إرهاب فوبيا… واشنطن إلى الصفوف الخلفية وباريس تسلّم راية الحرب على الإرهاب لموسكو
سعدالله الخليل
بسرعة كبيرة تعاظمت كرة ثلج الإرهاب الأسود في رحلة العودة صوب الغرب، معلنة شتاء أوروبياً لاهباً، وفق دورة حياة الإرهاب العابر للقارات، والذي لم ولن يتوقف عند حدود ما شهدته العاصمة الفرنسية باريس من تفجيرات وما تلاها بعد تفجير انتحارية نفسها خلال عملية مداهمة لمنزل في ضاحية «سان دوني» شمال العاصمة باريس، يُشتبه في وجود عدد من المطلوبين داخله.
وبالرغم من صعوبة تحمُّل بلد أوروبي عاش عقوداً من الرخاء والأمان لتبعات أحداث أمنية ضخمة، فإنّ فوبيا الإرهاب وهاجس الاستهداف يشكلان التحدّي الأكبر أمام المنظومة الأمنية، لدرجة الاستنفار جراء أبسط التهديدات، فبات مجرد اتصال هاتفي كفيلٌ بإفراغ ستاد دولي وإلغاء مباراة، بحجم لقاء منتخبي ألمانيا وفرنسا، وربما تشهد الأيام المقبلة إلغاء قمم واجتماعات كبرى، ما يهزّ منظومة الأمن الأوروبي من العمق، حيث بدا واضحاً أنّ الحديث الأوروبي عن مكافحة الإرهاب منذ قمة العشرين لم يعد مجرد تمنيات ودعوات إلى التعاون وكلام في العموميات، بل دخل في التفاصيل المجدية التي لم تعد تحتمل المغامرة برفع الشعارات وحيث لم يعد في الإمكان المضي في مسايرة أوروبية عموماً وفرنسية بشكل خاص للرغبات السعودية، فالرشوات المالية قابلة للصرف في الميادين السورية والعراقية واليمنية ويصبح الحلال حراماً في ساحات برلين وباريس التي أسقطت تفجيراتها النظرية الأميركية بإمكانية احتواء شياطين الإرهاب في ملاعب الخصوم، وقد أدركت أوروبا أنّ حماية المدن الأوروبية من الإرهاب لا يتم بتحصينها وتكثيف المراقبة على المتشدّدين، كما يفكر بعض سطحيي التفكير في السياسة والأمن وإن اعتلوا يوماً ما مناصب كبرى كساركوزي، ولا يكفي تجميد الأصول ومراقبة التحويلات المالية للجماعات المتشدّدة للقضاء على جذور الإرهاب، إنما بمكافحة جادة.
كانت الغارات الفرنسية على الرقة باكورة التدخل الفرنسي وقد تزامنت مع غارات روسية كثيفة، في إشارة إلى التنسيق الروسي ـ الفرنسي، وما تلاه من الإعلان عن توجه حاملة الطائرات الفرنسية إلى المتوسط في الوقت الذي أمر فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قواته بتنسيق ضرباتها الجوية والبحرية مع نظيرتها الفرنسية التي أعلنت دخولها الحلف الروسي ـ السوري في مكافحة الإرهاب، بالتزامن مع دعوة موسكو مجلس الأمن إلى اتخاذ قرار لتشكيل جبهة واسعة لمحاربة الإرهاب.
أدركت موسكو حرج الموقف الأوربي في مواجهة الإرهاب، فبعد أن كشفت، بضرباتها الجوية، هشاشة التحالف الأميركي في تنظيم «داعش» ليكون قرار تشكيل جبهة دولية لمواجهة الإرهاب بقرار أممي أمراً يسقط كذبة الحرب الأميركية على الإرهاب التي امتدت أربعة عشر عاماً، شنّت واشنطن خلالها حروباً ومعارك حول العالم دون حسيب أو رقيب وتفردت بقراراتها دون مرجعية أممية وكانت النتائج تدمير دول وتهجير شعوب وتعاظم الإرهاب واتساع رقعته، والنتائج كفيلة بالإعلان عن إحالة مشروع واشنطن إلى التقاعد والبدء ببناء قوة فاعلة، وفق شرعية الأمم المتحدة تستند إلى قوانين واضحة بمحاربة التمويل والتسليح، بما يسمح بمحاسبة الأطراف المتورطة بدعم الجماعات الإرهابية سواء كانت دولاً أو منظمات أو أفراد، وهذا ما تُعِدُّ له موسكو فاتحة الأبواب للتعاون مع كلّ الأطراف الراغبة بمحاربة الإرهاب. ولعلّ رسالة السيناتور الأميركي ريتشارد بلاك إلى الرئيس السوري بشار الأسد والتي لفت فيها إلى المخطط الغربي ـ الأميركي بإسقاط سورية، تؤشر إلى تنامي الوعي الأميركي لحقيقة ما يجري في سورية. كما أنّ كلام بلاك بأنّ الكثير من سكان ولاية فرجينيا يشاركونه الصلاة كي ينتصر الجيش السوري وحلفاؤه على قوى الشر التي مولتها بلاده فيه رسالة إلى البيت الأبيض للكف عن تمثيل دور محارب الإرهاب وبادرة تسمح له بانخراط جدي في مواجهة ما يهدّد الأمن والسلم العالميين.
أحداث باريس تعلن وضع الحرب على الإرهاب في مساراتها الحقيقية و«الإرهاب فوبيا» يدفع الغرب إلى تسليم راية الحرب على الإرهاب لموسكو وواشنطن، بانتظار أن تحجز مقعداً في الحرب ولكن في الصفوف الخلفية.
«توب نيوز»