خيبة وهزائم متكرِّرة

عبد الحكيم مرزوق

ثمة قوانين وأنظمة تحكم دول الجوار، وهي التي تنظم العلاقة بينها، وإذا ما أخلت دولة ما بهذه القوانين والأنظمة فهناك من يفصل في النزاعات والمشكلات التي تنشأ بين الدول المتجاورة، سواء أطلقنا عليها تسمية الشقيقة أم الصديقة، ففي النهاية لن تفيد تلك التسميات بشيء لأنّ ما يحصل يكون متجاوزاً لمفاهيم الصداقة والأخوّة، وهذا ما يطرح علامات استفهام كبيرة حول الأسباب الحقيقية لتلك التجاوزات التي قد تحصل.

نشير هنا إلى أنّ المرجعية في هذه المنازعات والمشكلات التي قد تحصل غالباً لا تكون نزيهةً ومتمتعةً بالمصداقية لأنّ من يقود العمل فيها هو الولايات المتحدة الأميركية والدول الخمس الكبرى، وهذا ما يجعل الحلّ العادل يتأخر كثيراً وربما لا يأتي ودليلنا على ذلك هو احتلال الكيان الصهيوني الغاصب للأراضي الفلسطينية المحتلة والقرارات الكثيرة التي اتُّخذت في مجلس الأمن ورُميت في الأدراج من دون أن يكون لها أي مفعول أو تنفيذ على أرض الواقع، وذلك بسبب نظرة الولايات المتحدة الأميركية الحولاء إلى القضايا العربية والوقوف إلى جانب الكيان السرطاني «الإسرائيلي» الذي زرعته في المنطقة العربية لتبقيها خاضعة وخانعة لشروطها. فهي تريد المنطقة العربية في يدها مطيعة تسرق خيراتها، على الدوام، بعلم ملوكها وأمرائها وبعض حكامها الخانعين الذين لا حول لهم ولا قوة وهم الذين تعلموا على طاعة سيدهم الأميركي.

ولم تتوقف المسألة عند هذه النقطة، بل وصلت إلى حدّ تنفيذ المؤامرات بعد أن فشلت كلّ الجهود لتكون تلك الدول تحت عباءة السيد الأميركي، وبعد أن فشل الكيان «الإسرائيلي» في القيام بمهمّته المرسومة له في أن يكون العصا التي تضرب بها أميركا كلّ الدول التي لا تستجيب لمطالبها وتعلن خضوعها وتنفذ سياساتها في المنطقة، فالخسائر التي ألحقتها المقاومة الوطنية اللبنانية بالكيان «الإسرائيلي» والضربات الموجعة التي وجهتها إليه جعلت هذا الكيان لا تقوم له قائمة ويعدّ حتى المليون قبل أن يفكر في شنّ أي حرب أو القيام بأي اعتداء بعد الخسائر التي لحقت به جراء اعتداءاته على الجنوب اللبناني، بالإضافة إلى الهزائم التي مُني بها جرّاء عدوانه على غزة المحاصرة وعدم قدرته على تسجيل أي انتصار يرفع من معنويات جيشه ويتباهى به أمام ولي نعمته الأميركي الذي يمدّه بأحدث الأسلحة على الدوام ويدعمه مادياً ومعنوياً.

لكنّ هذا كله لم ينفعه في شيء ولم يرفع من معنويات جيشه التي انهارت أمام صمود المقاومين في لبنان وغزة، الذين كانوا يدافعون عن أرضهم وعرضهم في حين كان جيش الكيان الغاصب في أسوأ أيامه لأنه جيش مأجور لا يدافع عن أرضه التي وُلد فيها بل يدافع عن الباطل المهزوم والمأزوم على الدوام ولأنه لا يحمل تلك العقيدة التي يحملها المقاومون.

إذن تلك المرجعيات لم تكن ذات مصداقية منذ إنشائها، وهي كانت تقف إلى جانب «إسرائيل» المحتلة لفلسطين، وقد كرست بذلك «قانون الغاب» حيث يأكل القوي الضعيف، فالولايات المتحدة الأميركية هي التي تفصّل القرارات حسب مصلحتها كي تبقى مهيمنة ومسيطرة على العالم حين كانت تُعتبر هي القطب الأقوى والأوحد في العالم.

أما الآن وبعد سلسلة الهزائم التي تعرضت لها مع ربيبتها «إسرائيل»، فإنّ المؤشرات تدلّ على أنّ زمن القطب الواحد قد ولّى وقد أفل الزمن الذي تحكم فيه الولايات المتحدة الأميركية العالم بعد ظهور قوتين مهمّتين في العالم هما روسيا والصين اللتان قلبتا المعادلة في مجلس الأمن واستخدمتا حقّ الفيتو في وجه الولايات المتحدة الأميركية مرات عدة موجهة إليها عدة صفعات ورسائل تقول من خلالها أنّ زمنها قد توقف وأنّ المنطقة مقبلة على تغيرات كثيرة في موازين القوى وعليها أن تبحث عن مكانها الطبيعي بين تلك الدول من دون عنجهية واستكبار لأنّ استمرارها في سياساتها التآمرية لن تنفعها ولن تحصد منها إلا الخيبة والهزائم المتكرّرة وهذا ما نراه جلياً على أرض الواقع.

كاتب وصحافي سوري

marzok.ab gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى