حزب الله يحصر مواجهته مع الحركات التكفيرية والدول الداعمة لها أمام مرحلة جديدة وصعبة

محمد حمية

بعد حادثة سقوط الطائرة الروسية في شبه جزيرة سيناء، والتي أظهرت التحقيقات أن السقوط ناجم عن عمل إرهابي. وبعد تفجير برج البراجنة الانتحاري المزدوج في الضاحية الجنوبية لبيروت، الذي أعقبته خلال 24 ساعة هجمات باريس الإرهابية، عاد تنظيم «دعش» إلى دائرة الضوء لتبلغ عملياته الإرهابية الذروة منذ ظهوره، والمرشحة إلى المزيد بعد التهديدات التي أطلقها التنظيم بتنفيذ عمليات إرهابية في أكثر من مكان في العالم.

ظهور هذا التنظيم في فترة زمنية قصيرة قياساً إلى ظهور تنظيمات «إسلامية» متطرّفة أخرى يثير التساؤلات، وما يثير الاستغراب أكثر نموّ هذا التنظيم وانتشاره ليصل إلى هذا الزخم والقوة اليوم، ما يؤشر إلى وقوف قوى إقليمية ودولية كبرى خلفه تدعمه بالمال والسلاح وتشرّع حدودها أمام دخول المقاتلين والسلاح إلى سورية والعراق وغيرهما، لتأمين مصالحها السياسية والاقتصادية والمالية. لكن هذا الإرهاب لم يوفّر تلك الدول، وأحداث «شارلي إيبدو» في فرنسا وهجمات باريس خير دليل، فالتخطيط للهجمات تمّ في سورية وأعدّ في بلجيكا ونفّذ على الأرض الفرنسية.

فما هو الإطار الذي أتت فيه عمليات باريس الأخيرة وما هي الرسائل؟ وهل تعكس قوة التنظيم وقدرته الهائلة على تنفيذ عمليات من هذا النوع، وجود بيئة خلفية فكرية أيديولوجية له في عدد من الدول الأوروبية لا سيما فرنسا؟

السياسة الخارجية لدى الدول الأوروبية التي ارتكزت على التدخل في قضايا الشعوب الأخرى، لا سيما في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هي التي أدت إلى تصاعد بعض الخلايا المتطرّفة النائمة في أوروبا ونموّها.

لا شك في أن أحد أهداف هجمات باريس، استقطاب عناصر «جهادية» من التنظيمات المنافسة لـ«داعش»، خصوصاً تنظيم «القاعدة». فإن هذه العمليات من شأنها إظهار قدرة التنظيم على الضرب في عمق مناطق «العدو» على غرار ما كان يفعله تنظيم «القاعدة» في زمن زعيم التنظيم السابق أسامة بن لادن، وذلك يُظهر «داعش» كتنظيم فاعل ويثبت في الوقت نفسه نظريته حول ضعف الظواهري، وتالياً يتحوّل «داعش» إلى وريث «شرعي» للتنظيم الذي بقي تنظيماً، فيما يدّعي «داعش» أنّه تحوّل إلى مشروع «دولة».

هذا الواقع يضع أوروبا أمام خطرين، الأول أن الإرهاب القادم من أوروبا إلى سورية والشرق الأوسط يعود اليوم إلى أوروبا بمزيد من التطرّف وأكثر تدريباً وحرفية وقدرة على القتال، ويملك وسائل جديدة ليضرب الاستقرار الأوروبي، فالفكر «السلفي الجهادي» ليس غريباً عن أوروبا بسبب آلاف المراكز الإسلامية التي تديرها الوهابية، أما الخطر الثاني فهو المهاجرون إلى أوروبا، ما قد يصعب على الدول الأوروبية التصدّي للإرهاب بسبب وجود عدد من المقاتلين من بين هؤلاء النازحين. فمعرفة الشخص الذي ربما يكون قد التحق بالتنظيمات الإرهابية في سورية، يبقى أسهل بكثير من معرفة الشخص الإرهابي الذي دخل إلى أوروبا بصفة لاجئ، باعتبار أن الاول كان على الاراضي الأوروبية وبالتالي تملك السلطات كافة المعلومات عنه، فيما لا تملك هذه السلطات المعلومات الكافية عن كل شخص لجأ اليها.

«داعش» موجود في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا والجزيرة العربية وأوروبا، فكيف استطاع توسيع دائرة انتشاره خلال فترة زمنية قصيرة؟

أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله يقول في إطلالته الأخيرة إن لا مستقبل لـ«داعش» في المنطقة لا في الحرب ولا في السلم. فعلامَ استند السيد نصر الله في قراءته مستقبل هذا التنظيم؟ هل على أسباب سياسية؟ عسكرية؟ أو اقتصادية واجتماعية وفكرية؟ بينما عمليات التنظيم تشتد وتتصاعد وتضرب في كل مكان في العالم؟ وما هو أفق نجاح هذا التنظيم في إقامة خلافته المزعومة؟ وكيف سيواجه حزب الله هذا التنظيم؟ هل فقط عسكرياً؟ أو بوسائل أخرى؟ وبالتالي كيف سيواجه الدول التي تدعم هذه التنظيمات أيضاً؟

يمكن لهذه الحركات المتطرّفة أن تحقق قفزات بمرحلة معنية، لكنها لا تتّسم بالديمومة والاستمرارية والقدرة على التجدد، وتصاعد هجماتها الإرهابية يدفع الواقع الدولي لتكتل بعد وصول نوع من التفاهم على المستويين الإقليمي والدولي لمواجهة التنظيم وبالتالي يصبح القضاء عليه مسألة وقت لتنضج التفاهمات الإقليمية والدولية.

مواجهة هذا التنظيم الإرهابي لا تقتصر على الميدان العسكري، إنما الميادين الفقهية والعقائدية والدينية أساسية في مواجهة هذا التنظيم، لا سيما المراكز والمرجعيات الدينية كالأزهر في مصر.

من الواضح أنّ «داعش» لا يستطيع الاستمرار، لأنه سيجد نفسه عاجلاً أم آجلاً أمام حرب كبيرة، ليس ضدّ الغرب بحيث يستفيد منه في الاستقطاب، إنما ضدّ المسلمين السنّة تحديداً، وهذا سيمثل مقتلاً للتنظيم.

الحركات التكفيرية الإرهابية هي نتاج البيئة الفكرية الوهابية، أما حزب الله فهو مقاومة وفكر منفتح ومعتدل ويؤمن بالتعدّدية والرؤية السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي لا تختلف عن أكثر الأحزاب والحركات انفتاحا ًواعتدالاً.

حزب الله في المرحلة الراهنة يحصر مواجهته مع الحركات التكفيرية، ولن تكون هناك مواجهة مباشرة مع الدول الداعمة للإرهاب، التي ستكون أمام مرحلة جديدة وفي وضع لا تحسد عليه بعد تفجيرات باريس وحادثة إسقاط الطائرة الروسية وتفجيرات الضاحية.

استنهاض الجهاديين واستقطابهم

يرى الباحث في الحركات الإسلامية محمد مرتضى في حديث إلى «البناء» أن عملية باريس ليست العملية الأولى لـ«داعش» خارج النطاق الجغرافي العربي. «فقد سبق له أن تبنّى عمليات في أستراليا وكندا ودول أخرى، على أن هذه العملية تأتي في نطاقين: الأول، نشر الرعب في الخارج في مسعى إلى تخفيف الضغط عن الداخل، والمقصود بالداخل مناطق تواجد التنظيم، ويأتي ذلك في سياق ما يطلق عليه التنظيم اسم الحرب على الصليبيين وانتقاماً منهم، لكن التنظيم يعلم تماماً أن هذا النوع من العمليات لن يوقف أوروبا أو الولايات المتحدة الأميركية عن تنفيذ عملياتها العسكرية في كل مكان يتواجد فيه داعش، إنما على العكس، سيدفعها إلى التصعيد أكثر، وهذا ما سيجعل التنظيم يجني ثماراً أخرى في النطاق الثاني للعملية».

النطاق الثاني يضيف مرتضى: «تقع هجمات باريس أيضاً في نطاق عمليات الاستنهاض والاستقطاب، ويعتبر التنظيم أن عمليات كهذه يمكنها أن تحقق مستويين من الاستقطاب: الاول، وهو دخول المزيد من العناصر الذين سيتبنون المنهج الجهادي. وهذا أمر، وإن كان غير مستبعد، لكنه سيبقى ضعيفاً، ومع ذلك فإن داعش يعتبر أن المستوى الثاني من الاستقطاب مضمون النتائج وسبق أن حقق أهدافه».

ويتابع: «المستوى الثاني من الاستقطاب، هو استقطاب عناصر جهادية من التنظيمات المنافسة لداعش، خصوصاً تنظيم القاعدة. فإن هذه العمليات من شأنها إظهار قدرة التنظيم على الضرب في عمق مناطق العدو، على غرار ما كان يفعله تنظيم القاعدة في زمن زعيمها السابق أسامة بن لادن، فيما تلاشت إلى حد كبير قدرة القاعدة على شنّ هجمات مماثلة في عهد الزعيم الحالي أيمن الظواهري». ويبدي مرتضى اعتقاده أن كل ذلك سيؤدّي إلى إظهار «داعش» كتنظيم فاعل ويثبت في الوقت نفسه نظريته حول ضعف الظواهري، وتالياً يتحوّل «داعش» إلى وريث «شرعيّ» للتنظيم الذي بقي تنظيماً، فيما يدّعي «داعش» تحوّله إلى مشروع «دولة».

لـ«داعش» بيئة حاضنة في أوروبا

أما أستاذ العلاقات الدولية الدكتور وليد عربيد، فيرى في حديث إلى «البناء» «أن الهجمات الإرهابية التي نفّذها تنظيم داعش في فرنسا تؤكد وجود خلايا نائمة حاضنة للفكر المتطرّف التكفيري في أوروبا، وتحديداً في فرنسا. وما يؤكد ذلك أيضاً أن الخلايا الخلفية المساندة والمسهّلة لعملية باريس، كانت في بلجيكا، ولكن الخوف من هذا خطر هذا الإرهاب سيدفع الحكومات الأوروبية إلى اتخاذ الاحيتاطات الأمنية الدائمة واتخاذ إجراءات، ليس فقط من خلال قمع التطرّف في فرنسا أو شنّ المزيد من العمليات الجوّية ضدّ التنظيم، إنما من خلال فهم حقيقة ما يجري اليوم في أوروبا وخارجها».

ويلفت عربيد إلى أن «السياسة الخارجية لدى الدول الأوروبية التي ارتكزت على التدخل في قضايا الشعوب الأخرى، لا سيما في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هي التي أدّت إلى تصاعد بعض الخلايا المتطرّفة النائمة في أوروبا، وإذا لم تجد أوروبا حلولاً اجتماعية واقتصادية وسياسية لاستئصال حاضنة الخلايا الإرهابية في المناطق الإسلامية تحديداً، فإنها لن تستطيع منع تكرار الهجمات الإرهابية على عواصمها».

ويضيف عربيد: «اليوم هناك خطر عالمي بدأ يكتشفه الغرب الأميركي، والأوروبي تحديداً، يتمثل بنمو الإرهاب بشكل لم يعد قابلاً للمنع أو للحدّ من انتشاره، لأن الحرب الأميركية على أفغانستان وعلى نظام طالبان تحت لافتة الحرب على الحركات الإسلامية المتطرّفة، نتج عنه احتلال حلف شمال الأطلسي المنطقة الإسلامية الواسعة، وبالتالي نمو تنظيم القاعدة وانتشاره. كما أن الحرب على القاعدة في العراق والإطاحة بنظام الرئيس السابق صدام حسين نتج عنهما ترتيب جديد في الشرق الأوسط وبالتالي خلق تنظيمات إرهابية كداعش والنصرة، وخلط الأوراق على صعيد العلاقات الدولية، وأدّى إلى صعود الحركات الإسلامية المتطرّفة لتطالب بإقامة الخلافة كما يفعل داعش».

ويشدّد على أن الغرب الآن يعي خطورة ما يجري بعدما دعم المعارضات التي تحوّلت إلى متطرّفة في سورية، وذلك ضدّ نظام الرئيس بشار الأسد الذي هو نظام شبه علماني. وكان نمو الحركات الإسلامية المتطرّفة على حساب هذا النظام.

أوروبا بين خطر «داعش» والمهاجرين

ويتابع عربيد: «أوروبا أمام خطرين اليوم، الأول أن الإرهاب القادم من أوروبا إلى سورية والشرق الأوسط يعود اليوم إلى أوروبا بمزيد من التطرّف وأكثر تدريباً وحرفية وقدرة على القتال، ويملك وسائل جديدة ليضرب الاستقرار الأوروبي. أما الخطر الثاني فيتمثل بالنازحين السوريين والعراقيين إلى أوروبا، الذين يعتقدون أن أوروبا جنة على الارض، ما قد يصعب على الدول الأوروبية التصدّي للإرهاب لوجود عدد من المقاتلين بين هؤلاء النازحين».

ويعرب عربيد عن اعتقاده أن الواقع الجديد في أوروبا سيدفعها إلى إيجاد أفكار جديدة ثقافية اجتماعية سياسية اقتصادية للحدّ من البيئة الحاضنة للخلايا الإرهابية النائمة في المجتمعات الإسلامية، إذ إن تعامل حكومات أوروبا مع الإسلام كدين وافد لا كشريك في بناء المجتمع الأوروبي، كان سبب في ذلك.

ويوضح عربيد أن هجمات باريس تؤكد تنامي التطرّف الإسلامي في فرنسا ما قد يدفع دول أوروبا إلى تغيير سياساتها والدول تجاه سورية، أما التغيير في السياسة الفرنسية إزاء سورية، فأمر يحتاج إلى وقت. وفرنسا تقوم بضرب معاقل «داعش» بقوة لامتصاص النقمة الداخلية، بينما بحث المجتمعون في مؤتمر فيينا حول سورية بغياب السوريين تقاسم مصالح الدول الكبرى في المنطقة والعالم، لا للبحث بالتعاون للقضاء على الإرهاب.

ويعتبر مرتضى أنه على رغم حجم المخاوف التي كانت تطلقها أوروبا منذ مدة حول مخاطر عودة «الجهاديين» من سورية إلى بلدانهم، وعلى رغم أن عدد هؤلاء الاجمالي هو بالمئات من كل دولة، فإن لنا أن نتصور حجم المخاطر المحدقة مع تدفق عشرات الألآف من اللاجئين السوريين وغير السوريين إلى أوروبا. وكانت قد تحدثت بعض المعلومات عن قيام «داعش» بإرسال المئات من العناصر في موجات اللجوء الجماعي إلى أوروبا لتشكيل خلايا نائمة هناك، إلى الوقت التي ترى فيه قيادة التنظيم أنه حان الدور للانقضاض، بحسب الضرورات والمصالح التي تخدم التنظيم.

ويبدي مرتضى اعتقاده أنّ معرفة الشخص الذي ربما يكون قد التحق بالتنظيمات الإرهابية في سورية، يبقى أسهل بكثير من معرفة الشخص الإرهابي الذي دخل إليها بصفة لاجئ، باعتبار أن الاول كان على الاراضي الأوروبية وبالتالي تملك السلطات كافة المعلومات عنه، فيما لا تملك هذه السلطات المعلومات الكافية عن كل شخص لجأ إليها.

ومن جهة أخرى، فإن الفكر «السلفي الجهادي» ليس غريباً عن أوروبا بسبب آلاف المراكز الإسلامية التي تديرها الوهابية. ويضيف: «هذا يؤكد وجود بيئة حاضنة كبيرة لهذه التيارات بين الجماعات السلفية المنتشرة بكثرة في أوروبا، وأنّ هذه البيئة لا يمكن تحجيمها تمهيداً للقضاء على هذه التيارات من دون الاخذ بالاعتبار انتزاع المراكز الإسلامية من أيدي المشايخ والدعاة الوهابيين».

لا مستقبل لـ«داعش»

قال أمين عام حزب الله السيد نصر الله في إطلالته المتلفزة الأخيرة: «بعد هذه العملية الإرهابية في برج البراجنة، سنذهب لنفتش عن جبهات مفتوحة مع داعش، لنؤكد الوفاء لدماء هؤلاء الشهداء الذين سقطوا». وحسم أن «داعش» لا مستقبل له لا في السلم ولا في الحرب.

وتشرح مصادر مطّلعة ومعنيّة في 8 آذار لـ«البناء» ما قاله السيد نصر الله، أنّ تنظيم «داعش» ـ وغيره من التنظيمات الإرهابية ـ مخالف للطبيعة البشرية على المستوى الفكري والتوجهات ومسار التاريخ. وعادة، يمكن لهذه الحركات المتطرّفة أن تحقق قفزات في مرحلة معنية، لكنها لا تتسم بالديمومة والاستمرارية والقدرة على التجدد. التاريخ الإسلامي شهد نوعاً كهذا من الحركات، ولكنها لم تستمر، ولم تملك القدرة على التجدد، إنما بقيت خارج منطق العصر، وهي تعد مناصريها بالكثير من الوعود وسرعان ما يتبين أنها أوهام، وهذا الصنف من الحركات تتشكل قواعده بسرعة وتنحصر بسرعة.

ثانياً، تضيف المصادر: «داعش» على المستوى الميداني آخذ بالتآكل والتهاوي، فمواقعه ومعاقله وقلاعه تنهار أمام ضربات المقاومة والجيش السوري في ريف حلب وتدمر، وكذلك تنهار أمام القوات الكردية في سنجار وعين العرب. ولم يتمكن «داعش» من التقدم في العراق بعد استراتيجية الحشد الشعبي التي نجحت في طرده من محافظات عدّة لا سيما من ديالى».

وتتابع المصادر، ثالثاً: ما يقوم به «داعش» من عمليات إرهابية في مناطق مختلفة، من تفجير الضاحية المزدوج إلى إسقاط الطائرة الروسية إلى هجمات باريس، هي سيف ذو حدين، فمن جهة يظهر أن «داعش» يملك بنية لوجستية وإمكانيات عسكرية ومادية هائلة، لكن ذلك يدفع الواقع الدولي إلى التكتل بعد وصول نوع من التفاهم على المستويين الإقليمي والدولي لمواجهة «داعش»، وبالتالي يصبح القضاء عليه مسألة وقت لتنضج التفاهمات الإقليمة والدولية. وسيكون «داعش» خاسراً أيضاً في أيّ تسوية سياسية إن كان في الملف السوري أو العراقي، لأن لا مكان له على طاولة المفاوضات الدولية ولا طاولة الحوار الداخلية.

وتوضح المصادر أن مواجهة هذا التنظيم الإرهابي لا تقتصر على الميدان العسكري، إنما الميادين الفقهية والعقائدية والدينية أساسية في مواجهة هذا التنظيم، لا سيما المراكز والمرجعيات الدينية كالأزهر في مصر والمرجعيات الأخرى. وأشارت إلى أن أسباباً عدّة كانت خلف تمدّد هذا التنظيم في عدد من الدول، لا سيما في الواقع العربي، فالاستبداد السياسي وقمع التعدّدية السياسية وحرّية الرأي وغياب فرص العمل والتردي الاقتصادي والاجتماعي، كل ذلك شكّل أحد المحفّزات التي ولّدت بيئات حاضنة سياسية واجتماعية وشعبية لهذا التنظيم.

الحرب ضدّ السنّة مقتل التنظيم

ويعلّق مرتضى على كلام السيد نصر الله بالقول: «البعض فهم كلام السيد نصر الله بشكلٍ غير دقيق، إذ ينبغي التفريق بين القول: لا مستقبل لداعش والقول: إن عمر داعش بات قصيراً أو أيامه باتت معدودة كما قال وزير الخارجية الاميركية جون كيري، وكما حاول بعض الكتّاب المقارنة بين القولين».

ويضيف مرتضى: «إن السيد نصر الله تحدث عن المستقبل، وليس بالضرورة أن يكون قد قصد المستقبل القريب، والأرجح أنه قصد المستقبل المتوسط أو البعيد،ـ خصوصاً أنه قال: لا في الحرب ولا في السلم. ومن الواضح أن التخلص من تنظيمات كهذه يحتاج إلى عمل طويل وشاق لا يقتصر على الجوانب العسكرية والامنية».

ويتابع مرتضى: «كلام السيد نصر الله يرتكز على ركيزتين أساسيّتين، الأولى أن داعش يكفّر الجميع مسلمين وغير مسلمين، وفي الصف الإسلامي لا يكتفي بتكفير الشيعة، إنما يكفّر الجماعات الصوفية، وأصحاب العقائد الأشعرية التي تشمل الحنفية والمالكية والشافعية أيضاً، لا بل حتى بعض الجماعات الحنبلية، وصولاً إلى من يحمل عقيدته من ناحية عقائدية ولا يتبنى منهجه كما حصل بينه وبين تنظيم القاعدة. أمام هذا الواقع، من الواضح أنّ داعش لا يستطيع الاستمرار، لأنه سيجد نفسه عاجلاً أو آجلاً أمام حرب كبيرة، ليس ضدّ الغرب بحيث يستفيد منه في الاستقطاب، إنما ضد المسلمين السنّة تحديداً، وهذا سيمثل مقتلاً للتنظيم».

ثانياً يضيف مرتضى: «إن داعش، من الناحية التنظيمية، ليس تنظيماً جهادياً صرفاً، إنما هو عبارة عن خليط من هذا ومن جماعات وصولية اتخذت من الشعار الجهادي غطاء لها. كحزب البعث العراقي وفلول جيش صدام حسين وبعض مافيات النفط والتجارة السوداء وبعض متزعمي العشائر، وهؤلاء جميعاً مع داعش طالما أنه يحقق لهم مصالحم، فإذا انتهت هذه الصلاحية وبات التنظيم عبئاً عليهم، فإنهم سيخلعون لباس داعش ليلبسوا لباساً آخر. كل ذلك بإشراف الاستخبارات الأميركية والغربية التي ستلجأ عاجلاً أو آجلاً إلى ما أُطلِق عليه اسم استراتيجية تغيير الأقنعة».

«الدولة» الوهمية

وتعرب المصادر المعنية عن اعتقادها أن «الخلافة اسم على غير مسمى، لأن داعش تنتظيم لا دولة، فالدولة لها مقوماتها. صحيح أن لدى هذا التنظيم إمكانيات كبيرة على المستويات العسكرية والمادية والبشرية والإعلامية والدعائية والتمدد الجغرافي، لكنه لا يملك دولة حقيقية لها حدودها ومقوّماتها».

بين «داعش» وحزب الله

وتستنكر المصادر تشبيه بعض الجهات الإقليمية حزب الله بتنظيم «داعش»، خصوصاً مطالبة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في مؤتمر فيينا بوضع حزب الله على لائحة الإرهاب كسائر التنظيمات الإرهابية. وترى المصادر فوارق عدّة بين التنظيمين، وتقول: «الحركات التكفيرية الإرهابية هي نتاج البيئة الفكرية الوهابية، أما حزب الله فهو مقاومة وفكر منفتح ومعتدل ويؤمن بالتعددية والرؤية السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي لا تختلف عن اكثر الاحزاب والحركات انفتاحا ًواعتدالاً». وتشدد المصادر على أن كلام الجبير ينمّ عن معاداة المقاومة وغيظ السعودية وغيرها من دول إقليمية من دور حزب الله في مقاومة العدو «الاسرائيلي»، وانتصارات الحزب في ميادين الحرب ضدّ الإرهاب وضرب الحركات التكفيرية بما فيها التي تشكل ذراع السعودية في سورية».

داعمو الإرهاب أمام مرحلة جديدة

وتشدّد المصادر على أن «حزب الله يحصر مواجهته بالحرب مع الحركات التكفيرية، ولن تكون هناك مواجهة مباشرة مع الدول الداعمة للإرهاب، التي يجب أن تقلع عن رهاناتها الخاطئة، لأنها ستكون أمام مرحلة جديدة بعد تفجيرات باريس وحادثة إسقاط الطائرة الروسية وتفجيرات الضاحية».

وتضيف: «هذه الدول ستكون في موقع لا تحسد عليه وشديدة الحرج على المستوى السياسي دولياً، بعدما كُشف الدور التي تؤديه، ستكون في وضع لا تحسد عليه إذ ستتلقى ضربات من الإرهاب الذي دعمته».

وتلفت المصادر إلى أن «عمليات باريس الإرهابية تؤكد ما كان حزب الله قد حذّر منه سابقاً، أن الإرهاب لا يميّز بين بلد وبلد ودين وآخر، إنما الدول كلها التي تدعم التنظيمات الإرهابية ستتعرض لعمليات إرهابية في عواصمها». وترى المصادر أن الضحايا الذين سقطوا في عمليات باريس هم مدنيون أبرياء لا ناقة لهم ولا جمل كضحايا تفجير برج البراجنة المزدوج والضحايا الذين يسقطون في المنطقة باعتداءات الإرهابيين».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى