النبوّة والخلافة والرئاسة بين البيعة والانتخاب 5
الشيخ الدكتور أحمد بدر الدين حسّون
مفتي الجمهورية العربية السورية
ـ طاعة الحاكم ـ
صفات الحاكم حددها الرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن، كذلك أعطانا كل من سيدنا موسى وعيسى مواصفات للحاكم، فحين يحدثنا الله عن موسى وعلاقته مع فرعون قال: «اذهبا إلى فرعون إنه طغى، فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى».
إنه يطغى، أي تجاوز العدل، وما دام تجاوز العدل يصير سؤال موسى الطبيعي، أأعزله؟ أأقيم عليه ثورة؟ أأقتله؟
فقال الله، قولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى، إذاً عليك نصح الحاكم الظالم الطاغية، فكأن سيدنا موسى يقول يا رب أنت قلت طاغية إن ذهبت إليه سيقتلنى، فجاء في الآية الكريمة: «قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى».
فالله مع الذي ينصح الحاكم معاوناً ومساعداً ومعضداً له، وهذه هي مهمة الأنبياء أن يقوموا الحاكم لإقامة العدل، وإذا أقامه والتزم المنهج فليبق حاكماً، فنحن مهمتنا إصلاح الإنسان وليس قتل الإنسان، فاذ بفرعون يستقبل موسى، الله حكى لنا حوار فرعون وموسى ورد موسى وفرعون.
لنسمع لهذا الحوار الذي يعد منهجاً لصفات الحاكم والشعب والداعية، فقال من ربكما يا موسى فلما وصل سيدنا هارون إلى فرعون: «فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى».
أي لتكون عادلاً… فبنو إسرائيل استعبدتهم ونأمل تحريرهم ولا تعذبهم … ودلالة صدقنا قد جئناك بأية من عند ربك، والدليل ستحدث معجزة، والسلام على من اتبع الهدى، إنا قد أوحي إلينا، إن العذاب على من كذب، العدل وتولى الظلم، أي الذي يكذب العدل فإن الله يعذبه وهذا مقصد الآية الكريمة: « قال فمن ربكما يا موسى قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى».
وبدأا بشرح صورة الرب الجميل لا القاتل… الرب العادل، فكان جواب فرعون هل جئتم إلى أرضي لتخرجوني من أرضي سآتيكم بعلماء، ومعروفة قصة السحرة.
اليوم من يريدون إزاحة الحكام بسيوفهم وبنادقهم من دون دعوتهم، خالفوا نص القرآن، الذي أمرنا بالعدل وبعد العدل الإحسان وإيتاء ذي القربى ونهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، الفحشاء التسلط على الأعراض، المنكر لإطلاق التهم، البغي العدوان، فالله ينهانا عن تغيير الحاكم بالفحشاء والمنكر والبغي، ويأمرنا بأن نرى إن أخذنا الحاكم بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وهذه هي صفات الحاكم، وسيدنا عيسى قال: «ما لقيصر لقيصر وما لله لله» سأدعوا قيصر للإيمان وأترك ما لقيصر لقيصر، ولكن لي أعمال الله لله، فصفات الحاكم أن يدع الإنسان يؤمنون بالله ويقومون بعبادته، وأن يكون في خدمتهم، وعلى الذين يؤمنون بالله أن يدعوا ما لقيصر لقيصر، إن الله يحاسبك ونحن يحاسبنا الله، ولكن بشرط أن يترك قيصر ظلم الناس وأن يضع الناس بالعدل، والله لا يحتاج لملك قيصر.
وجاء النبي وقال السمع والطاعة للحاكم، وإن تأمر عليكم عبد حبشي ما أقام فيكم كتاب الله، أي ما ترك كتاب الله يقوم في ما بينكم، أي لا يكون هناك منع لكم من الإيمان، فإن منعكم… هل يمكن لأحد أن يمنع الإنسان من الإيمان الذي هو بالقلب؟ أما إقامة الشريعة أي أن أحكم شرع الله، فأي حاكم في الدنيا يمنع إقامة شرع الله، أي أن يكون العدل الأساس في معاملات الناس؟
هنا معايير الحاكم ومعايير البيعة أو الانتخاب ومعايير الطاعة أو المساءلة.
الحاكم الذي يجب أن أنتخبه، هو الذي يعطيني حرية الكرامة في عقيدتي ومجتمعي واقتصادي وبيتي وقداسة ربي، فنخن الآن في سورية، خلال 40 سنة طبع 50 مليون مصحف وكذا مليون إنجيل، بنيت عشرات الآلاف من المساجد والمدارس الشرعية والكنائس، ومنح لنا ما يجب في الإيمان، فيبقى الأمر في الدنيا هو عدل الحاكم، فما دام الحاكم عادلاً يحترم عقائد الناس ويقيم العدل بينهم وجب أن نطيعه، وإن أمرنا بالمعصية فحكمه حكم الوالد والوالدة «وإن جاهداك على أن تشرك بما ليس لك به علماً فلا تطعهما»، فأنا لا أطيع الحاكم إذا أمرني بالكفر، ولكن علي أن أحاوره وأدعوه كما دعى موسى فرعون، وكما دعى رسول الله هرقل وكسرى وأهل مكة.
والخلاصة هي أن دين الحاكم وتدينه لا يقرران صلة الناس به ولا سلوكها معه، فصفات الحاكم المانعة للثورة، أن لا يمنع الناس عن حرية دينها وإيمانها وعقيدتها وشعائرها، وصفات الحاكم الموجبة للنصح، أن يطغى ولا يحكم بالعدل، وصفات الحاكم الموجبة للتغيير بالتي هي أحسن، أن لا يصغي للنصح، وصفات الحاكم الموجبة للطاعة، أن يحمي حرية الأديان ويسعى لإقامة العدل ويستمع النصح.