الجناح الفرنكوفوني لـ«داعش»

عامر نعيم الياس

تبريراً لسياسات الحكومة الفرنسية التي يقودها الاشتراكي هولاند، روّجت وسائل الإعلام الفرنسية فرضية «الذئاب المنفردة» أكثر من غيرها من وسائل الإعلام الغربية. والهدف الرئيس من وراء ذلك، تبرير شعار «لا بشار، لا داعش». الرئيس الفرنسي وأمام الجمعية الوطنية قبل يومين، أرّخ لتغيير الاستراتيجية الفرنسية في سورية، واستبدال الأولويات، الذي فرضه 11 أيلول الفرنسي «ليس الوقت لاحتواء داعش بل لتدميره»، اعتراف بأن ما جرى كان للاحتواء ضمن خطوط حمراء ومنع تمدّد للتنظيم في المناطق التي تهم الدول الغربية، والسماح له بالتمدد في المناطق التي لا تمسّهم مباشرةً، هنا يحقق الغرب هدف الضغط على معارضيه في الجغرافيا العربية، ويحقق التنظيم مقولة «باقٍ ويتمدد»، ويبقى التنظيم قادراً على تجنيد أكبر عدد ممكن من آلات القتل البشرية بسبب صورته الخارقة، وقدراته العالية على التخريب.

عبر المبايعات، تمدّد «داعش» في سورية والعراق ومصر وفلسطين المحتلة وليبيا وأفغانستان، لكن لم تظهر له أجنحة دولية في الدول الغربية، وهو ما أنهى بمجرد هجمات باريس التي حصدت أكثر من 150 قتيلاً، فانتحاريون خمسة من أصل ثمانية مروا من سورية وعادوا إلى فرنسا، حتى أن مجلة «دابق» الناطقة باسم «داعش»، لم تتردد في عددها الصادر في شباط الماضي في الحديث عن عبد الحميد أباعود، الذي غادر إلى سورية في عام 2013 وقام بجولات مكوكية بين فرنسا وسورية ماراً بطريق الهجرة بشكل عكسي. فاليونان هي المحطة ما قبل الأخيرة، وتركيا هي الممر الإلزامي الذي اكتسب شرعيته من الغرب ذاته.

سامي عميمور هو الآخر ذهب والده إلى منبج لإعادته ومرّ عبر الوسيط التركي، لكن من دون جدوى، رحلة الأب إلى سورية من «غازي عنتاب جاءت عبر حافلة تحوي على أطفال ونساء روس ومغاربة» وفق صحيفة «لوموند»، هو النقل الشرعي لمجتمعات بأكملها إلى سورية، فيما يتم خداع الرأي العام الغربي والأوروبي تحديداً بظواهر «الشذوذ والجنون والذئاب المنفردة»، واستبدال تسمية الإرهابيين بالجهاديين، فهل لا يزال ذلك ممكناً؟

انقلبت الأولويات الغربية رأساً على عقب، «داعش» تنظيم عابر للقارات بإرادة دولية سياسية واستخبارية لا يمكن الالتفاف عليها وإنكارها. و«داعش» الذي تمدّد إلى مرحلة لا يمكن فيها السيطرة على قاعدته وقيادات الصف الثاني فيه على الأرض، اتبع استراتيجية جديدة لتقوية الروابط بين المركز في العراق وسورية، وبين الفروع التي صارت أمراً واقعاً ظهر في مصر وفي باريس، نحن أمام الجناح الفرنكوفوني لتنظيم «داعش» الذي أعدّ لهجمات باريس بالتنسيق مع المركز في سورية على وجه الخصوص، وهو ما اعترف به الرئيس الفرنسي.

الإرهاب ليس ورقةً يتم فرضها على منطقة دون أخرى، الإرهاب ايديولوجيا عابرة للقارات تقوم على قاعدة شطب الطرف الآخر من الوجود، وهو ما سيدفع الغرب ثمنه في سياق دفعه لمفهوم التكفير إلى أبعد الحدود، لاعتبارات كانت أولاً وأخيراً تقوم على إسقاط سورية، لكن الصمود ردّ الإرهاب من سورية إلى باريس اليوم على قاعدة أن ما مرّ من سورية سيعود يوماً إلى وطنه، بانتظار الأجنحة الأوروبية الأخرى لـ«داعش» الذي يريد أن يظهر أنه يضرب متى وأين يريد.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى