بين كويرس وليننغراد كلمة السِّر
د. منيف حميدوش
يقول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: علمتني ساحات ليننغراد أنه عندما يكون القتال مفروضاً عليك، ابدأ بالضربة الأولى.
من يقرأ التاريخ جيداً، ويتمعَّن في أحداثه، ومن يدرك حقائقه ويفهم ما يدور فيه من أحداث وما تتمخّض عنه من دلالات وعبرٍ تاريخية، يفهم جيداً أنّ الأحداث التاريخية لها دلالاتها وانعكاساتها على أحداث لاحقة.
ثلاث سنوات ونصف من الحصار العسكري والاقتصادي على ليننغراد سان بطرسبورغ من قبل الألمان وحلفائهم، جعلوا من مدينة ليننغراد مدينة أشباح، لم يبق فيها شيء من الحياة إلا أناس آمنوا بها.
وقد حاصر الجيش الألماني خلال الحرب العالمية الثانية المدينة حوالي 900 يوم، ولم يتمكن السكان من إيجاد منفذ من المدينة إلا في فصل الشتاء عبر الجليد فوق بحيرة لادوغا. وأُطلق على هذا الطريق اسم شارع الحياة. فالجوع كان أكبر معضلة واجهها سكان المدينة، وعلاوة على ذلك عانوا من أمراض خطيرة مثل حمى التيفوئيد، في حين انخفضت درجة الحرارة إلى أقلّ من نقطة التجمد بكثير. من ناحية أخرى، تجمّدت مياه بحيرة لادوغا، ما أنقذ الكثيرين.
في شتاء عام 1941 تقلصت كمية الخبز اليومية لكلّ شخص في لينينغراد إلى 125 غرام فقط، إلا أنّ هناك شهود عيان يقولون إنّ القطعة المعروضة في متحف شارع الحياة في سانت بطرسبورغ الصورة ، أكبر بكثير من تلك القطعة التي حصلوا عليها آنذاك. وكان إعداد الخبز يتم من خليط لا يمكن تصوره اليوم، كالقشر والنخالة وغير ذلك وكمية قليلة فقط من الطحين.
مات أكثر من نصف مليون من سكان المدينة جراء ذلك، ونسبة 90 في المئة منهم ماتوا من الجوع، بينما نجح حوالى مليون ونصف المليون من السكان المدنيين في الهرب من المدينة عن طريق بحيرة لادوغا.
حصار ليننغراد كان عملية عسكرية فاشلة من قبل قوات دول المحور للاستيلاء عليها، أثناء الحرب العالمية الثانية. استمر الحصار من 9 أيلول 1941 إلى 18 كانون الثاني 1943 عندما استطاع السوفييت فتح معبر بري إلى المدينة. رُفعَ الحصار تماماً في 27 كانون الثاني 1944، أي بعد 872 يوماً من الحصار. كانت المدينة هي الهدف الأيديولوجي للعملية «بارباروسا» التي كانت تشمل ثلاثة أهداف حيث أنها المدينة التي ولد فيها الزعيم الروسي لينين، وكذلك هي مهد الثورة الشيوعية، وكان هناك تجاهل للقتلى من الطرفين، وكانت نهاية الحصار من نقاط التحول في مسار الحرب العالمية الثانية لصالح الحلفاء وبداية النهاية لجيوش المحور التي كانت قبل عامين على مشارف عاصمة السوفييت موسكو، حيث تمّ القضاء على الجيش السادس الألماني في ستالينغراد وبدأ منها الزحف نحو برلين.
ثلاث سنوات ونيف من الحصار العسكري والاقتصادي على مطار كويرس من قبل الإرهابيين التكفيريين وحلفائهم، جعلوا منه صحراء قاحلة لا ماء فيها ولا حياة. لم يبق فيه شيء إلا جنود آمنوا بربهم ووطنهم.
ثلاث سنوات ونصف من الحصار والقائد العسكري حيث قادها ليونيد غوفوروف بصحبة قائد القوات المدافعة عن ليننغراد أندريه جدانوف بدءاً من حزيران 1942 واستمر في قيادتها حتى نال لقب» مارشال» الاتحاد السوفياتي في يونيو 1944. خلال تلك الفترة، وتحديدا في كانون الثاني 1943في ليننغراد يقاوم مع من تبقى من جنوده، ولم يستطع الألمان وحلفاؤهم من النيل من عزيمتهم وصمودهم.
وكذلك الأمر في مطار كويرس، بقي اللواء منذر زمام قائد مطار كويرس ومن تبقى معه من ضباط وصف ضباط يدافعون عن المطار خلال فترة الحصار ببسالة وشجاعة قلَّ نظيرهما، ولم يستطع إرهابيو العالم الذين اجتمعوا من كلّ أصقاع الأرض أن ينالوا من عزيمتهم وصمودهم.
كانت ليننغراد علامة النصر بالنسبة إلى الاتحاد السوفياتي،
وكان مطار كويرس علامة النصر لسورية. صبرت ليننغراد على الحصار والتجويع والعدوان، كما صبر مطار كويرس على الحصار والعدوان والقتل. وصبر الجنود في ليننغراد، كما صبر الجنود حامية المطار في كويرس.
استطاع الجيش السوفياتي أن يفكّ الحصار عن ليننغراد بعد هذه الفترة الطويلة من الحصار، كما استطاع الجيش العربي السوري أن يفكّ الحصار عن مطار كويرس بعد هذه الفترة الطويلة من الحصار.
إذاً، الحالتان متشابهتان في الأسباب والأهداف والنتائج، كما أنهما متشابهتان في الدلالات والعِبَرِ، لذلك كما كانت ليننغراد علامة نصر في الحرب العالمية الثانية، وتحولاً في مسار الحرب، سيكون تحرير مطار كويرس علامة نصر كبيرة في الحرب الظالمة على سورية ونقطة تحول في مساره.