد انتقد الاتحاد الأوروبي في بيانه الأخير حالة حقوق الإنسان والحريات في مصر.

ـ إثارة الهواجس الأمنية وبدء الحديث عن سلامة الرعايا الغربيين، وحظر سفرهم وإخلاء السياح بهدف ضرب الاقتصاد المصري في ظلّ حالته المهترئة وما يعانيه من غلاء أسعار ومعيشة واستدانة، بهدف تأليب المصريين على النظام القائم.

ـ محاولة تصوير قدرات خارقة لـ«داعش»، على المستوى الإعلامي، سواء لجهة اختراق مطار شرم الشيخ، أو انتزاعه «زعامة» الإرهاب من القاعدة، بما يعنيه ذلك من أنّ تفجيره لطائرة يعني أنّ بامكانه الوصول إلى أي دولة أوروبية أو غربية.

نجح الإعلام الأميركي في ضخّ روايات يومية تصب في خانة تثبيت رواية تفجير «داعش» للطائرة الروسية، لترسيخ ذلك في أذهان الرأي العام العالمي، لينتقل لاحقاً إلى المرحلة الثانية من الخطة، وهي التوجُّه نحو البدائل المفترضة للقوات الأمنية المصرية لمواجهة «داعش»، وإيجاد الذرائع لتدخُّل عسكري غربي في سيناء، وهنا تمّ لحظ التركيز على نقطتين جوهريتين:

الأولى، عدم قدرة القوات المتعدّدة الجنسية على حماية نفسها بالنظر إلى عددها المنخفض وتسليحها الضئيل.

والثانية، تعويم الأقليات في سيناء قبائل البدو وتضخيم قدراتها في مواجهة «داعش»، وإظهار أنها مستعدة للقتال من دون مساندة الدولة، وهذا الأمر لا نستطيع أن نقاربه، سوى من منظور الاستراتيجية الأميركية الحالية القائمة في العراق وسورية الأقليات والصحوات ، والتي تقوم على دعم الجماعات المسلحة التي تثبت قدرتها على مواجهة «داعش».

إنّ مجرد إثارة هذين الأمرين في الإعلام الأميركي، يعني فيما يعنيه أنّ هناك قراراً أميركياً قد اتُّخذ بتعزيز الوجود الأميركي في سيناء، واتخاذه قاعدة عسكرية له ولحلفائه في «ناتو»، لتأمين مصالحه، وذلك ردّاً على التدخُّل الروسي في سورية، أما المدخل إلى تحقيق هذا الهدف فمن حيث العنوان هو «محاربة الإرهاب»، وفي الأسلوب يمكن أن يكون عبر توسيع مهمّات «التحالف الدولي الأميركي» ليضرب الإرهاب في سيناء المصرية، أو ربما تسليح وتدريب «البدو» في سيناء، أو تعزيز القوات الدولية المتعدّدة الجنسيات المسؤولة عن حفظ «السلام» بين مصر و«إسرائيل»، والتي أنشئت عام 1982 بموجب اتفاقية «كامب دايفيد»، بمشاركة 13 دولة، وقوامها قرابة 1700 جندي، للتأكد من الامتثال من قبل مصر و«إسرائيل» للأحكام الأمنية الواردة في الاتفاقية.

في المحصلة، لا شك في أنّ المؤامرة على مصر كبيرة وخطيرة، وأنّ مخطط التقسيم بدأ مع تعويم الإعلام الأميركي لبدو سيناء، كما حصل مع الزيديين والأكراد والسنة وغيرهم في العراق وسورية… وغدًا ربما ينتقل الإعلام نفسه إلى الحديث عن الأقباط، حينها تكون مصر قد تحوّلت أمصاراً… فحذارِ أيها المصريون الوقوع في الفخ… ولات ساعة مندم.

كاتب وباحث لبناني

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى