وصفات لبنانية للعراق ـ مبروك للجزائر

ناصر قنديل

– يدرس رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي كيفية نجاح تجربة حزب الله في مواجهة «القاعدة» ومتفرّعاته من جهة، وتفكيك الحالة المذهبية التي سعت إلى الاحتماء بها من جهة مقابلة، خصوصاً أنّ حزب الله لم يقدم أي تنازل عن أساسياته، وفي مقدمها ما يصعب الدفاع عنه في شكليات السياسة التقليدية، والمقصود السلاح الذي يمثل ترسانة لا يُستهان بقدراتها، تقع خارج يد الجيش والأجهزة الأمنية، وكلّ ذلك في بيئة إقليمية أشدّ تعقيداً من العراق لاتصالها المباشر بالتحديّيْن الأبرز على الصعيد الدولي، مستقبل النظام في سورية، ومستقبل توازن المواجهة مع «إسرائيل»، حيث يلعب حزب الله دوراً محورياً في كليهما.

– بين الوصفات اللبنانية كما يسمّيها المقرّبون من المالكي، وصفة السابع من أيار بمعنى الردع العسكري والأمني، والتي تخلق المناخ المناسب لصناعة التسويات السياسية، حيث التسويات التي تبدو ضرورية لتشكيل غطاء غير طائفي في مواجهة «داعش» وتجريد التنظيم من فرصة الاحتماء ببيئة مذهبية، لا تبدو ممكنة من دون تظهير الطريق المسدود للرهان على تغيير عسكري ينتجه الرهان على التماهي مع «داعش»، خصوصاً أنّ التغطية السعودية لهذا التماهي وتقديم الدعم المالي والسياسي والإعلامي لتصوير معركة «داعش» كثورة شعبية، لن تتوقف إلا إذا استشعر السعوديون أنّ طريق الرهان على الضعف مسدود ومقفل، وأنّ كلفة هذا الرهان تقترب من الخسارة الكبرى ما لم يتمّ تعبيد طريق التسويات.

– من الوصفات اللبنانية المفاضلة بين اهتمامات الشرائح السياسية والاجتماعية الوازنة التي يراهن «داعش» على الاحتماء بها وترتضي هي هذا الاحتماء أملاً بتعزيز وضعها التفاوضي سعياً إلى دخول لعبة السلطة، وبين شرائح أخرى تقع اهتماماتها في دائرة الارتباط بمشاريع تطاول الهوية السياسية للعراق، وتحضر للدراسة تجربتا حكومة الرئيس نجيب ميقاتي كمثال على استقطاب الشرائح المهتمة بلعبة السلطة وكيفية استقطابها، لتغطية أدوار مرحلية، والحكومة الحالية في لبنان التي يترأسها تمام سلام والتي تخلى تيار المستقبل عن تحفظاته على المشاركة فيها ربطاً بدور حزب الله في سورية، تماثلاً مع المآخذ على مواقف المالكي من الأزمة السورية، لترى أنّ العامل المحرك هو الإغراءات التي قدمها حزب الله لتيار المستقبل في الأحجام والأدوار والحقائب، والتي حرمت مكوّنات «القاعدة» فرصة التغلغل في الجسم الشعبي للمستقبل وبانت نتائجها في تراجع نفوذ «القاعدة» والنجاح بتوجيه ضربات مؤلمة إلى جسمه، وبعجزه عن تجنيد انتحاريين لبنانيين، وصولاً إلى العجز عن التحرك بحرية وامتلاك هامش مناورة وحركة لا بدّ منهما لتحقيق النجاح.

– وصفة لبنانية أخرى يمثلها الانفتاح على مكوّن الضلع الثالث للمجتمع اللبناني، وهو في لبنان البيئة المسيحية وزعاماتها، ونجاح الحزب ببناء علاقة ثابتة وراسخة مع أبرز زعامة مسيحية يمثلها العماد ميشال عون، وما يوازيها في التكوين العراقي الديمغرافي من دور ومكانة للتشكيلات الكردية، التي يفتقد المالكي حليفاً وازناً راسخاً بين مكوناتها.

– الوصفات اللبنانية تدرس لكنها غير قابلة للنسخ، فالخصوصية العراقية والخصوصية اللبنانية تفرضان منطقين مختلفين، خصوصاً أنّ الشرخ المذهبي في لبنان يكسره وجود امتداد حقيقي لمؤيدي المقاومة في البيئة الطائفية السنية، فحلفاء المقاومة من السنة ينالون في كلّ استحقاق انتخابي ثلث أصوات طائفتهم.

– ثمة من يطرح في فريق المالكي المبادرة لدراسة وصفة روسية تعبّر عنها العلاقة بين الرئيس فلاديمير بوتين ورئيس وزرائه ديمتري ميدفيديف بأن يجد المالكي حليفاً كالدكتور ابراهيم الجعفري يرشحه لرئاسة الحكومة ويتولى من ورائه رئاسة وقيادة الكتلة النيابية الأكبر، أو ما سيصبح الغالبية البرلمانية، وما قد يشكله ذلك من كسر لحدة المناخ وخلطاً للأوراق من دون المساس بالسياسات، وهذا الدور ليس ببعيد على كلّ حال عن الدور الذي يرتضيه حزب الله لنفسه في لبنان منذ سنوات ولو بطريقة أخرى، أو ما يُسمّى بتواضع القوي.

– تعادلت الجزائر مع روسيا في المباراة التي انتهت بعد منتصف الليل، فتأهّلت إلى الدور الثاني في المونديال، ألف تحية قلبية للجزائر وشعبها، ولاعبيها ومنتخبها، حيث تقدّمت بينما سقط كبار يشيخون مثل اسبانيا وإيطاليا وإنكلترا، هنا كلام في السياسة وليس كلاماً في التموضع بين مشجعي الفرق العالمية لكرة القدم والاحترام لخياراتهم، عربي يقول ألف مبروك للجزائر فقط.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى